الطيب مصطفى

حسن عابدين وتصحيح التاريخ


تعجبني طريقة السفير والأكاديمي د. حسن عابدين في مراجعة الأحداث التاريخية غير الموثقة وتصحيح أخطائها وأغلاطها المستقرة في أذهان الناس على أساس أنها حقائق لا يتطرق إليها الشك، وكم أحزنني أنني لم أقرأ إلا الحلقة الأخيرة من حلقات د. عابدين الست المنشورة في صحيفة “السوداني” والتي أكدت ما كان معلوماً لدي من أن تاريخ السودان يحتشد بالخزعبلات والأباطيل والتزوير الذي يتطلب جهداً خارقاً من المؤرخين لتمحيصه وتحقيقه وإبطال أوهامه ومزاعمه الباطلة، ومن المعلوم أن الصحف أكثر مقروئية من الكتب وذلك ما يحمد لعابدين الناشط أكثر من غيره في هذا الضرب من الجهد البحثي الأكاديمي الذي تشتد الحاجة إليه لتصحيح تاريخنا المحشو بالعجائب والغرائب!

ما زاد قناعتي بالأخطاء التاريخية الفادحة التي دفع الشعب السوداني ثمنها في شكل سياسات خاطئة بنيت على أوهام ومزاعم باطلة، تلك العلاقة المأزومة بين الشمال والجنوب فمما لا يزال عالقاً في أذهان المتباكين على الوحدة من أبناء الشمال أن مؤتمر جوبا المنعقد في عام 1947 برئاسة السكرتير الإداري البريطاني، جيمس روبرتسون ،اختار الوحدة بين الجنوب والشمال وهو ما ثبت بطلانه بعد اعتراف روبرتسون بأنه زوَّر نتيجة ذلك المؤتمر ويحمد للرجل أنه صدق مع نفسه وأراحها من عذاب الضمير حين أخرج تلك الشهادة النبيلة، لكن لماذا يا ترى صمتت النُّخَب السودانية التي شهدت وقائع ذلك المؤتمر وأين يقع صمتها عن تزوير التاريخ في ميزان الوطنية؟!

إذا كان الشنقيطي قد سكت حتى توفي بدون أن ينبس ببنت شفة عن حقيقة ما جرى مما كشفه روبرتسون فإن على أساتذة التاريخ في جامعاتنا أن يسيروا في درب حسن عابدين ليكشفوا عَوار تاريخنا المزوَّر والمليء بالأباطيل، فكم من خيانات أُلبِسَتْ ثوب البطولة وكم من جرائم ارتُكِبَتْ في حق هذا الوطن الجريح سُكِتْ عنها ربما خوفاً من ردود فعل غاضبة ممن يقدسون مقترفيها!

على سبيل المثال فإني أزعم أنه مما لا يضير مكانة الإمام المهدي في التاريخ التشكيك في حقيقة مهديته ذلك أن دوره الوطني في تحرير السودان لا ينكره أعدى أعدائه وقد تذكرت هذه القضية وأنا أقرأ خاتمة مقال د. حسن عابدين، حين رجع إلى منشورات المهدي وأورد مقولته :

(أتتني الحضرة النبوية من النبي صلى الله عليه وسلم ونبي الله الخضر عليه السلام وأمرني سيد الوجود بقتل أهالي الخرطوم وأرواحهم مقبوضة.. ما عليكم إلا الطعن بالحراب وقطع البحر من البر الغربي إلى البر الشرقي بمشروع الفتيح.. الفتيحاب جنوب أم درمان)!

كذلك فإن مما لفت نظري في مقال حسن عابدين تشكيكه الموثق في رواية شفهية ضعيفة تواترت حتى صدقها كثير من الناس – أخشى أن تحشر في كتب التاريخ الذي يدرس لأبنائنا – أن المهدي وجَّه بعدم قتل غردون وكذلك ما أورده سلاطين باشا في كتابه (السيف والنار) من زعم باطل بأن المهدي أراد غردون حيَّاً حتى يفدي به زعيم الثورة المصرية أحمد عرابي عام 1882 ليحرره من سجنه ومنفاه!

كذلك دحض عابدين رواية نشرتها إحدى الصحف تقول إن غردون باشا قُتل واجتُثَّتْ رأسه بينما كان هارباً بلباس النوم (بيجامة) باتجاه النيل الأزرق قبالة القصر لينجو على ظهر مركب. وأبان د. عابدين بشهادات متواترة أن غردون قتل داخل القصر وهو يرتدي زيه العسكري بينما كان يحمل مسدسًا!

من اللطائف التي أوردها عابدين كذلك أن شعار “السودان للسودانيين” ابتدعه رينالد ونجت باشا حاكم عام السودان بعد غازي الخرطوم ومنهي عهد الدولة المهدية، هربرت كيتشنر، قاصداً بذلك أن يعزل السودان عن مصر وعن رياح التغيير التي بدأت تهب جنوباً صوب السودان إثر ثورة 1919 وكان يقصد أن يكون السودان للسودانيين تحت التاج البريطاني لا تحت التاج المصري باعتبار أن بريطانيا هي التي(فتحت) السودان سيما وأن زعماء سودانيين معتبرين قد كتبوا للحاكم العام البريطاني السير لي استاك يعلنون ولاءهم لبريطانيا!

ما أكده د. حسن عابدين أن ذلك الشعار الذي رفعه ونجت باشا لمصلحة بريطانيا التقطته الحركة الاستقلالية بزعامة حزب الأمة بعد ثلاثة عقود عقب الحرب العالمية الثانية ليصبح شعاراً وطنياً لتقرير المصير بعد أن كان شعاراً استعمارياً.

ليتني أقرأ بقية المقالات التي لا أشك في قيمتها التاريخية الكبيرة.

لكن د. حسن عابدين لم يستفض في الحديث عن أهداف بريطانيا لعزل مصر عن السودان والذي كتبت عنه كثيراً، فبريطانيا حرصت على ضم الجنوب للشمال بينما حرصت على إبعاد مصر من السودان لأهداف استراتيجية حاولت من خلالها الحيلولة دون انتشار المد العربي الإسلامي إلى العمق الإفريقي وذلك يحققه إبعاد مصر التي من شأن توحدها مع السودان دفع ذلك المد جنوباً، كما أن توحيد الجنوب مع الشمال دفع الإفريقانية إلى الشمال وذلك أمر يطول شرحه.

تعجبني طريقة السفير والأكاديمي د. حسن عابدين في مراجعة الأحداث التاريخية غير الموثقة وتصحيح أخطائها وأغلاطها المستقرة في أذهان الناس على أساس أنها حقائق لا يتطرق إليها الشك، وكم أحزنني أنني لم أقرأ إلا الحلقة الأخيرة من حلقات د. عابدين الست المنشورة في صحيفة “السوداني” والتي أكدت ما كان معلوماً لدي من أن تاريخ السودان يحتشد بالخزعبلات والأباطيل والتزوير الذي يتطلب جهداً خارقاً من المؤرخين لتمحيصه وتحقيقه وإبطال أوهامه ومزاعمه الباطلة، ومن المعلوم أن الصحف أكثر مقروئية من الكتب وذلك ما يحمد لعابدين الناشط أكثر من غيره في هذا الضرب من الجهد البحثي الأكاديمي الذي تشتد الحاجة إليه لتصحيح تاريخنا المحشو بالعجائب والغرائب!

ما زاد قناعتي بالأخطاء التاريخية الفادحة التي دفع الشعب السوداني ثمنها في شكل سياسات خاطئة بنيت على أوهام ومزاعم باطلة، تلك العلاقة المأزومة بين الشمال والجنوب فمما لا يزال عالقاً في أذهان المتباكين على الوحدة من أبناء الشمال أن مؤتمر جوبا المنعقد في عام 1947 برئاسة السكرتير الإداري البريطاني، جيمس روبرتسون ،اختار الوحدة بين الجنوب والشمال وهو ما ثبت بطلانه بعد اعتراف روبرتسون بأنه زوَّر نتيجة ذلك المؤتمر ويحمد للرجل أنه صدق مع نفسه وأراحها من عذاب الضمير حين أخرج تلك الشهادة النبيلة، لكن لماذا يا ترى صمتت النُّخَب السودانية التي شهدت وقائع ذلك المؤتمر وأين يقع صمتها عن تزوير التاريخ في ميزان الوطنية؟!

إذا كان الشنقيطي قد سكت حتى توفي بدون أن ينبس ببنت شفة عن حقيقة ما جرى مما كشفه روبرتسون فإن على أساتذة التاريخ في جامعاتنا أن يسيروا في درب حسن عابدين ليكشفوا عَوار تاريخنا المزوَّر والمليء بالأباطيل، فكم من خيانات أُلبِسَتْ ثوب البطولة وكم من جرائم ارتُكِبَتْ في حق هذا الوطن الجريح سُكِتْ عنها ربما خوفاً من ردود فعل غاضبة ممن يقدسون مقترفيها!

على سبيل المثال فإني أزعم أنه مما لا يضير مكانة الإمام المهدي في التاريخ التشكيك في حقيقة مهديته ذلك أن دوره الوطني في تحرير السودان لا ينكره أعدى أعدائه وقد تذكرت هذه القضية وأنا أقرأ خاتمة مقال د. حسن عابدين، حين رجع إلى منشورات المهدي وأورد مقولته :

(أتتني الحضرة النبوية من النبي صلى الله عليه وسلم ونبي الله الخضر عليه السلام وأمرني سيد الوجود بقتل أهالي الخرطوم وأرواحهم مقبوضة.. ما عليكم إلا الطعن بالحراب وقطع البحر من البر الغربي إلى البر الشرقي بمشروع الفتيح.. الفتيحاب جنوب أم درمان)!

كذلك فإن مما لفت نظري في مقال حسن عابدين تشكيكه الموثق في رواية شفهية ضعيفة تواترت حتى صدقها كثير من الناس – أخشى أن تحشر في كتب التاريخ الذي يدرس لأبنائنا – أن المهدي وجَّه بعدم قتل غردون وكذلك ما أورده سلاطين باشا في كتابه (السيف والنار) من زعم باطل بأن المهدي أراد غردون حيَّاً حتى يفدي به زعيم الثورة المصرية أحمد عرابي عام 1882 ليحرره من سجنه ومنفاه!

كذلك دحض عابدين رواية نشرتها إحدى الصحف تقول إن غردون باشا قُتل واجتُثَّتْ رأسه بينما كان هارباً بلباس النوم (بيجامة) باتجاه النيل الأزرق قبالة القصر لينجو على ظهر مركب. وأبان د. عابدين بشهادات متواترة أن غردون قتل داخل القصر وهو يرتدي زيه العسكري بينما كان يحمل مسدسًا!

من اللطائف التي أوردها عابدين كذلك أن شعار “السودان للسودانيين” ابتدعه رينالد ونجت باشا حاكم عام السودان بعد غازي الخرطوم ومنهي عهد الدولة المهدية، هربرت كيتشنر، قاصداً بذلك أن يعزل السودان عن مصر وعن رياح التغيير التي بدأت تهب جنوباً صوب السودان إثر ثورة 1919 وكان يقصد أن يكون السودان للسودانيين تحت التاج البريطاني لا تحت التاج المصري باعتبار أن بريطانيا هي التي(فتحت) السودان سيما وأن زعماء سودانيين معتبرين قد كتبوا للحاكم العام البريطاني السير لي استاك يعلنون ولاءهم لبريطانيا!

ما أكده د. حسن عابدين أن ذلك الشعار الذي رفعه ونجت باشا لمصلحة بريطانيا التقطته الحركة الاستقلالية بزعامة حزب الأمة بعد ثلاثة عقود عقب الحرب العالمية الثانية ليصبح شعاراً وطنياً لتقرير المصير بعد أن كان شعاراً استعمارياً.

ليتني أقرأ بقية المقالات التي لا أشك في قيمتها التاريخية الكبيرة.

لكن د. حسن عابدين لم يستفض في الحديث عن أهداف بريطانيا لعزل مصر عن السودان والذي كتبت عنه كثيراً، فبريطانيا حرصت على ضم الجنوب للشمال بينما حرصت على إبعاد مصر من السودان لأهداف استراتيجية حاولت من خلالها الحيلولة دون انتشار المد العربي الإسلامي إلى العمق الإفريقي وذلك يحققه إبعاد مصر التي من شأن توحدها مع السودان دفع ذلك المد جنوباً، كما أن توحيد الجنوب مع الشمال دفع الإفريقانية إلى الشمال وذلك أمر يطول شرحه.

صحيفة الصيحة