مزمل ابو القاسم

أمريكا الترامبية


* أجمع كل المراقبين على أن انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية يشير إلى حدوث تغيير هيكلي في بنية المجتمع الأمريكي، ويؤكد بروز نزعات جديدة، تتحكم في النهج الذي يسيِّر قرارات ورغبات الناخبين في أمريكا.
* تطرف ترامب المفرط، وحدة خطابه السياسي، والجرأة التي طرح بها وعوده الانتخابية جذبت إليه المزيد من اهتمام الناخبين الأمريكان، ومنحته دفعة قوية أوصلته إلى سدة الرئاسة، في انتخابات تاريخية، هزأت بكل استطلاعات الرأي التي جزمت بفوز هيلاري كلينتون، ومنحتها أفضلية لم تتحول إلى واقع أبداً.

* نجح ترامب في اختيار شعار جاذب للناخبين، (أمريكا أولاً)، وعرف كيف يستغل مخاوف الأمريكان ومعاناتهم، عندما تحدث عن جديته في إصلاح نظام الرعاية الصحية، وعن سعيه لتقليص العبء الضريبي على الفئات المتوسطة والفقيرة، وتوفير المزيد من فرص العمل بإقصاء المهاجرين غير الشرعيين، وحظر الهجرة غير المنظمة لأرض العام سام، أما الوعود المتعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية فتشكل كابوساً مرعباً لشركاء أمريكا وحلفائها في كل بقاع المعمورة.

* تحدث عن رغبته في إلغاء اتفاقيات التجارة الحرة الحالية، وأبرزها اتفاقية أمريكا الشمالية الموقعة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وحملها مسؤولية حرمان ملايين الأمريكان من الوظائف.
* أكد أنه سيفرض تعريفة جمركية ضخمة على البضائع المستوردة من دول بعينها، بنسبة 45 % على الصين، و35 % على المكسيك، سعياً إلى منع الشركات الأمريكية من نقل أعمالها إلى جنوب حدود بلاده.

* وعد بإلغاء اتفاق باريس لمكافحة التغيير المناخي، ولوح بإيقاف الدعم المالي الذي تقدمه بلاده لبرنامج الأمم المتحدة المختص بمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري في الأرض.
* أوغل في انتقاد حلف شمال الأطلسي، ووصفه بالمنظمة البالية، واتهم الدول التي تتمتع بعضوية الحلف بأنها لم تف بالتزام يفرض عليها تخصيص نسبة 2 % من ميزانيتها على الدفاع، وأعلن أن أمريكا لن تتحمل عبء الدفاع عن أي دولة من دون أن تنال منها تعويضاً مناسباً، وتحدث عن سحب القوات الأمريكية من أي دولة لا تدفع (جزية) الحماية الأمريكية لها.

* ذلك بخلاف تصريحاته العنصرية حول اعتزامه حرمان المسلمين من دخول أمريكا، والتشدد في التعامل مع من يفلحون في نيل تأشيرات الدخول إلى بلاد العم سام.
* وعود مخيفة، وتوجهات مفرطة في التطرف، تدل على أن أمريكا الترامبية ستقود أضخم عملية تغيير في سياساتها الخارجية، وأنها ستفعل ذلك منفردةً ومجردة، لا من دعم الحلفاء والأصدقاء، بل حتى من سند بعض اللوبيات التي تتحكم في مفاصل الحكم داخل الدولة العظمى.

* التحدي الأبرز الذي سيواجه ترامب يتمثل في مدى قدرته على تحويل كل تلك الوعود الجنونية إلى واقع، لأن مؤسسة الرئاسة لا تحكم وحدها، ولا تقرر منفردة في أمريكا، بقدر ما تتحكم فيها اللوبيات، ويسيرها المال السياسي، فهل يستطيع المجنون الأصهب أن يفعل ذلك منفرداً؟
* ننتظر لنرى.

مزمل ابوالقاسم – للعطر افتضاح
صحيفة اليوم التالي