مقالات متنوعة

التجارة في مكاتب الدولة!


في دراسة سابقة له أكد المجلس الأعلى للأجور أن الرواتب التي يتقاضاها العاملون بالدولة تعادل 16% فقط من تكلفة المعيشة وأن مرتب أي موظف بالدولة يكفي لمدة “12” يوماً فقط ومع ذلك الناس عايشة بفضل الله وكرمه، ولا ريب أن الحكومة تعلم يقيناً هذه الحقائق وبالتالي “تتفهم” ما يحدث من تجاوزات ومخالفات ترد في تقارير المراجع العام كل سنة. و”تتفهم” كذلك حكاية حوافز الأداء لناس أصلاً “ما شغالين”- بالمناسبة الحوافز أكبر بكثير من المرتبات..!

تظل هذه القضية عقبة كأداء أمام إصلاح الخدمة المدنية، ومعضلة عصية على الحل، فكيف لموظف يتقاضى ألف ونصف الألف جنيه أن يؤدي عمله باتقان وتفانٍ دون أن يفكر في عمل إضافي كالسمسرة والدلالة والتجارة لمقابلة متطلبات المدارس والعلاج والمناسبات المختلفة، أو يفكر في السطو على ممتلكات الدولة وأموالها العامة ومدخراتها وعهدها .

أعلم أن كثيراً من الموظفين بالدولة تحولوا إلى سماسرة أراضٍ وعربات، وبعضهم يأتي ببضاعة مُزجاة داخل المكاتب التي تتحول في أحيان كثيرة ومناسبات عديدة إلى متاجر لبيع الملابس الجاهزة والملاءات والأحذية..!

بعض الموظفين تخصصوا في بيع الأجهزة الإلكترونية من هواتف ذكية و”لابتوبات” وغيرها، بينما تخصص البعض في بيع الأجهزة الكهربائية، من مكيفات وأفران و”مايكرويفات” وبعضهم تخصص في بيع المواد الغذائية، كل هذه البضائع يتم جلبها إلى متاجر الدولة -عفواً مكاتب الدولة – على قوائم طويلة من الأصناف المختلفة ويتم بيعها بالتقسيط..!

هذه المشاهد أضحت مألوفة حتى في مؤسسات القطاع الخاص لدرجة أنها لم تعد تُثير حفيظة رئيس وحدة أو قسم أو مدير أو وزير ولا تستدر غضب رئيس مجلس إدارة ..

في ظل هذا المشهد لا يمكن أن نطمع في خدمة مدنية نظيفة، وطالما أن الحكومة “تتفهم” هذه الفوضى ومسبباتها ولا تستطيع إزالة هذه العوائق والمسببات فلن نتطلع إلى حسم يُعيد الخدمة المدنية إلى صوابها وإلى عهدها القديم حيث كان الموظف وقوراً وموفور الكرامة ومحترماً في مجتمعه لأنه يلتزم بضوابط العمل في دولاب الدولة ويتقيد بقانون الخدمة المدنية والتوجيهات واللوائح الصارمة ويتواجد داخل مكتبه ولا تشغله شواغل عن أداء عمله الرسمي.

في رأيي أن هذه القضية هي أس البلاء حيث نجد عاملين وموظفين يتقاضون قليلاً من المرتبات وكثيراً من الحوافز دون عمل وهناك أموات ومغتربون لاتزال أسماؤهم في كشوفات المرتبات وتحدث كل هذه الفوضى بسبب هزال المرتب وترك الحبل على الغارب دون محاسبة أو مراقبة بحجة أن الراتب لا يكفي.. اللهم هذا قسمي فيما أملك.

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.

أحمد يوسف التاي

الصيحة