تحقيقات وتقارير

الدولار.. صعود في أزمنة الهبوط!


بالرغم من اتباع الدولة مؤخراً حزمة من السياسات الاقتصادية القاسية لاستقرار سعر الصرف للعملات الأجنبية مقابل العملة الوطنية إلا أنها لم تؤتي أكلها عقب مرور أكثر من أسبوع عليها حيث واصل سعر الدولار صعوده إلى 17 جنيها شراء و17500 للبيع مقارنة بسعر 15.500 جنيه قبل إعلان السياسات، الأمر الذي زاد من حدة الشقة بين السعرين. وفي المقابل حدد بنك السودان المركزي السعر التأشيري لصرف الدولار مقابل الجنيه السوداني أمس الأول بـ6.7084 جنيها وعليه فالنطاق الأعلى هو 6.9767 جنيها والأدنى هو 6.4401 جنيه على أن يتم تحديد الحافز الممنوح للمصارف والصرافات يوميا. وكان بنك السودان المركزي قد أعلن في سياساته الأسبوع المنصرم أن تحديد الحافز سيتم يوميا وفقا للسوق حيث بدأ في يومه الأول بتحديد الحافز بواقع 131% للمصارف والصرافات توطئة لجذب مزيد من ودائع الجمهور بالعملة الصعبة بالتركيز على أموال المغتربين مما جعل نسبة الحافز تساوي مبلغ السوق الأسود.

ولفت الخبير الاقتصادي دكتور/ هيثم فتحي إلى أن المشكلة في السياسات وعلاج الدولار مرهون بتوقف الفساد والترهل الحكومي والحرب، فضلا عن ترشيد الاستيراد مثل استيراد الثوم من الصين والألبان من السعودية واللحوم من إثيوبيا، الأمر الذي أضعف العملة الوطنية وزيادة الجمارك حل جزئ وليس كليا، متمنيا أن يكون القرار بهدف الترشيد وليس لزيادة الإيرادات، وقال إنه وفقاً لقانون العرض والطلب فإن سعر العملة يتحدد من خلال توافر العملة وكمية الطلب على هذه العملة، فعندما يزيد الطلب عن العرض فإن سعر العملة يأخذ في الزيادة وهذا ما حدث في حالة الدولار أمام الجنيه في الآونة الأخيرة رغم السياسات التي أعلنت من قبل البنك المركزي فقد قل تواجد الدولار في السوق في مقابل ازدياد الطلب وأدى ذلك إلى زيادة سعر الدولار وفي ظل هذه الأزمة الاقتصادية تواجدت عمليات استيراد بشكل غير مدروس لسلع يمكن وصفها بالكمالية أو الاستفزازية وقد أدى ذلك إلى زيادة عمليات الاستيراد لتصبح بحجم ٩ مليارات دولار للسلع الأساسية والترفيهية وسط حالة من ركود تام لحركة التصدير للخارج مما سبب انخفاضا للعملة الوطنية وأيضا انخفاض معدل دخول الدولار داخل البلاد سواء بسبب ركود حركة التصدير وازدياد عمليات الاستيراد أو من خلال انخفاض معدل تحويلات العاملين بالخارج إلى ذويهم عموماً وإن وجدت هي خارج الجهاز المصرفي.

وأشار فتحي إلى أن اندلاع العديد من الحروب في الآونة الأخيرة أثر على الاقتصاد الوطني مثل حرب سوريا وحرب اليمن وحرب جنوب السودان التي أثرت على السودان بطريقة غير مباشرة بجانب حرب أسعار النفط العالمية مما أدى إلى انخفاض في أسعار النفط عالمياً، وأرجع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني إلى عدة أسباب تمثلت في ضعف الإنتاج وبالتالي انحسار الصادرات السودانية وتراجع مساهمة القطاعات المنتجة فى الناتج المحلي الإجمالي إضافة إلى زيادة الطلب الكبيرة عليه بصورة أكبر من المعروض وفضلا عن وجود أشخاص يشترون الدولار كمخزن للقيمة وزيادة الطلب عليه لتغطية حاجيات المسافرين للعلاج بالخارج والدارسين أيضا بجانب مشكلة الحظر على التحويلات البنكية في إطار العقوبات الاقتصادية على السودان في الشق التجاري والرسمي للدولة والتي تقيف عائقا للمستثمرين الأجانب لتحويل أرباحهم، جميع الأسباب تعمل على زيادة الطلب على الدولار ويرفع سعر صرفه مقابل الجنيه السوداني في ظل ارتفاع واردات البلاد إلى أكثر من 9مليارات سنويا مقابل عدم تجاوز الصادرات واقع 3مليارات دولار. ويُشير فتحي إلى أن الحل لمشكلة ارتفاع سعر الدولار يستوجب التركيز على زيادة الإنتاج وخفض تكلفته لخلق وفرة تجسر الفجوة بين الواردات والصادرات وتخفض عجز الميزان التجاري، مشددا على أهمية أن تتخذ الدولة سياسات حازمة للحفاظ على استقرار سعر العملة وإيقاف صادرات الخام السوداني زراعية كانت أو صناعية والعمل على تطويرها وزيادة القيمة المضافة لصادراتنا وتدخل الدولة كشريك بنسبة كبيرة في مجال المعادن وإنتاج الذهب أو إقامة شركات كبرى (مساهمة عامة) للعمل في مجال الذهب والمعادن وخفض الإنفاق الحكومي غير الضروري.

وتبقى أهمية إنعاش البرنامج الخماسي بهدف إنقاذ الاقتصاد السوداني ووضع الأسس للإنتاج خاصة الزراعة، والصناعات التحويلية أحد الحلول التي ينادي بها أهل الاقتصاد إضافة إلى تخصص المشاريع الاستثمارية بغرض الإنتاج والتصدير خاصة وأن تدهور سعر الصرف مقابل العملات الاجنبية بات هاجسا كبيرا جدا بالنسبة للقطاعات الإنتاجية إضافة إلى المواطن الذي يكتوي بنيران انخفاض قيمة العملة الوطنية أمام الدولار، والذي بلغ سعره الأسبوع الماضىي أكثر من 17 جنيها، وفي المقابل ينادي المستثمر الأجنبي باستمرار بضرورة استقرار في العملة الوطنية للمحافظة على حقوقه لجني الأرباح وتحويلها عبر القنوات الرسمية، ولعل تدهور العملة الوطنية جعلت المواطنين يحتفظون برؤوس أموالهم بتحويلها إلى دولار لارتفاع سعره وخلوه من الجمارك والضرائب وتحويله إلى سلعة، الأمر الذي جعل منه آلة تعمل على هدم الاقتصاد الوطني.

إن ضعف الإنتاج وتضاؤل حجم الصادرات فضلاً عن الحرب في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انخفاض سعر الجنيه في ظل وجود ميزانية مقدرة تذهب إلى الجيش وجهات أخرى مما يعظم من اتجاه وضع سياسات داعمة للاقتصاد والإنتاج ويتفق خبراء اقتصاديون على أن العلاج الحقيقي لسعر الصرف يمكن في وضع خطة استراتيجية لزيادة الإنتاج وتصدير المنتجات الزراعية بقيمة مضافة وليس خاما وترويجها وإزالة جميع معوقات الصادر. وأضافوا أن الحديث خلاف ذلك يكون حديثا نفسيا فقط، في وقت توقعوا معاودة أسعار العملات الأجنبية للصعود في حال لم تزل الأسباب الأساسية خاصة بعد انتهاء المعالجات الوقتية.

الخرطوم: مروة كمال
صحيفة الصيحة