الطيب مصطفى

القرارات الاقتصادية ومشرط التجاني الطيب


أعجبني مقال الاقتصادي النحرير د.التجاني الطيب الذي عمل خبيراً لدى كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فضلاً عن خبرته المحلية كوزير دولية للمالية والتخطيط الاقتصادي في عهد الرئيس نميري الأمر الذي يجعل لرأيه وزناً كبيراً سيما وأنه يعلم تداعيات القرارات الاقتصادية الأخيرة لأنه رأى فشلها رأي العين في وقت سابق الأمر الذي دفعه للتحذير منها.

ساكتفي بآراء الرجل حول بعض المعالجات التي حذّر من أن عدم مراجعتها لن يُفضي إلا إلى فشلها الذريع، ووالله إن تجاهل آراء خبراء وعلماء في وزن ومكانة المخضرم صلاح أبوالنجا ود.التجاني الطيب ود.صابر محمد حسن الذين لم يقدموا نصحهم إلا بدوافع وطنية خالصة خدمة لبلادهم وشعبهم لا يمكن أن يُفسر بغير (الكجار) والتطاول والعجرفة واللامسؤولية وعلى الأقل ينبغي الجلوس معهم لمناقشة حججهم وملاحظاتهم ولو بفقه : (ليطمئن قلبي) ولن يقنع وزير المالية أو محافظ بنك السودان أحداً في السودان أو في العالم أنهما أكثر خبرة وعلماً من أولئك الخبراء الدوليين ممن شغلوا مناصب أخطر من منصبيهما بعد أن تحلوا بخبرة تراكمية أطول وعلم أغزر كما أنهما لن يقنعا أحداً في هذا الكون العريض أنهما لا يحتاجان لسماع ومناقشة أولئك الرجال.

أكثر ما لفت نظري وأخافني في شهادة التجاني وأبو النجا أنهما حذرا من فشل سياسة محاربة السعر الموازي التي قدمت في حزمة تحرير الجنيه السوداني، فقد قال التجاني الطيب إن ما أقدمت عليه السياسة الجديدة من سعر تحفيزي يصعد ويهبط مع حركة العرض والطلب في سوق النقد الأجنبي جرب في العهد المايوي وفي عهد الإنقاذ ولم ينجح خاصة بالنسبة للمغتربين لأنه يتحرك في ظل سعر السوق الموازي ولا يتساوى معه مما يُقلل من جدواه من البداية، وقال التجاني إن هذا الأسلوب المعقد للتعامل مع السوق الموازي الذي يتعامل بآليات مبسطة ومتطورة لن يقنع المغترب الذي يعاني من أزمة ثقة متطاولة لن يفلح معها إلا تطبيق سعر السوق الموازي من أول مرة والتحرك معه بدون عمليات إجرائية لن تفلح في نقل المغترب من (جنا يعرفه) بعد أن خبره طوال سنوات إلى أسلوب وآليات جديدة لا تحظى بالثقة مع عدم وجود حوافز إضافية تدفعه لترك القديم المجرب إلى الجديد المجهول ولعل التجربة خلال الأيام القليلة الماضية كشفت الحقيقة فقد تصاعد الدولار من أول يوم متجاوزاً السعر المحدد من بنك السودان واستمر في التصاعد وأرجو ألا تقعد العزة بالإثم أصحاب القرار عن مراجعة السياسة الجديدة فقد والله لفتنا نظر وزير الكهرباء إلى خطأ فادح أرتكب في أول يوم لتطبيق السعر الجديد للكهرباء فما توانى في مراجعة الخطأ وأصدار قراراً تصحيحياً عُمّم على الجميع.

أود أن أضيف إلى كلام التجاني الطيب فكرة تقديم حافز تشجيعي لا يستطيع تجار السوق الموازي منافسة الحكومة فيه وذلك أمر جُرّب في عهود سابقة أيام اغترابنا كما جُرّب في دول أخرى جنت منه الكثير أذكر منها ماليزيا فيما يتعلق بتحفيز المستثمرين وإثيوبيا التي جنت من تحويلات مغتربيها خمسة مليارات دولار في العام الماضي وذلك من خلال منحهم قطعة أرض مجانية عند تحويل مبلغ معين عن طريق البنك .

في ظني لا توجد مقارنة البتة بين عدد مغتربي السودان الذين تجاوزوا الملايين في مهن ذات دخول عالية خاصة في السعودية والخليج وعدد مغتربي إثيوبيا ولا أشك لحظة في أن المغتربين السودانيين بإمكانهم الإسهام بضعف ما أدخل الإثيوبيون إلى بلادهم لو وجدوا التشجيع اللازم حتى من خلال منح الواحد منهم عشرة أفدنة زراعية بدلاً من آلاف الأفدنة التي تمنح للأجانب بأسعار تافهة في مختلف ولايات السودان.

مما أثار استغراب التجاني الطيب (القائمة السالبة) التي تقرر وقف استيرادها فقد سخر الرجل من اختيار سلع هامشية قال إن قيمتها لن تتعدى مئات الآلاف من الدولارات الأمر الذي (يكشف العبث والاستخفاف في التعامل مع اقتصاد يقف على حافة الهاوية) وقد تساءل التجاني لماذا لا يمنع استيراد العربات لكافة أجهزة الدولة لمدة عامين فقط لإثبات الجدية في العمل على معالجة المشكلة الاقتصادية؟.

حق للناس أن يضحكوا مع التجاني الطيب الذي سخر من وقف استيراد ما يسمي بالقائمة السالبة التي تشمل الزهور والمياه المعدنية وأشجار الزينة والأسماك بينما يسكت عن استيراد السلع التي يكلف استيراد القطعة الواحدة منها عشرات أو مئات الآلاف من الدولارات.. علمت أن وزير الدولة للمالية استدرك فقال إن استيراد العربات لا يتم إلا بموافقة وزارة المالية وليته لو قال إنهم حظروها تماماً لمدة عام أو عامين سيما وأننا نعلم أساليب التدخل في التصديقات التي تصدر من وزارة المالية.

لفت التجاني النظر إلى بعض الأخطاء التي صاحبت القرارات الاقتصادية الأخيرة من حيث التوقيت مع بداية الموسم الزراعي الشتوي مما يؤثر في الإنتاج وبالتالي في تفاقم العجز التجاري .

على كل حال فإن النقد الذي وجّهه د.التجاني الطيب جدير بأن ينظر إليه ويستفاد منه في مراجعة بعض القرارات الاقتصادية المتخذة مؤخراً .

صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. يا باشمهندس وفر على نفسك النصائح، فالذين تنصحهم يعرفون الصاح ويعلمون تمام العلم أن ما يقومون به خطأ، لكنهم يصرون عليه لأنه يجلب لهم منافع شخصية، أم المصلحة العامة التي تتحدث عنها فقد ولى زمانها منذ أن تولى هؤلاء القوم زمام الأمور، ولا سبيل للعودة إليها أو مجرد التفكير فيها طيلة ما نحن نحكم بأمثال هؤلاء، اللهم ألطف بعبادك من جور هوءلاء ومن ظلم الأعداء، وولي أمورنا خيارنا ولا تولي أمورنا شرارنا، وأرفع اللهم مقتك وغضبك عنا، وعاملنا بإحسانك وعفوك وغفرانك ولا تعاملنا بعدل يالله.