رأي ومقالات

تحرير اسعار العملات الاجنبية.. عوامل النجاح والفشل


لقد لاحظنا خلال السنوات الاخيرة بان هناك ارتفاعا متناميا في اسعار صرف العملات الاجنبية في دولتي السودان ومصر .. ما ادي الي ان يعمل المسؤولون عن ادارة المال والاقتصاد في حكومتي الدولتين للتفكير في اهمية وضع حلول وبدائل للخروج من الازمات الاقتصادية التي تسبب العديد من المشكلات .. سواء كان ذلك في مجال توقف او تعثر مشروعات التنمية او في تنامي ارتفاع تكاليف السلع والخدمات في الدولتين وما يسببه من سخط وتذمر في المجتمع للدرجة التي تؤدي الي انفجار التظاهرات الشعبية في الشوارع.. وقد لاحظنا حملات التحشيد تجري علي قدم وساق في جمهورية مصر وقد حدد لها تاريخ الحادي عشر من نوفمبر الحالي للتظاهر.
الشاهد ان تحرير اسعار صرف العملات يأتي مقرونا بزيادة اسعار الوقود في الدولتين في تاريخ متزامن .. فهل ياتري ان هناك تتسيقا حكوميا بين الدولتين في هذا الشأن ام ان القرارات اتت مصادفة .. ولكن حكومة مصر تتوقع قرضا طويل الاجل من صندوق النقد الدولي (IMF ) يبلغ 12 مليار دولار .. ما يعطي مبررات لان تتخذ سياسات رفع الدعم عن بعض السلع حسب اشتراطات الصندوق .. وهو امر يختلف عما هو في السودان المحاصر اصلا.
وهنا تقول .. انه ان لم يرافق تلك الاجراءات التي ستجري في السودان سيطرة علي الصرف البذخي مع تقليص الظل الاداري لاقصي الحدود .. ونعني بذلك الغاء العديد من منظومات الحكم المحلي المتمثل في تقليص عدد الولايات ودمجها مثلما كانت في الماضي القريب بعد اتضاح فشلها في انهاء حالات الاحتراب الاهلي .. وايضا تقليص المجلس النيابي القومي الي ثلث العدد الحالي من عددية النواب لانه من الاصل ليس للمجلس الوطني اي دور في خلق استقرار وطني والا لما كانت هناك وثبة افضت الي انشاء حوار وطني مواز له.. وهو الاخر .. اي الحوار . لن يقود في النهاية الا الي خلق محاصصة جديدة لاحزاب لا قواعد جماهيرية لها .. خاصة وان تلك الاحزاب لن تتمكن من اقامة ليلة سياسية كبري بسبب ان الجماهير قد فرت من مثل تلك الثقافات الكئيبة .
لذلك فان تحرير اسعار صرف العملات ان لم ترافقه قرارات حوافز من الدولة لجمهرة العاملين بالخارج مثل متحهم اعفاءات جمركية لسياراتهم وممتلكاتهم الخاصة ان قام المغترب بتحويل سقف عشره الف دولار مثلا بسعر البنك التحفيزي وبموجب ايصالات تحويل او بيع صادرة من البنك المحدد وتقديمها الي ادارة الجمارك بما يثبت وصول حوالاته او مبيعات عملاته الي سقف العشرة الف دولار او ما يعادلها من عملات اجنبية .. تمكنه من استيراد سيارة بموديل حتي عمر خمسه سنوات وبلا رسوم جمركية .. واذكر ان وزارة المالية في حقبة السبعينات من القرن الماضي قد منحت كل مغترب يورد للبنك مبلغ الفين دولار فقط وبالسعر التشجيعي الذي كان يتمثل في سبع وخمسين قرشا فقط للدولار .. تمنحه اعفاء جمركيا لسيارة واحدة جديدة . فامتلات خزائن البنوك بالنقد الاحنبي وعاشت البلاد استقرارا مشهودا وقتذاك … فقامت العديد من مشاريع التنمية وقتها ومن ضمنها الجامعات الجديدة .
اما ان لم تقم المالية بوضع اي نوع من حوافز التشجيع فان اسعار بيع العملات سترتفع تلقائيا خارج النطاق المصرفي بطريقة لا تقبل الجدل مطلقا .. خاصة وان الافراط في السيولة المتوفرة في ايدي بعض الجماعات هي التي تجعلهم يتجهون لتحويلها بعدة وسائل الي خارج البلاد في شكل تقد اجنبي …
فالحكومة السودانية التي انهكت ميزانياتها الحروب والصرف الامني .. فضلا علي تمدد وتوسع اوعية الحكم وكثرة الولايات ومجالس وزاراتها ومجالس تشريعاتها وتزايد حجم معتمدياتها وتمدد محلياتها بالاضافة الي اشرعتها السياسية الاخري في الحزب الحاكم ومنظماته .. فان كل ذلك قد زاد من معدلات الازمة الاقتصادية التي تؤدي بالطبع الي الانفعال الجماهيري الذي لا يحمد عقباه .. فضلا علي الارهاق الذي سيقع علي كاهل الاجهزة الامنية عند كل انفعال جماهيري يحدث عادة في دول العالم الثالث .. ومن ضمنها السودان .
فهل ياتري ان السلطة تمتلك القدرات والكفاءات التي يمكنها من مساعدتها للخروج من ازماتها المتراكمة ام انها استسلمت للواقع المذري واكتفت بتوصيات جماعة الحوار الوطني .. وتركت الامر لمعالجات تعتمد علي رزق اليوم باليوم .. وهي اجراء زيادات في الاسعار عند كل ازمة اقتصادية لتغطية مصروفات الجهاز الحاكم الكبير والمتمدد دوما … خاصة وقد تم صرف النظر عن خلق مشاريع تنمية .. فضلا علي توقف المشاريع الكبري العريقة و التي اوقفت بالكامل بدلا عن تطويرها .

بقلم: صلاح الباشا