تحقيقات وتقارير

المواطنون يشتكون من أن أزمة المواصلات اتخذت بعداً جديداً


ظلت ولاية الخرطوم تعاني من أزمة مواصلات حادة لسنوات عدة، ومع بداية كل سنة مالية جديدة، أصبح المواطن يترقب زيادات على التعرفة، كواحد من المعالجات التي يفترض مساهمتها في توفير وسائل المواصلات، وفك أزمتها، التي تتجسد في قلتها، خصوصاً في أوقات الذروة. وأعلنت الحكومة، وفق حزمة الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، رفع يدها عن دعم الوقود (المحروقات)، وهو أمر نظر إليه البعض باعتباره عاملاً يضاعف من معاناة المواطنين، في المواصلات، رغم تبرير المسؤولين بأن الدعم لم يرفع كلياً، وأن الحكومة لازالت تدعم الوقود، وأن ما حدث يمثل إعادة هيكلته ما أدى إلى زيادة في أسعار العديد من السلع والخدمات، وأزمة المواصلات واحدة من أكثر الإشكاليات التي ظلت تعاني منها العاصمة وسكانها. وقد وضعت الحكومة تعرفة لتيسير أمرها، والمطالبات المتزايدة لأصحاب الحافلات ووسائل النقل الأخرى بضرورة زيادة التعرفة لمقابلة كلفة التشغيل، إلا أن هذه المعالجة قد أثارت مخاوف المواطنين، مثلما أثارت تساؤلاتهم عن مدى قدرتها على حل معضلة المواصلات بشكل كلي ونهائي؟
غير أن معاناة المواطنين لا تقف عند تلك الزيادات المباشرة، حسب، وإنما أيضاً من تلك الناتجة من محاولة سائقي المواصلات زيادة إيراداتهم عبر تجزئة الخطوط للخروج، وبالتالي مضاعفة التعرفة. (المجهر) وقفت على آراء بعض المواطنين ومن ثم وضعت آراءهم إلى جانب تساؤلاتهم بين يدي السلطات المعنية.
في البداية تحدث المواطن “مهدي على مهدي”، الذي يقطن الكدرو عن مضاعفة الزيادات والمعاناة التي تضيفها للمواطن صاحب الدخل المحدود. وقال: إن السبب في ذلك يعود لاتجاه أصحاب المركبات لتجزئة الخط الواحد لثلاثة خطوط، (العربي ـــ النفق، النفق ــ الحلفايا، الحلفايا ــ الكدرو)، بواقع (2،3،2) جنيهات، على التوالي، أي بتكلفة (7)جنيات بدلاً من (5)جنيهات، للخط وفقاً للتعرفة الجديدة التي اعتمدتها الحكومة، في الأسبوع المنصرم، في ضوء الإجراءات الاقتصادية، مشيراً إلى أن هذا يعني انتظار مزيد من الزيادات، ما يضاعف معاناة المواطن (الضحية). وقال: إن سياسة الزيادات المتبعة التي تطال المحروقات والسلع الأساسية في كل عام بحجة رفع الدعم تضاعف معاناة الفقراء والمساكين وهم غير قادرين على تحمل تلك الأعباء. واستبعد أن يكون هنالك دعم أصلاً، لافتاً إلى أن أسعار النفط في انخفاض على المستوى العالمي، منذ العام 2013م، وقال: رغم ذلك ظللنا نواجه زيادات سنوية ونترقبها. وحمَّل الحكومة مسؤولية التحايل والتلاعب بالتعرفة التي يحدث في المواصلات. وطالب بنشر أفراد شرطة داخل المواقف للتحكم في الفوضى، وتفادي التجاوزات. وأضاف: لابد أن تتوفر الحكومة على آلية رقابة تفضي إلزام أصحاب المركبات بالدخول إلى المواقف في كل الفترات خاصة المسائية،والالتزام بالخطوط المرخص بها. قائلاً: لا جدوى من زيادة تعرفة المواصلات دون وجود المركبات داخل المواقف، لأن ذلك يعني استمرار أزمة المواصلات.
مواطن آخر يسكن أمبدة الحارة العاشرة، رفض ذكر اسمه أشار إلى أن سائقي الحافلات يتخذون أوقات الذروة مصدر دخل إضافي لهم . وقال إنهم لا يلتزمون بالتعرفة الجديدة ما يبرهن زيادة الفوضى بمضاعفة التعرفة، وطالب الحكومة بإدراك مسؤولياتها، ووضع ضوابط وقوانين تردع المخالفين .
من جانبه أكد المواطن “الطيب الخير” أن زيادة التعرفة كارثة على المواطنين وفوق قدرة المواطن على تحملها، وأكد أنها لم تعالج أزمة المواصلات بصورة نهائية. وطالب الحكومة باستصحاب ظروف المواطنين المعيشية في السياسات ذات الصلة بحياتهم.
مواطن آخر أبان أنه يضطر للركوب مرتين للوصول إلى بحري، من سوق ليبيا، بعشرة جنيهات. ودعا لمراعاة الظروف الصعبة التي يعيشها المواطنون بسبب حالة التدهور الاقتصادي العام، الذي تعاني منه البلاد.
غير أن رئيس الاتحاد العام للطلاب السودانيين ولاية الخرطوم “مصعب محمد عثمان” قلل من آثار الزيادة في تعرفة المواصلات على الوسط الطلابي. وقال: إن الاتحاد عمل على تخفيف الآثار على الطلاب، بانتهاج سياسات محددة تتماشى مع الوضع العام. وأضاف: اتفقنا مع السلطات المعنية على تأمين حق الطلاب في الوصول إلى مدارسهم وجامعاتهم دون قيود، مشيراً إلى عدم تخصيص مقاعد أو ساعات خاصة بالطلاب، وإتاحة الحق لجميع الطلاب في ذلك. وقال: إن للطلاب الحق في فتح بلاغات ضد أي سائق يرفض ترحيلهم بنصف التعرفة.
في ذات السياق نفى رئيس اتحاد طلاب محلية شرق النيل “طارق مهدي موسى” وجود انفلات في التعرفة. وقال: إن شرق النيل حددت بصات خاصة للطلاب، تقوم بترحيلهم بقدر المستطاع، إلى جانب استخراج بطاقات الترحيل مجانية لهم.
من جانبه يرى الأمين العام لنقابة مواصلات ولاية الخرطوم “عبد الرحمن القاضي” أن زيادة التعرفة جزء من حل أزمة المواصلات، واستبعد وجود تجزئة في الخطوط عقب الزيادة الأخيرة. وقال: إن اختفاء المركبات من المواقف العامة في الفترة المسائية، أي بعد السابعة مساءً، يحدث بسبب الاستعداد لاستقبال اليوم التالي في وقت مبكر . وأشار إلى أن النقابة تسعى لسد تلك الفجوة بإدخال بصات أخرى عبر سبع وحدات نقابية بولاية الخرطوم.
الأمين العام لنقابة محلية أمبدة “صديق الحاج” نفى أن تكون الزيادة الجديدة قد وصلت إلى نسبة (100%)، وأوضح أن الزيادة تمت بناءً على مسح ميداني أثبت زيادة تكاليف تشغيل المركبات. وقال: إن ثلاث أرباع المركبات العاملة تعاني من ارتفاع تكاليف التشغيل. وقال: إن الزيادة توازي الحد الأدنى لتشغيل المركبات، بالإضافة إلى الوقود، موضحاً أن عدد سكان العاصمة غير محدد وفق إحصائية معتمدة، وأن هناك زيادة يومية وتسبب ضغطاً على المركبات، إضافة إلى ذهاب وإياب كل المواطنين في وقت واحد، مشيراً إلى وضع معالجات لتكيُّف السائقين مع ثقافة “جر الشارع” والعمل بنظام فاضي مليان، للحد من الأزمة.

المجهر السياسي