تحقيقات وتقارير

وزير المالية يرد بالأرقام ويقرر الاستقالة تفاصيل جلسة ساخنة تحت قبة البرلمان


شهدت قبة البرلمان أمس مواجهة ساخنة بين رئيس البرلمان البروفسير إبراهيم أحمد عمر، ووزير المالية بدر الدين محمود تارة، ومع نوابٍ تارة أخرى، بعد أن تعرضت سياسات وزارة المالية وطاقمها الاقتصادي إلى عاصفة من الانتقادات جراء العجز في معالجة الضائقة المعيشية للمواطنين، إلا أن الوزير دافع عن وزارته والأداء الاقتصادي بالأرقام وقارنها بالحاضر والأعوام التي تلت انفصال الجنوب، لكن حديث الأرقام لم يرق لرئيس البرلمان، وطالب الوزير بالحديث عن أسعار “الخضار واللبن واللحوم” المرتفعة لأن المواطن يكتوي بغلائها، وبعد أن احتدمت المواجهة اضطر وزير المالية لأن يقسم بأنه لن يستمر وزيراً للمالية بعد إيداع موازنة 2017 منضدة البرلمان في ديسمبر المقبل، وتابع قائلاً: “والله والله لن أستمر وزيراً للمالية بعد الموازنة، وفترتي بالوزارة كانت ناجحة وسيكتب التاريخ ذلك”، إلا أن رئيس البرلمان رد على ذلك قائلاً:” تم تعيينك عبر مؤسسات وهي التي تقرر في ذلك”.

مداولات ساخنة:
خصص المجلس الوطني جلسات الأسبوع الحالي لمناقشة قضية “معاش الناس” وكيفية الوصول لحلول للضائقة المعيشية بدأت بالإثنين وانتهت أمس “الأربعاء”، حيث واصل النواب نقدهم للتدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد وغلاء الأسعار “الفاحش” مطالبين بإقالة الطاقم الاقتصادي لفشله في إخراج البلاد من الضائقة، واتهموا الحكومة بإهمال الزراعة والثروة الحيوانية وضعف التمويل الزراعي، بينما عبر آخرون عن “حيائهم” كونهم يمثلون الشعب، مشيرين إلى أن “الدقيق والزيت والبصل وكل مستلزمات قفة الملاح لا ينتظر فيها المواطن كثيراً وتحتاج حلولاً عاجلة”.

رئيس لجنة الزراعة والثروة الحيوانية عبد الله علي مسار انتقد إهمال الحكومة للزراعة منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا، وتابع :”إذا أعطينا أولوية للزراعة لما اضطررنا لمناقشة معاش الناس اليوم”، وقال: “بالرغم من عدم تمويل الزراعة بصورة كافية، إلا أن وزير الكهرباء والموارد المائية قام بزيادة سعر الري للمشاريع الزراعية دون الرجوع للبرلمان بتعليمات من وزارة المالية”، وقال النواب إن ما تقوم به وزارة المالية “مسكنات” وليست معالجات، مشيرين إلى أن ارتفاع الأسعار يعود للجبايات الضخمة التي تفرضها المحليات.

بالرغم من الانتقادات اللاذعة من النواب للطاقم الاقتصادي، إلا أن عضو البرلمان الصادق آدم أبو البشر أعاد الأمر كله للشعب، وانتقد اتهام وزير المالية بالفشل، وقال: “من الإجحاف أن نحمل وزير المالية ارتفاع الأسعار، لأن الله تعالى يقول: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)، واعتبر أبو البشر أن الشعب السوداني السبب الوحيد في الغلاء، مشيراً إلى أنه إذا انصلح المجتمع سوف ينصلح الاقتصاد، ودعا البرلماني أحمد عبد الله إلى إصدار توجيهات لتنفيذ شعار “نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع”، وإلزام النساء بإعداد الخبز في المنازل بغية العودة لـ”الكسرة والعصيدة”، مطالباً بإغلاق السودان ومنع استيراد الملبوسات والمشروبات والالتزام بالعصائر البلدية.

الرد بالأرقام:
وزير المالية بدر الدين محمود بعد أن واجه انتقادات النواب لطاقمه الاقتصادي، أراد أن يدافع، لذلك أسهب الوزير في الحديث عن الوضع الاقتصادي بعد الانفصال والوضع الراهن، مشيراً إلى أن وزارته استطاعت الخروج من الانهيار الاقتصادي بمعجزة، وتابع:”البعض كان يتوقع أن يصل مستوى الضخم إلى 67%، وحتى 167%”، وانتقد ورقة “معاش الناس” التي قدمها المجلس الوطني بحجة أنها اعتمدت في غالبيتها على معلومات قديمة، مشيراً إلى أن الحد الأدنى للأجور الذي حددته الورقة بـ(524) جنيهاً غير صحيح، لأن هنالك علاوات وبدلات وحوافز فكيف نحدث الأجور ولا نذكرها، لاسيما أن الأجور في موازنة 2016 تمثل 22.3 مليار جنيه بعد أن كانت 13.6 مليار في 2013، وقال بدر الدين حول كلمة معاش الناس: (الحكومة نفسها رزقها على الله، لذلك معاش الناس بيد الله ليس بيد الحكومة أو المجلس الوطني)، وتابع:”المعيشة رحمة من الله تعالى، لأننا عندما فقدنا البترول ظهر الذهب وكانت إيراداته 4.6 مليار دولار خلال بضع سنوات، وساهمت في سد الفجوة، منوهاً إلى أن وزارته خصصت مبالغ مقدرة للتمويل الأصغر والدعم المباشر للأسر، واتهم وزير المالية البرلمان بإحباط المواطنين من خلال الحديث عن فشل البرنامج الثلاثي وفشل التمويل الأصغر، وأضاف: “لما نبث الإحباط في نفوس الناس بأن التمويل الأصغر غير ناجح، بالرغم من إشادة البنك الدولي وصندوق النقد به”.

موازنة 2017:
وقال وزير المالية، إن موزانة العام 2017 ستشهد زيادة في الأجور، وأولوياتها الصرف على الأمن والدفاع حتى يعم السلام السودان، والاستمرار في مشروع “زيرو” عطش ودعم تعليم الأساس والمشاريع التنموية، إلا أن رئيس البرلمان البروفسير إبراهيم أحمد عمر قاطع بدر الدين قائلاً:” نقدك لورقة البرلمان حول المعاش نأخذه في عين الاعتبار، لكن الحديث لم يكن حول الورقة، لأننا ناقشنا قضية المعاش، وتحدث النواب واقتصاديون وأكاديميون لم ينكروا وجود الأجور، لكنهم تحدثوا عن عدم كفايتها لمقابلة غلاء الأسعار وأنت تتحدث عن بدلات وعلاوات وحوافز (هل إعطاء ظرف في اجتماع أمر إيجابي أم يساهم في “نخر” السستم وليس من الأفضل إدراجها في الأجر)، وأنت تتحدث عن الأرقام والناس يريدون الخروج من الضائقة المعيشية، لأن هنالك مشكلة تحتاج حلاً، لأن اتحاد العمال طالبنا بعدم إجازة الموازنة إذا لم تتضمن زيادة كافية في الأجور، نحن نثق فيك لكن المهم الآن أن نعرف كيف ستعالج الأسعار لـ (الموية والخضار واللحم والدجاج).

بهذه الأسئلة الواقعية التي دفع بها رئيس البرلمان، إلا أن وزير المالية رد بسؤال قائلاً: “أنتم تناقشون منذ ثلاثة ايام معاش الناس، إذا خرج أحدكم الآن الشارع وسئل ماذا فلعتم للمواطنين، ماذا يكون ردكم؟!)، لم يجد رئيس البرلمان رداً إلا مطالبته وزير المالية بالجلوس للرد على سؤاله الافتراضي، وقال:” نقول لهم أحضرنا المتخصصين والخبراء ووزير المالية والوزراء وكلمنا الحكومة في أضانها وناقشنا مشاكل المعاش وألزمنا وزير المالية بتضمين النقاش في موازنة 2017″.

وزير المالية بدر الدين محمود قال إن الموازنة محكومة بموارد الدولة ودخل البلاد المحدود، وتابع: “الأجور ستتم زيادتها، لكن لن تصل إلى 60% من الموازنة، وهي الآن 32%، لذلك فإن زيادة الأجور سوف تكون مرتبطة بالموارد الحقيقية.

ووصف وزير المالية مستوى ارتفاع الأسعار في الوقت الراهن بالمنخفض، الأمر الذي رفضه النواب وضجت القاعة، إلا أن رئيس البرلمان إبراهيم أحمد عمر طالب النواب بالتحلي بالروح الرياضية، وتقبل حديث وزير المالية الذي قال إنه لا يقصد أسعار الطماطم أو اللبن أو غيرها لكنه يتحدث بصورة مجملة، مشيراً إلى أن معاش الناس لا يعني السلع وإنما خدمات الصحة والتعليم والمياه، وأضاف: “ما في حاجة اسمها قفة ملاح أنا بتكلم عن الاقتصاد”، وتابع: (أظن الناس تضايقوا من حديثي، لكننا سوف نعمل بما لدينا).

استقالة مؤجلة:
بعد المواجهة بين رئيس البرلمان ووزير المالية تحدى بدر الدين محمود رئيس البرلمان والنواب وأقسم بأنه سوف لن يستمر في وزارة المالية بعد أن يودع موازنة العام المقبل للبرلمان نهاية العام، مطالباً بضرورة ترجل الذين قدموا من الحكومة وأن يفسحوا المجال لغيرهم، وتابع: “والله والله لن أستمر وزيراً للمالية بعد الموازنة”، إلا أن رئيس البرلمان رد على الوزير قائلاً:” أنت لم تعيّن نفسك وزيراً للمالية ولم تقرر ذلك لكن هنالك مؤسسات أتت بك وزيراً وهي التي تقرر ذهابك وبقاءك”، بيد أن الوزير أصر على تقديمه استقالته، وقال وزير المالية بدر الدين محمود للصحفيين عقب انتهاء الجلسة “استقالتي ليست ردة فعل لما حدث بالبرلمان، لأنني لم أتضجر من حديث النواب، وما زلت أقول إن على المسؤولين الذين قدموا ما عندهم الفترة السابقة أن يترجلوا ليأخذ مكانهم آخرون، وحديث رئيس البرلمان حول أنني عُينت عبر مؤسسات مسألة سوف أحسمها مع الحزب”، وأضاف وزير المالية: (قراري نهائي، واستقالتي لا تستند على فشل لأنني كنت ناجحاً وسيسجل التاريخ هذا النجاح، لأننا حافظنا على البلاد في وقت صعب وهي مستهدفة من كل الجهات، وأنا راضٍ تماماً عن الفترة التي قضيتها).

الخرطوم: صابر حامد
صحيفة الصيحة


تعليق واحد