تحقيقات وتقارير

أطفال في حلبة العيش.. معركة غير متكافئة.. الوجه البديل


ما بين أيدينا حكايتهم كما يعيشونها فعلاً لا قولاً، نعرضها بلا مقدمات، نجتهد لرسم صورة حرفية مقاربة لصورتهم الفوتوغرافية، رغم يقيننا القاطع بأن لغات العالم أجمع لن تقوى حروفها على المقاربة بين الصورتين (الحرفية والفتوغرافية) لهؤلاء الأطفال، لكن عزاءنا في تقدير البعض لها من باب شكر المُقِل على جهده.
بمنطق الحساب، يمكن القول إن عددهم اثنان أو ثلاثة وربما عشرة ومئة، لا بل يستطيع قائل أن يكمل الرقم إلى ألف وألفين وثلاثة وعشرة.. الخ. والتبرير لاطراد العدد بهذه المتوالية اللانهائية بسيط ومنطقي، وهو أن عين كل منا تقع عليهم باستمرار يجوبون الأحياء أو الأسواق، وبعض الأحيان نشاهدهم يسيرون على رصيف الطرقات عائدين إلى مساكنهم أو قادمين منها لتوهم، وفي كل الأحوال يتفق الأغلبية على أنها تشيح عنهم البصر، ولكل واحد سببه، فالبعض يعتقد أنهم أتفه من أن يطيل النظر إليهم، وبالبعض الآخر يظن أن مشاهد كتلك تحز في نفسه وتألمه.

انقسام حول الألم
بالفعل ومن خلال استطلاع محدود كان المُستطلعين منقسمون حول نظرتهم لهذه الشريحة من الأطفال الذين لا يستطيع أحد أن يصنفهم تصنيفاً دقيقاً، فهم ليسوا مشردين ولا أطفال شوارع أو لصوصاً صغاراً، وكل التصنيفات الأخرى لا تنطبق عليهم. وبسؤال الناس عنهم أشار البعض إلى عدم تسليط نظره على مثل حالات كهذه، فمشاكله ومصاعبه الخاصة ضعف معاناتهم، وبالتالي ليس لديه الوقت للنظر فيما وراءهم من أسباب دفعتهم لمجابهة قسوة الحياة وتجبرها بهذا التحدي والإصرار، ويقطع الفريق الأول من المستطلعين بالتأكيد على أن ضنك المعيشة وتهور الوضع الاقتصادي خلق مساواة بين الصغير والكبير، وبالتالي لا شيء سوى أن يحمل الشخص صغيراً أو كبيراً جُرته على رأسه مهما كان ثقبها، والفريق الآخر أقر بأنه كثيرا ما يتأملهم حين يشاهد أحدهم يحمل أثقاله على ظهره، ولكنه غالبا لا يطيل النظر لأنه يشعر بانتهاك إنسانيته في ذلك الطفل، فيعمل على طرد صورته من عقله وعدم التفكير فيه.

عوالم مخفية
أبطال القصة أنفسهم لا تهمهم وجهة نظر الطرف الأول أو الثاني لأنهم ببساطة يعيشون حياتهم منفصلين تماما عن محيطهم، ولا غرابة لو ظنوا أنهم خلقوا في هذه الحياة وحدهم، وما قيمة البشرية كثرت أو قلت ما دام أحد منهم لم يقدم لك الطعام أو الشرب أو الأمان؟ فطريقة مجابهتهم لمعاناتهم وردودهم المغتضبة حين يلح متطفل على سؤالهم عن تفاصيل حياتهم تُبيِّن أن المجتمع ونظامه لا يعني لهم شيئا البتة، لأن عالمهم غير مرئي لغيرهم ومعاناتهم تخصهم وحدهم، وأيضا طريقة عيشهم لا يشاركهم فيها أحد، ولهذا دائما لا يدلون بآراء ولا يشكون حالهم، فمن لم يجرب رغد العيش أو يشاهده بعينيه لا يشكي الضنك ولا يؤلمه الجوع ولا يهزمه الفقر، وتطبيقا لما أشرنا له كان رد آدم – اختصر اسمه هكذا – جافا حين سألته عن عمره والمرحلة الدراسية التي وصلها في دراسته، فلم يجب بكلمة غير أنه نظر لرفيق شقاوته بعينين تحجرتا في أماكنهما، وصمتا معا بتواطؤ من لا يهمه الجواب ولا يعينه السؤال، وانطلقا مجددا في سعيهما الدؤوب بحثا عن حديدة أو قطعة بلاستيك يزيد بها أحدهم حمله لتنزل في جوفه الجائع طعاما، ولو كان غير شهي، فما حاجة الفقير للاشتهاء!!

هدم العمران
لم يجب آدم عن السؤال ولم يشر إلى اسم والده، فالأسماء الطويلة مرهقة، وهو به ما يكفيه من الإرهاق، ألا يكفي سيره النهار بأكمله وتنقله من حي إلى حي ومن ثم العودة مساءً إلى مكان سكنه بالحلة الجديدة التي هدمها عبداللطيف فضيلي معتمد أمبدة على رؤوس سكانها بحجة التخطيط، وهو لا يعلم أن مساكن الجالوص والطين التي طرحها أرضا في ثوان معدودة بناها هؤلاء الفقراء في عشرة أعوام، ولن يتمكنوا قريبا من إعادتها مجددا؟
كان آدم لا يعير المجاملة بالاً ولا يهمه أن يظهر في الصورة مبتسماً أو متجهماً، وكل ما يرجوه أن يتركه السائل في حاله يكد ليعود بطعام لإخوته الستة الذين مات أبوهم، ولم يترك لهم شيئاً سوى حمار وعربة كارو سرقها اللصوص والحمار، فاضطرت الأم للعمل في المنازل وخرج هو باحثاً عن الخردة.

الخرطوم – محمد عبدالباقي
صحيفة اليوم التالي


‫2 تعليقات

  1. كيف سوف تلاقي الله يا حكومة الانقاذ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  2. اههههههه لو اه بتداوي جراح حنتفضل طول العمر بآه لكن الآه مابتداوي جراح
    هذا الصورة معبرة عن حال كل الشعب السوداني المظلوم والمجروح والمصاب بسرطان لإنقاذ نسأل الله ان يخلصنا من المرض الخبيث الذي انهك اجسامنا
    لعنكم الله