رأي ومقالات

سراج النعيم يكتب: أدب النفس وأرسطو


وقفت كثيراً أتأمل الإنسان الذي في دواخله إيمان قاطع بـ(أدب النفس)، والذي سئل في إطاره أحد أهل الفضل المميز في سلوكياته وتصرفاته، هل قرأت (أدب النفس لأرسطو)؟ فأجاب بعزة وثقة كبيرين، بل قرأت (أدب النفس لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم)، ومن هذه الإجابة نجد هذا الأدب يجعل حياة الإنسان رفيعة ويضعه في منزلة عالية بين عامة الناس، فالإنسان مهما وصل من مرتبه، فإنه يبحث دائماً عن حسن التعامل وطيب الكلام من الآخرين، خاصة وأن من يتصفون بتلك الصفات يجملون القبح في الحياة، ويجعلونها في نظر الناس أجمل وأنبل مما يتصورها الإنسان، فهي هبة من الله عز وجل، لذا من أوجب الواجبات أن نراعي في ظلها مشاعر الآخرين، فهي تتطلب منا أن ننتهج نهجاً شفيفاً وهذا النهج لا نجده إلا في كتاب الله سبحانه وتعالي وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم.
إن حسن المعاملة وطيب الكلام أدباً من آداب النفس، ومقصداً كريماً من المقاصد الشرعية في الديانة الإسلامية.
ويعتبر دون أدني شك (أدب النفس) سلوك يتصف به الإنسان، الذي يجيد فن التعامل مع الآخرين بلطف وتصرف حميد، وأمثال هؤلاء يحملون معاني رفيعة كالرقة، الرحمة، الرأفة، الحنان، المودة، حسن المعشر، التهذيب وجمال التصرف وغيرها من الصفات النبيلة، وهي جميعها تجنب الإنسان ما يقوده إلي إحراج الناس أو أن يخدش مشاعرهم بكلمة ما أو قولاً أو فعلاً أو إشارة، فالإنسان بطبعه يحب لين الكلم، لأنه يجنبه أقوالاً وتصرفات وسلوكيات وإشارات هو في غني عنها، ولا يرغب فيها من قريب أو بعيد، خاصة وأن هنالك أناس ربما لا يدركون أن في هذه الكلمة أو القول أو التصرف أو الإشارة إحراج للآخرين، وبالتالي يصرفهم عما يبسط وجههم أمام الآخرين، الذين يضطرون إلي البحث عن كلمات يدافعون بها عن أنفسهم، فأولئك لا يتفوه إلا بالكلام الطيب الذي يهب الناس إرتياحاً نفسياً، وعليه يفترض في الإنسان أن يواجه الآخرين بوجه جميل مبتسم، وأن يبسط كفه بصورة كريمه، ودائماً الإنسان ذو السلوك المستند علي (أدب النفس)، محبوباً ومقبولاً، وعليه فهو يصبح مؤثراً في قلوب الآخرين، لأنه يتسم في حياته بسلوكيات وتصرفات مغايرة إلي من لا يجيدون فن (أدب النفس)، لذا علي الإنسان أن يقوي إيمانه بشكل صادق يقوده إلي عنوان عريض للسعادة المطلقة.
إذا اتجه الناس علي نحو ما ذهب إليه كتاب الله سبحانه وتعالي، ونهج سيد البشرية، فإنهم يمضون في الاتجاه السليم، ويستمتعون بالحياة بعيداً عن خدش مشاعر الآخرين.
آخر الدلتا
وفي السياق نجد أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه شاهد مجموعة من الناس موقدين النار من بعيد، فما كان من إلا وإقترب منهم قائلا : (يا أهل الضوء)، ولم يقول : (يا أهل النار) خوفا من أن يخدش مشا رهم بكلمة.
فيما نجد أن سيدنا الحسن و الحسين رضي الله عنهما لما شاهدا رجلاً كبيرا يتوضأ خطأ قالا له : (نريدك أن تحكم بيننا مَن فينا الذي لا يُحسن الوضوء)، وعندما توضيّا أمامه ضحك وقال : (أنا الذي لا أحسن الوضوء).
بينما قال الإمام الغزالي عندما جاء له شخص ما : (ما حكم تارك الصلاة ؟) قال : (حكمه أن نأخذه معنا إلى المسجد).
والشواهد كثيرة علي الأناس الذين لا يجيدون فن الكلام الطيب وبسط الوجه، وهذا يعود إلي أنهم بعيدون كل البعد عن الاساليب والطرق السليمة التي كان يقتدي بها الصحابة رضوان الله عنهم، إذ انهم كانوا يستطيعون ترجمة أدب النفس في قالبه الصحيح، فالإنسان المخطئ يوصلون له الرسالة بصورة لا تخدش مشاعره، هكذا استطاعوا إقناع الآخرين في من ط بها أحدا من غير أن تجرحه أو تعيبه أو تجعله ينفر مما تدعو اليه… اللهم جمل ألسنتنا بالكلمة الطيبة.

سراج النعيم


تعليق واحد