جمال علي حسن

محليات تخالف القوانين وتهزمها


في مصر والإمارات والكثير من الدول العربية يسمى القانون الخاص بمحاربة الغش التجاري (قانون قمع الغش والتدليس)، وقمع هذه مفردة غليظة تناسب تماماً مستوى المواجهة المطلوبة لمحاربة الغش التجاري والتدليس .
ويوم الخميس في ورشة حول حماية المستهلك عقدت بالبرلمان كان هناك حديث حول ظاهرة تغيير صلاحية انتهاء السلع الغذائية، وهذه في الوصف القانوني لها ليست مجرد مخالفة عادية بل جريمة واضحة وكاملة الأركان حيث يقدم التاجر سلعة غذائية مغشوشة في صلاحيتها للاستخدام الآدمي بشكل مدبر .
لكن المشكلة الأخطر في السودان الآن والتي تقود لنفس النتيجة نتيجة فقدان صلاحية الاستعمال قبل انتهاء الصلاحية الموجودة في ديباجة السلعة هي مشكلة التخزين والتداول الخاطئ للسلع الغذائية .
هذه هي الجريمة الأخطر لأنك ستستخدم سلعة صالحة للإستعمال بحسب الديباجة الظاهرة لكنها في الواقع فقدت صلاحيتها (قبل يومها) – كما يقولون – وفسدت بسبب سوء التخزين والعرض والتداول الخطأ وقد تتسبب في أضرار صحية كبيرة .
وللأسف فإن السلطات المحلية في الكثير من ولايات السودان وتحديداً في ولاية الخرطوم تساهم بصفة الاشتراك الجنائي في ارتكاب هذه الجريمة الخطيرة ضد صحة المواطن وسلامته وذلك بقيامها بتقنين ما هو غير مقنن في عملية التخزين والتداول .
يحكي لي أحد خبراء المواصفات في السودان أنهم خلال الأيام الماضية كانوا يقومون بالكثير من الحملات بخصوص محاربة الغش والتدليس وسوء التخزين والتداول وقد وجدوا الكثير من المحلات التجارية والبقالات التي تعرض السلع وتخزنها خارج المحل وتحت أشعة الشمس وجدوا هؤلاء يبرزون لهم إيصالات من المحليات تسمح لهم بعرض السلع بهذا الشكل بعد سداد رسوم مالية محددة!
أي تقوم هذه المحليات بهزيمة القانون وتقنن ما هو ليس قانونياً مقابل الحصول على أموال من هؤلاء التجار ..!
هذا هو الغش المقنن نفسه والذي يجعل يبطل فعالية القوانين ويحبط جهود الجهات الرقابية .
لدينا قوانين جيدة لحماية المستهلك مثل قانون تنظيم التجارة وحماية المستهلك بولاية الخرطوم والصادر في 2012.. وهناك قانون آخر اتحادي في طريقه للإجازة والإصدار ويقال إنه أقوى من القانون الولائي.. لكن كل هذه القوانين لن يكون لها أي معنى لو استمرت السلطات المحلية تمارس عبثها واستهتارها بهذه القوانين وتظل تهزمها بالرسوم والجبايات التي تقنن المخالفات .
هذه المحليات هي أكبر معرقل للتطور والإصلاح العام في بلادنا.. وخير دليل على ذلك أن السلطات المحلية بولاية الخرطوم تمنح الآن أكثر من 400 تصديق لمحلات العلاج بالأعشاب في الوقت الذي تقف فيه وزارة الصحة ضد هذا النوع من النشاط التجاري والتغول على مهنة الطب بشكل عشوائي وتحذر من محلات العلاج بالأعشاب.
نعتقد أنه وفي ظل هذا التضارب والتقاطع بين السلطات الرقابية والولائية فإن الرهان الوحيد على رفع وعي المواطن الذي يستهلك السلع المغشوشة والمخزنة والمتداولة بشكل خاطئ حتى يصلح الله الحال .

اليوم التالي