منوعات

كيف أصبحت «دبي» وطنًا بديلًا لأثرياء مصر؟


تحوَّلت «دبي» في السنوات الأخيرة لملجأ لاستثمارات النخبة المالية في مصر؛ إذ صارت حاضنةً لكُبرى الشركات التجارية والمالية التي يملكها مصريون، بجانب بروز دور رجال الأعمال المصريين باعتبارهم مُنافسين على تملُّك استثمارات عقارية في الأراضي الإماراتية.

يوثق ذلك الأرقام الصادرة عن دائرة الأراضي والأملاك بدبي، في نهاية شهر يوليو للعام الجاري، حيث أظهرت احتلال المصريين المرتبة الثانية ضمن قائمة المواطنين العرب الأكثر شراءً للعقارات والأراضي بدبي خلال الشهور الستة الأولى من العام الحالي 2016، بقيمة 1.4 مليار درهم من خلال 710 مصري، فيما جاء في المرتبة الأولى المواطنون الأردنيون بقيمة 1.5 مليار درهم، بينما احتل اللبنانيون المرتبة الثالثة بحجم استثماراتهم الذي بلغ أكثر من مليار درهم.

هذه الأرقام تكررت في العام الماضي؛ إذ أظهر تقرير التصرفات العقارية للعام الماضي 2015 الصادر عن إدارة الدراسات والبحوث العقارية، احتلالَ مواطني جمهورية مصر العربية المرتبة الثانية في الاستثمار العقاري، وبحجم استثمارات بلغ أكثر من 2.55 مليار درهم، وذلك بـ1,390 مستثمرًا.
دبي.. ملاذ ضريبي لأثرياء مصر

من وجهة نظر أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية، وأحد كبار رجال الأعمال؛ فالاتجاه نحو السوق الإماراتية مربتط بالمميزات التي يتيحها للمستثمرين داخلها والتي تشمل الإعفاءات الضريبية الموجودة على المصنع المحلي، فضلًا عن سهولة استخراج التراخيص للمنشآت الصناعية.

ويضيف «شيحة» في تصريحات لـ«ساسة بوست» أن بعض الشركات التي تتأسس بدبي مُعفاة تمامًا من تسديد الضرائب، والسماح بتأسيس الشركات للمستثمرين الأجانب بالتملك الكامل في المناطق الحرة خلافًا للوضع داخل مصر، حيث يجد المستثمر أعباء ضريبية مفروضة عليه من كُل جهة، وقيودًا أمنية على مسألة التملُّك في بعض المناطق، بجانب المعوقات المفروضة لإنهاء مسألة التراخيص لأي مشاريع استثمارية، وقرارات من وزارة الصناعة تعمل على تقييد الاستيراد، كحل ساذج لمواجهة أزمة الدولار، مؤكدًا أن كُل هذه الأسباب تكون دافعة لأغلب رجال الأعمال لتصفية أعمالنا.

وتتمتَّع «دبي» بكونها ملاذًا آمنًا يحمي المستثمر من الضرائب المرتفعة التي تفرضها دول أخرى على العقارات، وسهولة الإجراءات والقوانين التي أتاحت للأجنبي التمللك منذ عام 2002.

من جانبه، يقول «رضا عيسي»، الباحث في شئون الاقتصاد، في تصريحاتٍ لـ«ساسة بوست» إن اتجاه فئة أثرياء نحو الاستثمار في دبي سواء كان استثمارًا عقاريًّا أو غيره، مرتبط بشكل أساسي باستخدام دبي جسرًا لاستثماراتهم الخفية من حيث تسهيل القوانين هناك لتأسيس شركات وهمية في الملاذات الضريبية كجزر الكامن وجزر العذراء عن طريقها.

يشرح «عيسي» ذلك: «الأموال التي تنتقل من مصر إلى دبي، يُؤسس بها شركات بملاذات ضريبية، وتكون هذه الشركات مُنشأة بنفس العنوان المُسجل بدبي» موضحًا أن نجل الرئيس السابق «جمال مبارك» كان قد أسس شركة مُسماة باسم Mable Service وقد كانت عبارة عن شراكة بين صناديق حورس، المجموعة المالية هيرمس، وهي تقع بدبي، ومُسجل بنفس عنوانها شركات بملاذات ضريبية لنجل الرئيس.

وأضاف «عيسي» أن دبي دائمًا ما كانت شاهدة على الصفقات المالية الكُبرى بين قطاع الأثرياء بمصر والنخبة المالية بالإمارات، وذلك لاعتباراتٍ تتعلَّق بالتقارب السياسي بين البلدين أيام الرئيس السابق محمد حسني مبارك، واعتباراتٍ تتعلق أيضًا بتقاطع المصالح المالية بين البلدين، وحجم التسهيلات في قوانينن الاستثمار بدبي، مؤكدًا أن الشريك الجديد لنجلي «مبارك» في مشروعهما المالي الضخم «صناديق حورس»، كان «عارف نقفي»، وهو نائب رئيس مجلس إدارة والرئيس التنفيذي لأبراج كابيتال والتي يقع مقرها في دبي، ويشغل عضوية مجلس إداراتها أعضاء من الأسرة الحاكمة.
دبي ملاذ سياسي أيضًا: وطن بديل لنخبة «شفيق» المالية

سكون غبار المواجهة مع جماعة الإخوان المسلمين، وتراجع فاعلية أدوارها داخل مصر وخارجها لفشل داخلي، وخلافات أنهت نفوذها في أي تغيير محتمل؛ جعل الإمارات تميل للجناح الذي كانت ترغب في أن يقود البلاد عقب 30 يونيو (حزيران)، وهو جناح «الفريق أحمد شفيق»، لأسبابٍ تتعلق بتأكدها من تحقيق هذا الجناح لمصالحها داخل مصر.

يتأكد هذا الأمر مع التصريح الصادر لرئيس الحكومة الإماراتية، محمد بن راشد آل مكتوم، قبل انتخابات رئاسة الجمهورية، الذي عبر فيه عن أمله في ألا يترشح وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي، في انتخابات الرئاسة، مفضلًا بقاءه على رأس الجيش.

من جانبه، يُفسر «حازم حسني»، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، انتقال أعداد كبيرة من أثرياء مصر للاستثمار العقاري بالتوتر القائم كذلك بين قطاع رجال الأعمال بمصر والسلطة الحاكمة، وتحوُّل الإمارات لكونها حاضنة لكبار رجال الأعمال، وخصوصًا للمنتمين للحزب الوطني المنحل.

يرهن «حسني» استمرار تدفق أموال المستثمرين المصريين تجاه دولة الإمارات، بالظرف السياسي الحالي الذي تعيشه البلاد، وحالة الحذر المرتقبة بين جناح رجال الأعمال المُمثل للفريق أحمد شفيق، والسلطة السياسية في مصر، ومدى تطوُّر المواجهة بين الجانبين، موضحًا أن حالة الخوف تضاعفت عند جناح النخبة المالية على خلفية التوسع في الاعتماد على الجيش في عدد من المشروعات الاقتصادية الكبرى، ما قد يهدد مصالحهم حال استمرار المؤسسة العسكرية في تنفيذ هذه المشروعات.

وحسب تصريحٍ سابق لسفير إماراتي سابق بإحدى الدول العربية، والذي يعمل بأحد المراكز البحثية حاليًا، لـ«ساسة بوست»؛ فالسلطة الحاكمة في الإمارات لم تكن ترغب في ترشُّح الرئيس السيسي لرئاسة الجمهورية، هم مُدركون أن هناك انقسامًا بين مراكز القوى داخل مصر، وأن ترشُّحَهُ قد يقف أمام تحقيق مصالح الإمارات المالية والتجارية، وتحقيق اختراق للدولة، وهو ما نجحت في تحقيقه رغم الصعوبات التي واجهتها، وهو ما تجسد في المكاسب المالية، وحجم الاستحواذات على كياناتٍ حساسة، ومشاريع هامة.

يُذكر أن الإمارات تحتل المرتبة الأولى مؤخرًا، ضمن قائمة الدول التي انتقل إليها رموز وشخصيات ممن تجمعهم صلات نسب ومصالح تجارية بآل مبارك، كخديجة الجمال زوجة جمال مبارك، وأحمد الزند وزير العدل السابق، وعبد المجيد محمود النائب العام السابق، وعدد من رجال الأعمال.

ساسة بوست