تحقيقات وتقارير

الاحتيال العاطفي.. الخروج من الأزمات بالصدمات


أكد اختصاصي الأمراض النفسية والعصبية البروفسيور علي بلدو أن عدد ضحايا الجرائم العاطفية يفوق عدد ضحايا الحروب التي مرت بها البلاد منذ الدولة المهدية، فيما يرى الاختصاصيون النفسيون والاجتماعيون أن الواقع الاقتصادي والمعنوي الأليم فتح الباب أمام الجرائم العاطفية والابتزاز الوجداني والسرقات الشعورية والاحتيال والنصب باسم الحب، ولتسليط الضوء على ظاهرة ابتزاز الفتيات للشباب تحت ستار الحب ونتيجة للضغوط الاقتصادية التي ترزح تحتها الأسر، دفع بعض الفتيات لاختصار الطريق وإيجاد مخرج من هذه الضائقة باصطياد ضحاياهن من الشباب، (آخر لحظة ) طرقت هذا الباب لتجد المثير والكثير من الروايات:

*ثلاث بنات:
ثلاث فتيات من أسرة بسيطة الحال تم قبولهن بإحدى الجامعات ولأحلامهن الكبيرة وزيادة صرفهن على الأزياء والعطور، انتهجت الشقيقات أسلوب الاستغلال والخداع مع الشباب من أجل الحصول على مبتغاهن من المال، واهمات هؤلاء الشباب باسم الحب، وبدأت لعبة الشقيقات وتعرفن على عدد من الشباب ولم تكتفِ الواحدة منهن بعلاقة مع شاب واحد، بل تعددت علاقتهن مع أكثر من شاب على حسب ما قاله أحد هؤلاء الضحايا من الشبان، الذي كما قال إنه قد انضحك عليه، ويواصل حديثه وفضّل أن لا يذكر اسمه، تعرفت بواحدة من أولئك الأخوات، ومن خلالها تعرفت علي بقية شقيقاتها، وكنت على ثقة بجدية تلك العلاقة ولم تراودني شكوك في نواياها على الرغم من طلباتها الكثيرة والتي اعتبرها أشياء عادية لا تحسب بيننا، وفي أحد الأيام طلبت شراء (شبكة) لها، وعندما عرضت عليها الذهاب لأهلها وطلبها رسمياً ومن ثم بعد الموافقة اشتري لها (الشبكة)، رفضت وكانت ترفض باستمرار أن أتقدم لها، معللة ذلك بأن الوقت غير مناسب وعندما تكررت محاولاتي واستمرار رفضها أنتابني الشك وبدأت بالبحث والسؤال عنها لأكتشف حقيقة لم تخطر على بالي، أن فتاتي تلك التي عشت معها الريد والغرام ورسمت أحلاماً لمنزل يجمعنا، وجدتها في عصمة رجل آخر!! ولم تنتهِ المفاجأة عند هذا الحد، بل إن زوجها قد تغرب خارج البلاد من أجل تحقيق بيت أحلامها الذي طالبتني به، وبمحض الصدفة عرفت أن شقيقاتها ينتهجن هذا السلوك من التلاعب بمشاعر الآخرين من أجل تحقيق أحلامهن، واكتفى بالصدمة التي وقعت على رأسه كما قال وجعلها تجربة يستفيد منها فى حياته، وأضاف أن تلك التجربة جعلت ثقته تهتز في كثير من الفتيات.

*تجميد الدراسة:
تفاجأ أبوهريرة بعد عامين من علاقته العاطفية بأن محبوبته (صفاء) في عصمة رجل أخر، وأصيب بصدمة قاسية اضطرته إلى تجميد عامه الدراسي ولم يكن التأثير قد اقتصر عليه فقط، بل امتد إلى الفتاة المخادعة والتي طلبت الطلاق من زوجها الذي لم يدخل بها، وقد اشترط لتطليقها أن تدفع له كل الخسائر والأموال التي صرفها وقدرها بـ(33) مليوناً، ولم يستطع أهل الفتاة دفع المبلغ، وعندما أخبرت حبيبها الأول رفض مساعدتها وتخلى عنها وتنازل عن كل الأموال التي صرفها عليها خلال دراساتها.

*وكانت المفاجأة:
وقصة أخرى تحكيها إحدى الطالبات تدعى (ع.ف) بأن صديقتها المقربة إليها كانت على علاقة بشاب يدرس معها في نفس الجامعة، واستمرت تلك العلاقة لثلاث سنوات لتكتشف الصديقة بالصدفة أن صديقتها المقربة قد أخفت عليها سراً كبيراً، فعندما رن هاتف صديقتها قامت (ع) بالرد على الرقم العالمي الذي ظهر على شاشة الهاتف، وبعد حديث دار بينها والمتصل قام بسؤالها عن حالة ابنة صديقتها وإذا كانت قد جاءت بها إلى سكن الطالبات، وتفاجأت (ع) بما سمعته ولم تصدق أن صديقتها التي عاشت معها في غرفة واحدة تخفي عليها أنها متزوجة ولها ابنة ومع ذلك تقيم علاقة مع شخص آخر، وعندما وصل الأمر إلى الشاب الذي تقيم معه علاقة، قام بفضح أمرها وسط زملائها في الجامعة.

*تصرف رجولي:
ويرى أحمد يوسف طالب جامعي، أن تصرف الشاب بانصياعه لطلبات الفتاة وعدم التشهير بها رغم معرفته بحقيقتها يدل على تصرف رجولي وليس ضعفاً أو غباء من الشاب، إلا أن عزالدين يوسف (موظف)، يرى أنه نادراً ما يسامح الشاب الذي تم خداعه ويلجأ إلى الانتقام منها بطرق مختلفة قد يقوم بتشويه سمعتها ونشر صور فاضحة لها، أو قد يرد لها بنفس المكيال ويتفق مع أحد أصدقائه بالدخول معها في علاقة والتلاعب بمشاعرها، وأضاف أن هنالك حيلاً كثيرة يقوم الشاب باتباعها للانتقام من محبوبته.

*مجاعة عاطفية:
فيما يعزي استشاري الطب النفسي والعصبي البروفيسور علي بلدو انتهاج الفتاة تلك السلوكيات إلى أنه يعود لعدة عوامل، منها الضغوط الاجتماعية والأسرية والهجرة والنزوح وتأخر سن الزواج والعنوسة وتزايد حالات الطلاق، إضافة إلى الوافد الثقافي الأجنبي بأشعاره وموسيقاه ودراماته والتي أصبح لها تأثير كبير على المجتمع، واعتبر أن معظم السودانيين في هذا العصر فاقدو حنان ويعانون من مجاعة عاطفية طاحنة بسبب شح التعبير عن العاطفة والخوف من الدخول في علاقات عميقة، بجانب روح الانكسار والعجز والأدب السالب تجاه البوح بالعواطف والمشاعر الوجدانية، ويضيف المختص النفسي أن الواقع الأليم الذي نعيشه الآن فتح الباب واسعاً لما يمكن أن نطلق عليه الجرائم العاطفية والابتزاز الوجداني والسرقات الشعورية والاحتيال والنصب باسم الحب، وقد وقع في هذا الفخ الكثيرون مدفوعين بالرغبة النفسية والشعور بالاطمئنان والحب والتمثيل عن العواطف والإشباع الكلامي والجسدي والوجداني ولو دفع في ذلك المليارات، بينما تكون دوافع المحتالين باسم العواطف، الرغبة في الثراء السريع والتمتع بخوض علاقات مزيفة مع الذكور أو الإناث، كما نجد بعضهم ضحايا سابقين بغرض التشفي والانتقام كرد فعلي نفسي، وغالب الذين يلجأون إلى ذلك السلوك هم شخصيات مضطربة نفسياً ومضادة للمجتمع ولا تؤمن بالقيم والأعراف ولا ضمير لها جنباً إلى جنب مع آخرين وأخريات يتمتعوا بالجمال والإطلالة والذكاء الحاد والبلاغة والسحر الأخاذ والقدرة العجيبة على كسب ثقة الآخرين قبل أن يبدأون في ممارسة مرضهم النفسي وبأسباب قد تبدو غير أخلاقية مثل الكذب بأن هذه الأموال لشخص محتاج أو لطالب في داخلية وغيرها من الحجج التي يبدعون في اختلاقها.

وفي ختام حديثه لـ(آخر لحظة) قال بلدو إن غياب التربية الشعورية وعدم وجود سند نفسي واجتماعي حقيقي وأيضاً عدم الاستقرار العاطفي للكثيرين، من عوامل ازدياد هذه الظاهرة مستقبلاً والتي أصبحت الآن أقرب ما يكون إلى مهنة، ويمكن أن نطلق عليها (محتال أو محتالة عاطفياً)، وأوضح أنه في ظل القراءة للواقع الحالي النفسي والاجتماعي، فإن ضحايا الحب في هذه البلاد سيفوقون عدد ضحايا الحروب منذ المهدية.

تحقيق: ناهد عباس
صحيفة آخر لحظة