تحقيقات وتقارير

المواصلات.. تقسيم جديد للخطوط العامة.. فوضى السائقين


تعد وسائل المواصلات الأساس في تحركات المواطنين من منازلهم إلى المدارس والجامعات ومواقع العمل علاوة علي رحلات العودة العكسية في المساء، ويمكننا أن نقول إنها عصب الحياة في السودان لأن أغلب السكان من مرتاديها، بعكس الدول الأخرى التي يعتمد الناس على وسائل توصيل خاصة، وفي السنوات الأخيرة أصبح يعاني المواطنون من المواصلات في شتى ضروبها ولا مناص ولا مفر من ذلك، ولاسيما في ظل الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة السوء التي نمر بها.
كتبنا مراراً وتكراراً عن تقسيم خطوط المواصلات التي يقسمها سائق المركبة العامة والكمسنجية كما يحلو لهما، على مرأى ومسمع موظفي شرطة المرور دون خوف أو إبداء حيطة وحذر من نتائج ذلك، فانطبق عليهم المثل القائل: “من أمن العقاب ساء الأدب” وسائقو المركبات أمنوا العقاب حتى باتوا يسيئون ويتطاولون على المواطنين، كل حسب مزاجه وطريقته.

كفاية عذاب
تقول الطالبة أميمة عبد الحفيظ: “لا أدري إلى أين يريد أن يوصلنا سائقو المركبات العامة وكمسنجيتهم هؤلاء”. وتابعت: “زهجنا ومللنا من المعاناة اليومية مع المواصلات العامة التي لا تنتهي، وأظنها لن تنتهي، ونتمنى أن نصحو الصباح على خبر جميل أو لا شيء أو كما يقال في الأمثال (البصبح على همه القديم نعمة من كريم)، ويا أصحاب المركبات كفاية عذاب ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”.

تلاعب على عينك يا تاجر
يؤكد عبدالحليم الزبير (موظف) ما سبق من حديث. وأضاف: “المشكلة أن أصحاب المركبات يتصرفون وكأنهم متأكدون أنه لا سائل ولا رادع عن ما يحدث في الطريق، وباتوا يتلاعبون على عينك يا تاجر في الخطوط بابتداع خط حتى يزيد حصيلته اليومية، وهو لا يعلم أنه يأكل على حساب الآخرين شيء ليس من حقه، لأن الخطوط معروفة وموضحة تماماً”. وقال: “المشكلة الكبيرة الجرأة والاستغلالية الواضحة التي يتعاملون مع الناس وهي أسوأ أنواع الاستغلال”. وتساءل: لماذا تترك الحكومة الحبل على الغارب هكذا؟ وما هي استفادتها من هذا الوضع المشين؟ لابد من تفعيل القوانين مع وجود رقابة دائمة. وأضاف: “لن تسير الأمور بسلام إذا استمر الحال على هذا المنوال”.

ساعات من الوقوف
لم يتوفق الأمر عند زيادة التعرفة أو تقسيم الخطوط، بل وصل الأمر حد الوقوف لساعات دون إيجاد مركبة توصلك إلى مكان العمل أو وجهتك المحددة، هكذا بدأت نور صابر (ربة منزل) حديثها، وقالت: خرجت ذات يوم لقضاء حاجياتي من السوق وقفت مدة ليست قصيرة تحت مظلة موقف المواصلات قي الشارع الرئيس مع زمرة من الموظفين وبعض طلاب الجامعات غير أن هناك مركبات قسمت الخط، هناك عدد من المركبات مرت فارغة ولم تحمل أي راكب، حتى أن هناك من علق قائلاً “الجماعة شبعوا ولا يحتاجون لحفنة الجنيهات التي سيتحصلونها منا”، وباقي المركبات تمر أمامك وهي تكاد تقع من شدة ميلانها بعد امتلاء الباب بالركاب ولا ترى موطئ قدم فيها.

معاملة سيئة
أما أميرة سعد (موظفة) اشتكت من سوء معاملة سائقي المركبات العامة الذين يتعاملون مع الركاب بعدم احترام. وقالت: “كنت أسمع همهات السائق وعدم لباقته مع أصحاب المركبات المختلفة وأحياناً يتعاملون بفظاظة وألفاظ نابية، وأخيراً وصل الأمر حد الشتيمة، وأتوقع في المرة القادمة أن ينزل السائق ليضرب احدهم في الشارع”. وأضافت: أكثر ما أدهشني هو إصرار السائقين عدم الوقوف في المحطة المحددة وإيقافك بعد مسافة ليست بسيطة. ويبرر ذلك بأنه “مرتاح كدا”، نسي هذا السائق أن الراحة التي يبحث عنها في المنزل وليس هنا، ونسي أيضاً أنه يعمل لخدمة المواطنين ويأخذ مقابلها مال. واستدركت: غض النظر عن مقداره فهي تعرفة مقررة من الحكومة وأظن أنها كافية مقارنة بالمسافات، وتساءلت من منا يكيفه راتبه حتى آخر الشهر؟ وقالت لهم دائماً “الرضا بالمقسوم عبادة”، وعلينا أن نصبر ونتحمل حتى تعدي رياح الضغط العام، لأننا في مركبة واحدة والاحتياج متبادل، فعلينا تذليل الصعاب لبعضنا حتى تسير المركبة دون عراقيل. وأضافت: “ما تصعبوها علينا وعليكم”.

معافى نفسياً
أشارت الباحثة النفسية أمل التجاني إلى أن المجتمع السوداني عبارة عن أناس يوأثروا ويتأثروا بما يحدث لهم من مشاكل. وقالت: “من الطبيعي أن توالد الآزمات وتكرارها يفرز العديد من المشكلات، فتحدث خللاً في المجتمع بظهور عدد من المظاهر السالبة، التي لا تشبهنا ولا تمت لنا بصلة، وسائقو المركبات العامة وكمسنجيتهم ضمن المتأثرين بذلك”. وأضافت: “لكن هذا لا يخول لهم التصرف كما يحلو لهم، وعليهم الالتزام بالقوانين والآداب العامة، لأنهم يتعاملون مع المواطنين مباشرة بكافة أنواعهم”. وقالت: “المشكلة أننا في السودان نسمح لأي شخص امتهان ما يريد وفي أي وقت، رغم وجود شروط ومواصفات للمهنة التي تريد الانضمام لصفوفها، وهو أمر متفق عليه عالمياً، ومهنة سائق من أهم المهن وأعظمها لأنها تسمح للسائق بالتماس مع الجمهور المستفيد مباشرة سواء أكان طالباً أو مواطناً عادياً أو موظفاً، لذلك لابد أن يكون سليماً جسدياً ومعافى نفسياً وعقلياً، وتنصح أمل الحكومة بتدارك المشكلة قبل أن تتفاقم، وأن لا تصدق لأي شخص بقيادة مركبة عامة حفاظاً على أمنها ومواطنيها.

الخرطوم – زهرة عكاشة
صحيفة اليوم التالي