مزمل ابو القاسم

قرار سليم في توقيت خاطئ


* عاصفة من الانتقادات، أثارها قرار مؤثر، اتخذته الهيئة القومية للطرق والجسور، بموجب قانون الحمولات المحورية، وقضى بقصر حمولة الشاحنة الثقيلة على (56) طناً، وتقليص طولها إلى (22) متراً، بمنعها من جر أكثر من (ترلة) خلفها.
* تنوعت الشكاوى وتعددت من اتحاد غرف النقل وملاك الشاحنات وأصحاب الأعمال والمصانع التي تستورد المواد الخام، وصدرت من المصدرين كذلك، مع أن مسوغات القرار كانت وجيهة، ومبرراته منطقية.

* يستهدف القرار المحافظة على بنية الطرق القومية من التهدم بسبب الحمولات الزائدة للشاحنات، وتقليص كلفة صيانتها التي تبلغ أكثر من (500) مليون جنيه سنوياً، وتصل كلفتها الكلية إلى ثمانية مليارات دولار.
* غني عن القول إن طرق المرور السريع – بحالتها الراهنة – تحسب من ضمن الثروات الوطنية التي تستحق المحافظة عليها، وحمايتها من التآكل بفعل الحمولات الزائدة، علماً أن بنيتها الأساسية ضعيفة، ومواصفاتها متواضعة، وصيانتها متعثرة، وأطوالها محدودة، إذ يقتصر قوام كل الطرق المرصوفة في السودان على ستة عشر ألف كيلومتر فقط، لا تغطي سوى النزر اليسير من مساحة دولة مترامية الأطراف.

* فوق ذلك تعتبر تلك الطرق من أبرز ممسكات الوحدة الوطنية، لأنها تسهل انتقال المواطنين، وتسرِّع تمازجهم، وتساعد الدولة على تقديم الخدمات لهم، بخلاف أنها تسهم في انسياب حركة البضائع، وتربط مواقع الإنتاج بمنافذ التسويق والتصدير، لذلك نتطلع إلى حدوث طفرة تضاعف قوام تلك الطرق، وتوسع مساراتها، كي تقلص عدد الحوادث، وتسهم في زيادة الإنتاج، وتقلص كلفة الترحيل، وتختصر الزمن المستهلك في النقل، لتمنح منتجات التصدير ميزات تنافسية أعلى في الأسواق العالمية.

* هناك فوائد غير منظورة للقرار المذكور، لأنه سيؤدي إلى فك اختناق طرق تحمل صفة (المرور السريع)، وتعاني الأمرين من عسر الحركة، وكثرة الحوادث، الناتجة عن محاولة سائقي البصات والحافلات السفرية والسيارات الصغيرة تجاوز شاحنات بالغة الطول، تسير عادةً في (كنفوي) مزعج، يصعِّب تخطيها، ويتسبب في حوادث عنيفة، تودي بحياة مئات المواطنين، وتتسبب في إعاقة الآلاف منهم كل عام.

* تلك الميزات لم ينتبه إليها أحد، لأن تطبيق القرار تزامن مع زيادات مؤثرة طرأت على أسعار الجازولين، وأدت إلى حدوث طفرة كبيرة في أسعار النقل.
* تلك الزيادة ستؤثر سلباً على أسعار كل السلع، وسيضاعف عبء القرارات الأخيرة على المواطنين، لأن كلفة النقل تدخل في حساب أسعار كل السلع، بخلاف أنه يهدد قطاعاً مهماً، يعاني من مشاكل كبيرة، وأزمات متتالية، أدت إلى تقليص عدد الشاحنات الصالحة للعمل من (16) ألفاً إلى النصف، كما أن (نصف النصف) الموجود على الطرقات غير مستوفٍ للشروط والمواصفات المطلوبة في القرار الجديد.

* الاقتران المكلف بين تقليص الحمولة وزيادة أسعار الوقود تنطبق عليه مقولة (خبطتين في الراس توجع)، لذلك تمنينا أن تتأنى الهيئة في تطبيق قرارها، ليسري بعد دراسة آثاره السالبة على قطاع النقل، وما سيفعله بأسواق تعاني أصلاً من غلاء فاحش.
* قرار سليم، سرى في توقيت خاطئ، وسيدفع المواطن ثمنه بالكامل.

مزمل ابوالقاسم – للعطر افتضاح
صحيفة اليوم التالي