تحقيقات وتقارير

السؤال الصعب لماذا فشلت المعارضة في تحريك الشارع السوداني؟


الحزب الشيوعي: الجماهير لا تحتاج لأحزاب تحرِّكها والشارع معبأ وسيتحرك

المؤتمر الشعبي: الشعب السوداني استوعب درس الربيع العربي

صلاح الدومة: غياب الحريات وراء عدم تحرك الشارع والإنقاذ أضعفت الأحزاب

محلل سياسي: الشعب السوداني ينقاد وراء المنظومات التي ترفع الأطروحات الدينية

مواطن: أسباب المظاهرات متوفرة والشارع يمكن أن يفعلها في أي لحظة

التوقعات كلها كانت تشير إلى أن الشوارع ستمتلئ بالمتظاهرين، وستحتشد بمن يناهضون قرار زيادة أسعار الوقود والكهرباء والدواء، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ولم تخرج الجماهير إلى الشوارع، وغابت قواعد الأحزاب عن الميادين، الأمر الذي رسم علامات استفهام كثيرة، خاصة أن الشعب السوداني جرّب الخروج إلى الميادين في أكثر من مضمار، حيث أسقط قبل ذلك اثنين من النظم الشمولية الباطشة، وسبق أن خرج مندداً ومناهضاً لقرارات حكومة الإنقاذ برفع الدعم عن الوقود في سبتمبر من العام 2013م، بل إنه قدم أكثر من (86) شهيدا بحسب إحصائية الحكومة نفسها.. فلماذا فشلت المعارضة في تحريك الشارع السوداني، عقب زيادة الأسعار بصورة جنونية؟، سؤال صعب نسعى للإجابة عليه في هذه المساحة.

أزمة خانقة

لسنواتٍ خلت، ظل الشعب السوداني يعاني من ضائقة معيشية خانقة، ناتجة عن طريقة إدارة المؤتمر الوطني للاقتصاد السوداني، وليست ناتجة عن ضعف في الموارد، فمعلوم للكافة أن البلاد تزخر بمداخيل كثيرة يمكن أن تقي البلاد شرور الانهيار الاقتصادي، ويمكن أن تحول بين العباد وبين الجوع والمسغبة. بل إن الأزمة الاقتصادية بلغت مرحلة أن يعادل الدولار الأمريكي (17) جنيها سودانياً في حالة نادرة، لم تحدث حتى خلال الديمقراطية الثالثة التي كان يُعاير الإنقاذيون قادتها بأنه لولا انقلاب الإنقاذ لبلغ الدولار (20 جنيهاً)، أي نحو عشرين قرشاً بعملة اليوم وليس عشرين ألف جنيه.

المهم أن الساحة السودانية ظلت تمضي بسرعة نحو الانهيار الاقتصادي، وفي غمرة ذلك تعاظمت الضوائق المعيشية بالمواطن وأحاطت به تماماً. وهو ما جعل الحكومة تجرب كل السبل لمنع تراجع العملة الوطنية وانهيار الاقتصاد، إلى أن وصلت مرحلة العلاج بالكي المتمثل في رفع الدعم وزيادة الأسعار. ولكن مع ذلك ظل المؤتمر الوطني يتربع على البلاد، ويحكم بلا ضغوط من الشارع. وهو أمر بدا مثيرًا للاستغراب، ذلك أن الضائقة توشك أن تمسك بخناق الوطن والمواطنين. ومع تزايد تلك الضائقة يزداد الأمل في المعارضة، في أن تقول كلمتها الفاصلة، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وظلت المعارضة تغيب في أزمنة الحضور. ما جعلها موضع سخرية الكثيرين، وخاصة الحزب الحاكم الذي ظل يجزم بأن المعارضة لا تملك ما يؤهلها لحكم البلاد.

وهنا يبقى السؤال “لماذا فشلت المعارضة في تحريك الشعب السوداني؟”

فرص ضائعة
قطعاً ستنظر الحكومة وكذا المعارضة، إلى هذا السؤال بعين تجريمية. وسيظن كل طرف أن طرحه يهدف إلى تحقيق أجندة الآخر، فالمعارضة ستنظر إليه على أساس أنه خطوة لتثبيط همّة الشارع، بينما ستنظر إليه الحكومة على أساس أنه محاولة لتحريض الشارع على التظاهر ضد زيادة الأسعار. لكن ومهما يكن من أمر فإن السؤال يبدو – استناداً إلى منظار العلوم السياسية – موضوعياً ومهماً، ولذلك طرحناه على بعض المحللين السياسيين. وهنا يقول الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي الدكتور عبد اللطيف محمد سعيد إن المعارضة الحالية في أضعف حالاتها ولا يمكنها أن تحرك الشارع السوداني، وأشار في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن المعارضة ضيّعت العديد من الفرص خلال الـ 27 عاماً الفائتة لإنهاء حكم المؤتمر الوطني، ومضى يقول إن القيادة الحالية للمعارضة غير مقنعة لشباب اليوم، أضف إلى ذلك أن حزبي البعث والشيوعي غير موجودين بين الجماهير، وفقدا السند الإقليمي والدولي الذي كانا يتمتعان به فهما لا يمكنهما أن يغيّرا أو يقودا التغيير.

ورأى سعيد أن اتحادات الطلاب والعمال هي التي تقوم بالتغيير، وقال إنها تابعة للمؤتمر الوطني، منوهاً إلى أن كل ذلك أدى إلى فشل المعارضة في حشد الناس على التظاهر خاصة أنها تفتقر إلى البرامج التي تجعل منها نقطة لالتفاف الجماهير حولها، منوهاً إلى أن الأحزاب المحاورة نفسها غير مقنعة، ولذلك لا يمكن للشعب أن يستبدل (أحمد بحاج أحمد).

غباء مطلق
وبدوره، رأى المحلل السياسي والأستاذ الجامعي صلاح الدين الدومة أن المعارضة لم تفشل في تحريك الشارع السوداني، وقال إن الإنقاذ نجحت في استغلال الظروف وخلفيات القضايا الاجتماعية لتخلق منها كوكتيلاً يحول دون ظهور قوى معارضة يمكنها تحريك الشارع السوداني، وأضاف الدومة في حديثه لـ(الصيحة) أن الإنقاذ استفادت من التجارب السابقة وسدت كل الدروب التي تأتي منها رياح التغيير، لافتاً إلى أن الأحزاب السياسية منشغلة خلافاتها الداخلية، ورأى أن الأحزاب الراديكالية صادقة في أطروحاتها لكنها قليلة العدد والتأثير.

وأشار إلى أن الشعب السوداني ليس جباناً كما يشاع، ولكنه يتحين الفرصة المناسبة فهو شعب واعٍ بما يدور من حوله، واصفاً الإنقاذ بالحكومة غير الذكية، وقال إنها لو استغلت الفرص التي أتيحت لها لجعلت من السودان جنة بدلا من وقوفها على أبراج من جماجم الفقراء من أبناء الشعب السوداني. مشددًا على أن المعارضة قادرة على تحريك الشارع، لكن الحزب الحاكم ظل يتعامل معها بترسانة باطشة، ما أضعف قوتها، وقال إن هذه السياسة بدأت منذ اليوم الأول لانقلاب الإنقاذ التي تفرغت تماماً لتشريد الأحزاب وإفقارها ومصادرة ممتلكاتها، أضف إلى كل ذلك فإن سقف الحريات منخفض بصورة كبيرة، حتى في أزمنة الحوار الوطني الذي تزعم الحكومة أنه جاء لبسط الحريات.

إحباطات
ويرى كثير من المراقبين أن الشعب السوداني تعلم من تجربة ثورات الربيع العربي التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط، التي أفرزت في بعض المرات نتائج كارثية، وهو ما مضى إليه الأستاذ والقانوني محمد الهادي الفضل، منوهاً في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن هذه النتائج لم تكن محفزة لخروج الشعب السوداني على اعتبار أن النتائج ربما تقود إلى انهيار الدولة، ولذلك اختار الشعب السوداني أن يعيش في سلام بالرغم من الوضع الاقتصادي السيئ. مشيراً إلى أن المعارضة ضعيفة جداً وتفتقد القواعد الجماهيرية، وهي الفرضية التي تروق لأستاذ الإعلام والرأي العام بجامعة الإمارت بأبوظبي الدكتور أبوبكر شبو، لافتاً في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن المعارضة فقدت المصداقيه لدى الجماهير.

ويعود الهادي مشيراً إلى أن كل المحفزات لكي يخرج الشارع السوداني وينتفض في وجه الحكومة متوفرة، بيد أنه قال إن الشعب يفتقد القياده الحقيقية وإن تجارب الربيع العربي تجعله يفضل مسايسة الواقع. وقريباً من هذا المنحى فإن الدكتور أبوبكر شبو يرى أن الشارع السوداني أخذ العبرة من ثورات الربيع العربي، وتخوّف من نتائجها المدمرة، وهذا أمر لا يعني أن الحكومة جيدة أو أنها تجد الدعم المطلق، ومضى يقول: “لابد أن يأتي يوم تتحرك فيه المواكب الجماهيرية إذا توافرت لها الإرادة والقيادة الحقيقية”.

خلفية دينية
ويرى الدكتور النور أحمد يوسف أن فشل المعارضة في تحريك الشارع السوداني يرجع لعامل أساسي وهو أن الشعب السوداني بفطرته صاحب صبغة دينية وخلفية متدينة، لذا ينجح كل من يحملون خلفيات دينية في تحريكه مستشهداً بعدة حالات في التاريخ السوداني. وقال لـ(الصيحة) إن الثورة المهدية لقيت رواجاً وقبولاً وانتشرت بسرعة البرق كما النار في الهشيم لأنها كانت دعوة دينية، لذا التف حولها عامة الشعب السوداني وهو الاعتقاد الذي جعل حزب الأمة إلى يومنا هذا يتمتع بجماهيرية، لافتاً إلى أن الحزب الشيوعي استطاع في الستينيات من القرن الماضي أن يحرك جموع المزارعين بمشروع الجزيرة ويقودهم إلى اضرابهم الشهير، وذلك بفضل استقطابه للشيخ الأمين أحمد الأمين من منطقة معيجنة بالجزيرة فهو كان رجلاً متديناً وصاحب خلق، لذا التف حوله المزارعون دون أن يكترثوا للخلفية السياسية التي يمثلها شيخ الأمين وهي الحزب الشيوعي.

غير أن المحلل السياسي صلاح الدومة لا يبدو مقتنعاً بهذا الرأي، مستدلاً بثورة 21 أكتوبر التي اسقطت نظام عبود والتي بحسب قوله لم يقدها إسلاميون، مشدداً على أن حملة الاعتقالات التي نُفذت تجاه قادة القوى السياسية أبطأت خروج المواطنين إلى الشارع.

بيد أن ما مضى إليه النور يبدو متوافقاً مع رؤية الدكتور أبوبكر عمر الذي رأى أن الاستقطاب باسم الدين الذي نفذته الإنقاذ يعتبر أحد الأسباب التي جعلتها موجودة الى يومنا، لافتاً في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن الإنقاذ استقطبت كل من يلتف حوله الناس من شيوخ طرق صوفية وأئمة المساجد، ولفت إلى أن ذلك جعل من المعارضة كياناً بلا قواعد قوية خاصة أن الجبهة الإسلامية أفلحت في استقطاب كل من له جماهيرية وكل من يستطيع أن يحرك الناس.

وبخصوص المزاعم القائلة بأن الإنقاذ سيطرت على الطلاب الذين كانوا يحركون الشارع، يقول النور إن الآيدولوجية التي شبت عليها الأجيال الحالية هي آيدولوجية تدعم مسيرة الإنقاذ وتجعلهم إنقاذيين بالفطرة خاصة مع عدم وجود تيار معارض يتغلغل وسط الجماهير، ولفت إلى أن وسائط الإعلام والميديا الحديثه لا تستطيع أن تُخرِّج أجيالاً تبرر لنا وتحدثنا عن فشل المعارضة في إحراز تغيير على المستوى السياسي بالبلاد.

سد الذرائع
المحلل السياسي عثمان جاد الله يرى أن الإسلاميين عندما كانوا في المعارضة أفلحوا تمامًا في قيادة الشعب السوداني الذي توافرت لديه مساحة من الحرية والديمقراطية التي تسمح له بالتعبير وعندما وصلوا الى السلطه أغلقوا كل المنافذ التي تأتي منها رياح التغيير والثورات لأنهم خبروا دروبها عملياً. مشدداً على أن الشارع مهيأ تماماً للثورة، ولكنه يفتقد القياده التي تقنعه. وزاد: إن الإسلاميين استطاعوا رسم صورة ذهنية في عقول الجماهير بأن الأحزاب اليسارية والعلمانية هي عدو الدين الأول وهو الأمر الذي لا يقبله المواطن السوداني بالفطرة، لذا فشلت المعارضة في تحريض الشعب السوداني، بيد أنه عاد وقال إن غياب الحرية السبب الرئيس في عدم خروج الشعب إلى الشارع.

في انتظار المعجزة
الجماهير الموسومة بأنها وقود الثورات، تبدو في حالة تذمر كبير وغبن غير منكور، وهو أمر يمكن رصده في أي مركبة عامة أو مكان عام. ولكن مع ذلك احتفظ كل شخص بموقعه ولم يخرج إلى الشارع وإن حدثته نفسه بذلك، فما السبب؟ هنا يجيب صوت المواطن (م. أ) بعدما اشترط حجب هويته، إن السبب يعود إلى غياب الحرية، وأضاف: لو كان هذا حادثاً لذكرت لك اسمي بالكامل وعنواني، قبل أن يعود ويقول إن الشعب السوداني يحتاج لمعجزة تحركه ولا يحتاج لمن يحرضه، لأن “المحرش ما بكاتل”. وأضاف: الإنقاذ جثمت على صدر الشعب السوداني 27 عاماً بلا مبرر كافٍ لبقائها كل هذه المدة.

أما المواطن المكاشفي عمر فقال لـ(الصيحة) إنه من غير المعقول أن تحيط بنا كل هذه الضوائق ولا نتحرك.. هناك أمر خطأ وغير منطقي في ما يحدث.. أعلم أن المزاج العام ضد زيادة الأسعار.. لكن لا أحد يريد الخروج.. هذا وضع شاذ.

بدوره رأى المواطن عبد الله عبد الكريم أن نعمة الأمان من أكبر النعم، وقال لـ(الصيحة): لا نريد أن نتحول إلى نموذج سوريا أو يمن آخر أو ليبيا، فبلادنا لا تحتمل المزيد من الأزمات.

وفي ذات الإطار يشير المواطن فضل الله عبد الغني إلى أن أجواء الحوار الوطني وبشرياته جعلت الشارع يتفاءل خيراً، ولكن يبدو أن رياح الحوار جاءت بما لا تشتهيه سفن الجميع.

أما المواطن حسن النعيم، وهو طالب دراسات عليا، فقال: رغم معاناتنا من ارتفاع الأسعار وظلم الحكام إلا أنني ضد نشوب ثورة في الوقت الحالي لما يعانيه السودان من أزمات وفقدان ثقة بالآخر، لأن حدوث أي تغيير للحكم بالقوة يعني فقدان الجميع للأمن وبالتالي يحدث التشرد.

منظور سياسي

ويرى نائب رئيس المؤتمر الوطني إبراهيم محمود أن الشعب السوداني يتميز بالوعي الكبير، وأنه لن يقوم بتكرار نماذج الربيع العربي، وهو القول الذي جرى على ألسنة عدد من قادة المؤتمر الوطني، في غير منبر واحد.

وقريباً من ذلك فإن القيادي بالمؤتمر الشعبي بشير آدم رحمة أشار إلى نتائج الربيع العربي وثوراته وما خلفته من أزمات تجعل كل عاقل يستبعد قيام ثورة، وأضاف: ما نشاهده من هجرات وتشرد للشعوب من سوريين وغيرهم أحد الدوافع التي تجعل الشعب يحجم عن الخروج في ثورة أو مظاهرات حتى لا يكون الناتج وضعاً أسوأ.

أما الحزب الشيوعي السوداني فذكر على لسان الناطق الرسمي باسمه فتحي فضل أن الجماهير لا تحتاج لقوى سياسية حتى تخرج إلى الشارع، وقال إن الشارع معبأ وسيتحرك، وقال إن الحراك ستقوده اللجان الشعبية بالأحياء، مضيفاً أن الثورات يجب أن يحركها العمال ونقاباتهم.

الخرطوم: وليد الزهراوي
صحيفة الصيحة


‫3 تعليقات

  1. أصلا لاتوجد معارضة…ولايوجد شارع بل يوجد شوارعية وشوية غوغاء

  2. المعارضه لا تستطيع قياده سخله فى الشارع ناهيك عن الشعب الواعي الحكومه ليست مقنعه ولكن المعاضه اسواء

  3. عاوزين الحقيقه وليس ابن عم الحقيقه الا وهي منتظرين ترامب سوداني او كرازي سوداني مثل ماحدث في امريكا سيحدث في السودان خلال مائه يوم لماذا؟؟صراحه وبدون اعذار ولا لف ودوارن.الشعبيريد تغير جذري لانه قرف من الاحزاب والكيزان ونأسف ان نقول حتي الاسلام الريدكالي الى زوال التأثيرات الدوليه مؤثره شديد على الاوضاع الداخليه لذا سيأتي مالم يكن في الحسبان عندها لا تسأل عن الخوف او الدماء