تحقيقات وتقارير

مَوقف الشهداء.. صرخة مُتضرِّرين!!


أرقام تنهار ومحال تغلق أبوابها رعباً من المصير المجهول وخسائر كبيرة تعرّض لها كل من له محل تجاري بالموقف القديم في الشهداء.. في هذا الجزء الثاني من تحقيقي هذا سأكشف لكم عن المُثير الخطير ومعلومات وأرقام يُندى لها الجبين لا يُمكن تصورها بأيِّ حال من الأحوال.. فإلى داخل الموقف حتى تعيشوا مأساة هؤلاء البسطاء المغلوبين على أمرهم:-

مصائب قوم عند قوم فوائد
في الجهة الغربية من الموقف بينه والمدرسة الأهلية تصطف عدد من الركشات، جلست لمجموعة منهم وعن رأيهم (والله نحن معانا مية المية ونحن مع قرار المعتمد)، قلت لهم كم قيمة الأجرة من وإلى الشهدء قالو 5 جنيهات للراكب (لكن) نحن نتمشى مع الناس حتى 3 جنيهات للراكب، ومع ذلك هناك مُضايقات من ناس المرور ويتم منعنا من أهم الشوارع مثل شوارع (جنوب المدرسة الأهلية، الشهيدة سلمى والدكاترة).

الما اتهبش شنو؟!
أجمع عدد من المواطنين منهم العم مُحمّد أحمد أن الضرر بالغ وأكثره على المدرسة لجهة أن هذا الموقف سبب ازعاجاً وضوضاءً أثّر على العملية التعليمية وتلوث المنطقة بأجمعها كما أنه يمثل مهدداً أمنياً للتلاميذ والأساتذة من قبل المتسولين، وزاد محدثي إن هناك عدد من نسوة الحي خرجن في مظاهرات منددات بالقرار، وأعيان الحي جلسوا للمعتمد للتفاكر حول هذا القرار المُفاجئ، ولكن باءت كل محاولتهم بالفشل من تعنت وتسلط المعتمد وعدم سماعه لأيِّ رأي آخر قائلاً:(هي يا أستاذ بقت على الموقف الما اتهبش شنو عليك الله السوق والأسعار والزيادات الأخيرة، لو على الموقف نحن قبلانين)!! وفي رأي مخالف قال أشرف عوض الكريم: أنا أرى أن القرار موفق لأنه خفف الازدحام، واعتقد تقديم المصلحة العامة أهم من آراء المعارضين لهذا الرأي، الموقف السابق كان عشوائياً وغير مؤهل. نعم هناك مَشّقَة، لكن نأمل أن يكون الوفاء بالعهد هو المأمول.

“التيَّار” داخل المنازل
ولاكتمال الصورة بكل جوانبها، تَوجّهت داخل منازل الملازمين طارقاً الأبواب، تجاوب عدد كبير منهم مع الاستطلاع، أحد المواطنين من داخل منزله قال لي: “نحن متضررون من غبار السيارات والازعاج وسلامة أبنائنا من خطر الدهس والحوادث”، والبعض وجدها سانحة طيبة لإيصال رسائل قد تكون لا علاقة لها باستطلاعنا، وقال أحد المواطنين: “ما يستفزنا أكثر تصريحات المسؤولين آخره تصريح الحاج آدم يوسف بقوله لنا العندو قروش يتعلم والما عندو يمشي الزكاة وهو منفعلُ.. أقول له أنت زمان اتعلمت من ناس الزكاة، ولولا هؤلاء الرجال الأوفياء الأفذاذ في ذلك العهد لما وصلت لما أنت فيه، كنت احترمك سابقاً لكن الآن بعد هذا التصريح لقد سحبت رصيدي”.

من داخل موقف الشهداء القديم
توجّهت راجلاً إلى الموقف القديم مُترصِّداً حركة المواطنين من وإلى السوق.. منهم العجزة والنساء والأطفال والمواتر وحركة السيارات بمختلف أنواعها، ازعاج وضوضاء وتلوث وأتربة تتلبّد بها سماء المنطقة.. وفي قلب الموقف يتوسّط قبر أصبح هو المعلم البارز الآن بفعل عمليات الإزالة التي تمت، تقف سيارة في وسط الموقف بجوارها موظفون ومشرفو المشروع.. سألتهم عن وقفتهم وعن طبيعة العمل وعن الوعد الذي قطعها المعتمد.. في هذه المرة تعنت وتمنع كبير واجهته من قبلهم رغم المقابلة الراقية التي وجدتها منهم إلا أنهم رفضوا الإدلاء بأية معلومات حول المشروع واسم الشركة وتاريخ وبداية العمل مما يُنبئ أن هناك غموضاً يكتنف الحكاية بأكملها، قائلين: (عليك الله لو عاوز أي معلومات أمشي المحلية بيوروك أي حاجة أنت عاوزها).. ألواح الزنك تحيط بالمكان من الجهة الشرقية فقط لافتات الإعلانات العملاقة المضيئة مازالت تحتل مكانها ولم تتم إزالتها مما يشير بتعطيلها للعمل وعدم اتخاذ قرار بشأنها.

ممارسات فاضحة عند منتصف الليل
إن كانت لي رسالة أرجو أن تعكس وجهة نظري هذه، هكذا بدأ حديثه معي أحد موظفي المشروع قائلاً: “في الساعات المتأخرة عندما آتي إلى هنا لحمل بعض الأغراض أرى مُمارسات فاضحة تستحي النفس من مشاهدتها من قبل الشماسة وللأسف بجوار هذا القبر، مؤشراً نحوه والذي يتوسط الموقف”!!.

ركودٌ في سوق الموبايلات
خالد وعركي كانا محطتي الأولى داخل سوق الشهداء وهما من الشباب المستنيرين من أصحاب فترينات الموبايلات في أكبر مولات الشهداء، وقفت من الزاوية الغربية متفحصاً وجوه أغلب الباعة في سوق الموبايلات ما دفعني للتوجه نحوهما.. كانا مشغولين بهاتفيهما.. اقتربت أكثر.. خالد يلعب قيم ألعاب وعركي يتصفح “فيسبوك”.. قالا لي وبصوت واحد: في السابق في وجود الموقف كانت مُبيعاتنا في اليوم ما بين 6 إلى 7 مُوبايلات، الأسبوع الفائت بعت 3 موبايلات فقط، وهناك مؤشر آخر.. نظافة المول هذا في السابق ينظف ثلاثة أو أربع مرات في اليوم.. الآن صباح ومساء فقط، نظرت أسفل قدمي والوقت عقب صلاة المغرب والحركة داخل المول هادئة إلا من بعض المارة.

طلبة الأهلية
محمد عوض وأحمد جمعة وعبد الرحمن علي، يدرسون بجامعة أمدرمان الأهلية يسكنون الثورة يجلسون لاحتساء الشاي بالموقف.. اقتربت منهم مستأذناً الجلوس بالقرب منهم.. قالوا نحن شباب لا فرق عندنا في المشوار من الموقف إلى هنا.. في السابق نطبع بحوثنا هنا ونستقل مواصلات الثورة في نفس المكان.. اليوم الواحد منا يذهب الموقف ويأتي مرة أخرى للمكتبات ومن ثم الرجوع للموقف القديم وهي مشقة وتضييع زمن المحاضرات والرجوع للمنزل.
أصحاب الكافتيريات أكثر المُتضررين!
لمعرفة الحقيقة توجهت لكافتيريا كنت أراها سابقاً من أكثرها حراكاً وأثناء حديثي مع صاحب الماركة أتي إلى صاحب الكافتيريا الذي استقبلني بحفاوة لا توصف قائلاً: (وين أنتو يا ناس الإعلام) لن أتحدّث معك حديثاً فقط.. ذهب وأتى بالدفتر وبدأ المقارنة بقراءة الأرقام بين السابق واليوم.. قائلاً: سابقاً كانت محصلتي بين 4 إلى 4500 جنيه في اليوم الواحد.. اليوم 1324 جنيهاً، غير ذلك قمت بتخفيض جميع احتياجاتي وبالتالي منصرفاتي.. أعول أربع أسر ومتزوج من اثنين وأدفع جميع رسومي الحكومية ومنصرفات وأجور العاملين.. لا أريد الإسهاب لكني أعمل بالخسارة ومهدد بإغلاق المكان للإفلاس وهي خراب بيوت لا أكثر.

الصيدليات والتناقض
صاحب صيدلية وجدته يُرتِّب في أدويته مستغلاً كرسياً.. حدثني قائلاً: نحن متضررون دون النصف وكما ترى أملأ وقتي بترتيب الأدوية لعدم وجود الحركة بالصيدلية.. صراحةً لم أقتنع بحديثه ولم يكن مقنعاً بالنسبة لي وستعرفون عدم اقتناعي.. قطعت الشارع من الناحية الغربية إلى الشرقية لصيدلية أخرى وكان الرأي مخالفاً.. حيث بدأ مرتباً ومنطقياً في حديثه قائلاً: نحن لم نتأثر كثيراً نحن سوقنا مرتبط بالمستشفيات وهي بجوارنا.. قاطعته زميلته قائلةً إلا من أصحاب غسيل الكلى من المارة، وآخر قال: والناس البتقيس الضغط، قلت: وبكم تقيسونه؟ قالوا: مجاناً لوجه الله تعالى.

قصة الخضار والجزار
صاحب جزارة وملحمة بدأ حديثه بلغة الأرقام –كذلك- قائلاً: تراجعت أرباحي في اللحوم من الـ 1000 إلى الـ 600جنيه، وكنت اتبضع في الخضار من 1500 جنيه، في اليوم ونقصت إلى 1000 .

الفواكهه نكوس من رأس مالنا
في طريق عودتي مرة أخرى للموقف وقفت عند محطة الفواكه رجل مسن يجلس على الأرض يفترش فاكهته ما لفت نظري مطالعته لإحدى الصحف بالرغم من خفوت الإضاءة تجاذبت معه أطراف الحديث قائلاً: الواحد مننا كان يمرق بي 100 لي120 في اليوم الآن (بي رأسمالا نكوسا مانلقاها)، قلت له: طيب قلل بضاعتك؟ قال: الزبون يطفش مايجي، قلت له: إذاً أنت خسران؟ قائلاً: نقول الحمد لله على كل شيء وأخرج من الكرتونة التي بجواره عدداً ليس بالقليل من أصناف الفواكه قائلاً:( دي باظت خلاص).

الشرطة في قلب الأحداث
في طريق عودتي من موقف الشهداء إلى الميدان توقفت عند دورية الشرطة بها حكمدار وعدد من العساكر استطلعتهم حول الوضع الأمني قبل وبعد، أكدوا سيطرتهم للأوضاع وأنهم في السابق كانت معدل بلاغاتهم بين الـ 10 إلى الـ12 بلاغاً يومياً، اليوم وفي تلك اللحظة التي أقف فيها بجواره قال لي عدد البلاغات 3 فقط، مما يعطي مؤشراً لانخفاض معدل الجريمة، ولمطابقة الأقوال توجهت نحو بسط الأمن الشامل بموقف الشهداء، وجدت أحد العساكر الذي نصح بأخذ المعلومة من إدارة شرطة المحلية.

نقابة الحافلات
عم عثمان موسى 32 عاماً، في هذا المجال قال: نحن نقابة نعمل على تنظيم الموقف وإرشاد السائقين باتباع المسارات المحددة وأكثر مانعانيه هو توجيه الآلاف من الناس بصورة متكررة نحو خطوطهم، لأن الجميع مشتتون ولا توجد لافتات إرشادية توضح مكان الحافلات ولا خدمات، ولك أن تلاحظ عدد الخطوط التي تفوق الـ18 خطاً بمختلف مسمياتها وخروجها مجتمعة، تلاحظ قلة الحافلات وسيطرة الكريز على الموقف، وعندما سألته من ذلك قال لي: (حافلات الشهداء والقماير بالنهار بس، الباقي كريز).

فلاش باك شرطي المرور
في مطلع التحقيق هذا وحسب الصور كانت توضع حواجز عاكسة وبوجود شرطي المرور في الشارع الرئيس بين صينية الأزهري وكبري شمبات أي في الجهة الشرقية للموقف لمنع مرور الحافلات والكريزات والتكتوك عبر هذا المنفذ الذي أغلق بحجة تسببه في الازدحام ومنع الحوادث المتوقعة من فتحه، بعد عودتي من جولتي حول هذا الموضع وترصدي للحالة العامة للموقف وبالرغم من اختفاء عدد كبير وانعدام للحافلات والكريزات من داخل الموقف، إلا أنه لفت نظري غياب الشرطي واختفاء الحواجز التي كانت موضوعة قبل 6 ساعات من رجوعي، وللتوثيق أخرجت كاميرتي وقمت بالتقاط صور للشارع واللافتة التي مكتوب عليها ممنوع الوقوف وكان ذلك في الساعة الـ 7:55مساءً . والسيارات تمر مرور الكرام عبر المدخل محور نقاشنا هذا.
الكثيرون قد يتساءلوا عن عدم وجود تصريح لمعتمد أم درمان مجدي عبدالعزيز حول هذه الذوبعة التي أسماها في وسائل الإعلام، وفي تحقيقي هذا تعمدت عدم أخذ رأيه باعتباره معروف لدينا وللجميع ولا يضيف كثيراً لنا لأنها كلها تصريحات معلومة لدينا أن العمل سيكتمل في خلال شهرين لا أكثر، وهذا لعمري رأي لا يقنع شخص كل ما أردنا توصيله من هذا التحقيق هو معرفة حجم الضرر الذي أصاب أصحاب المحلات التجارية والمواطنين الذين يتفاجأون يومياً بارتفاع أسعار المواصلات والأسواق والمهددات التي تواجههم في ظل غياب أبسط الخدمات وأبسطها اللوحات الإرشاية بالموقف ورأي أهل الحي، كما تريست حتى أرى تجاوب أو قبول المواطنين مع الفكرة، لكن مع ذلك لم أر أي تجاوب أو تفاعل يذكر.

تحقيق: سعيد يوسف
صحيفة التيار