مقالات متنوعة

تحرير الفساد .. ووعد الرئيس !


أجرت صحيفة الشرق الأوسط مقابلة مع السيد رئيس الجمهورية قال فيها ( أنهم وضعوا من الأجهزة والآليات ما فيه الكفاية لحماية المال العام ومنع الفساد، وأكد أن لديهم من الأجهزة والأليات لمكافحة الفساد، ما لايوجد في أي دولة في العالم ، وشدد البشير على أن امكانية الاعتداء على المال العام باتت من الصعوبة بمكان عقب إدخال النظام الألكتروني ، مشدداً على أن الانتقال الى الحكومة الالكترونية سيغلق الكثير من منافذ الفساد و الإعتداء على المال العام، و قال ( لا أحد فوق القانون ، وأنهم لن يتدخلوا لحماية أو ايقاف أي اجراءات قضائية ضد أي شخصية حكومية نافذة متهمة بالفساد ) ، وقال لدينا قضية تتصل بنائب رئيس المؤتمر الوطني ، بولاية الخرطوم محمد حاتم ، حيث وجه له اتهام والأن القضاء يجري في مساره ، فلم يمنعه موقعه من أن يحاكم إذ أنه لم يحدث أي تدخل من جانبنا أو من جانب الحكومة لإيقاف اجراءات محاكمته ) ،
بداية لا بد من التذكير بأن الاجراءات في مواجهة الأستاذ محمد حاتم وصلت الى طور فتح البلاغ والتحقيق بعد تركة للوظيفة الحكومية حيث كان مديراً للتلفزيون ولم يكن ساعة فتح البلاغ يشغل أي منصب حكومي ، ووظيفته هي نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني لولاية الخرطوم ، وكان من باب أولى أن يتم تجميد وظيفته الحزبية لسلامة الاجراءات لأن القانون جوز إيقاف الموظف العام عن العمل لذات الأسباب ، وهو إن لم يكن يشغل منصباً حكوميآ مباشرآ فانه نائب الوالي في الحزب ، و من هنا يتضح حجم نفوذه على حكومة السيد والي الولاية .
يلاحظ إن الحكومة انتقلت من مرحلة إنكار الفساد ، واعتباره اتهامات سياسية الى مرحلة تميزت بالإقرار بوجود الفساد وإصدار قرارات متتالية بتكوين آليات ومفوضيات مكافحته على الأقل نظرياً ، الى أن صدر قانون مكافحة الفساد ، وهذا القانون على علاته وثغراته والتي من أهمها الإبقاء على الحصانة للمتهم من حاملي الحصانة الى أخر ما يتعلق بطبيعة الاجراءات ، ربما تكون قضية محمد حاتم قد كشفت أبرز أوجه قصور القانون لعدم اشتماله على نص يعرف المسؤول باعتبار المسئولية السابقة ، أو شغله لوظيفة حزبية ذات تأثير على حزبه أو حكومة الحزب ، وعدم النص صراحة على استغلال النفوذ ، أو أرتكاب جريمة الفساد خارج البلاد، أو اعتبار التعاملات الفاسدة خارج اطار العمل الحكومي من أنواع الفساد ، كما أنه لم يضع إطار محدد لكيفية استرداد الأموال المتحصل عليها بوسائل فاسدة ، وقصوره في التعامل مع قضايا الفساد بأنها تتعدى الدولة الى الفساد في مواجهة الافراد والجماعات.
لكل ذلك ، فإن الدعوة لمحاربة الفساد لم تتجاوز حتى الآن الدعاية السياسة للعامة، ولم تخرج عن اطار المكايدات السياسية والصراعات بين انصار الحزب الحاكم والواقع العملي يكذب عدم تدخل الحكومة في قضايا الفساد ذلك أن قضية محمد حاتم أطاحت بوكيل وزارة الإعلام الأستاذ عبد الماجد هارون وبالمستشار القانوني لوزارة الإعلام الذي قام بواجبه الوظيفي بتحريك اجراءات البلاغ في مواجهة محمد حاتم سليمان ، الى ذلك فإن سماح الحكومة لمجموعات في حزب المؤتمر الوطني انتظمت في اجتماعات وناقشت الوسائل المتاحة للدفاع سياسياً وليس قانونياً عن السيد محمد حاتم يعتبر أحد أهم أشكال التدخل السافر، والتأثير على سير العدالة ؟
في هذه الأجواء لا يمكن فهم ما تنتويه الحكومة من سن قانون جديد للصحافة يؤدي الى أندماج قسري بين الصحف، و ما هدف إليه القانون ضمنآ من نتيجة حتمية ( أما الاندماج أو الموت ) ، و الاستنتاج المنطقي إذا تمت إجازة هذا القانون ، نتيجة واضحة تهدد مجتمع الصحافة والصحفيين و تقدح في استقلال الصحافة ، وستكون له أثار اجتماعية واقتصادية خطيرة ، وفي نفس الوقت لن يصلح من شأن صناعة الصحافة ، فمشاكل صناعة الصحافة واضحة والحكومة مسئولة عن غالبيتها ، ولا أحد ينكر أن تكلفة هذه الصناعة هي واحدة من المشكلات وقطعاً لن يكون الدمج حلاً لها ، وعلى كل حال فإن النوايا الحكومية تجاه الصحف وتعددها لا يصب في اتجاه محاربة الفساد ، لأن الصحافة هي رأس الرمح في كشف الفساد ،وكل القضايا الكبيرة التي أقرت بها الحكومة بدأت بأخبار أو تقارير صحفية قادت الصحف والصحفيين الى النيابات والمحاكم ، لا شك أن حرية الصحافة هي الدليل الذي يثبت جدية ونوايا الحكومة تجاه محاربة الفساد ، وما عدا ذلك فيمكن قبوله على اعتبار أنه حملة علاقات عامة .

ماوراء .. الخبر – محمد وداعة
صحيفة الجريدة