الفاتح جبرا

عجور بس


العبد لله قلما يشاهد قنواتنا السودانية وذلك لأسباب لا تخفى على الجميع فمعظم ما تبثه هذه القنوات إعلام فقير وفطير ولكن على الرغم من ذلك فالعبدلله قد رماه حظه العاثر قبل يومين في برنامج على إحدي هذه القنوات ، البرنامج من تقديم شاب يافع في مقتبل العمر ، منذ أن أعلن ولدنا مقدم البرنامج عن موضوع البرنامج حتى تأكدت أنه وضيوفه الكرام لا ينتمون إلى كوكب (المواطن) المطحون فالموضوع يا سادتي كان عن (عزوف الشباب عن الزواج) يعني بالعربي كده (ليه شبابنا ما عاوزين يعرسوا ؟) مما يعني ضمنياً (أن الموضوع في أيدهم وما عاوزنو) ! ، بالطبع أي مواطن بالغ عاقل رشيد يعيش بيننا على كوكب (المواطنين) يمكنه الإجابة على هذا السؤال موضوع البرنامج دونما تردد :

– يعرسوا بي شنو؟ وكان عرسوا يسكنوها وين ويعيشوها كيف ؟
قبل مواصلة البرنامج تأكدت من تناولي لحبوب القلب والضغط والسكري كإجراء إحترازي .. ضيفا البرنامج كانا (عالم دين) وعالم طبيب متخصص في وظائف الأعضاء وكمان (الإجتماع) .. العبدلله ظن وليس كل الظن إثم أن وجود عالمين متخصصين في الدين والطب والإجتماع كفيل بالتحدث عن الأسباب التي أدت إلى إستحالة التزاوج الشرعي بين الشباب وهي أسباب متشابكة ومترابطة تتحمل الدولة معظمها ولا أمل في القضاء عليها في ظل ما يحدث من إنهيار إقتصادي رغم الآثار السلبية على الفرد والأسرة والمجتمع ككل الذي ولدته وتولده هذه الظاهرة .

طفق الضيفان يتحدثان عن أيام السلف الصالح وكان الأجدر بهما الحديث عن (الخلف الطالح) فقد اختلفت المعايير وكيفية الحياة بين الزمنين بل إختلف (الحكم الرشيد) الذي جل همه توفير الحياة الكريمة للرعية وجاء (الحكم العنيد) ذو (الهبر الشديد) الذي لم يعر الشباب أدنى إهتمام حتى أصبح في عهده تأمين السكن وتكاليف الزواج أمراً عسيراً بل مستحيلاً فإنتشرت البطالة ومحسوبية التوظيف وتفاقمت ندرة فرص العمل وضرب الغلاء بأطنابه ليصبح مهدداً كبيراً يستحيل معه إنشاء أسرة متماسكة محصنة ضد الأزمات .

لقد بذل الضيفان جهداً مقدراً في توصيل رسالة للشباب مفادها أن يتزوجوا (بالموجود) كما كان يفعل الصحابة وهما لا يعلمان أن الغالبية العظمى الشباب (ما عندو أبوالنوم) وإنو (حق المواصلات عندو فيهو مشكلة) ناهيك عن (سندوتش الطعمية) يستوي في ذلك العاطل والشغال (ح يكون يعني شغال في شركة بترول)؟

من المؤسف أن كثير من علمائنا الإجلاء بعيدين كل البعد عن هموم ومشكلات الشباب إذ خلت حلقة البرنامج من التعرض إلى أهم عنصر من عناصر المشكلة وهو العنصر (المادي) ومصدره من وظيفة أوعمل يدر على هؤلاء الشباب مالاً يستطيعون به إنشاء اسرة متماسكة، وعشان العبدلله (يخت) علماؤنا الأجلاء ديل في الصورة فلنفترض أن شاباً تزوج كما تزوج (سيدنا جابر) الذي ضرب به أحد (الضيفين) المثل .. دون شيلة أو حفل أو (أي حاجة) وأنه وكما (أيام سيدنا جابر) لم تعرف مدن الإسلام (أزمة السكن) فتزوج هذا الشاب و(ساق مرتو) إلى داره التي لا توجد بها (كهرباء) ولا أدوات كهربائية (ما زمن الصحابه ما فيهو جمرة وكده) .. كما لا يطرق باب داره (بتاع النفايات) ولا بتاع (المويه) ولا بتاع (العتب) ، فعاشر (صاحبنا) زوجته وقضي حاجته ثم بدأ يفكرفي مسألة الدكاترة بعدين ومسألة (حق الكشف) ومتابعة (الحمل) والأدوية ثم (الولادة) ورسومها التي لحسن حظه لم تكن (قيصرية) ثم رسوم (شهادة الميلاد) ثم (خروف السماية) ولوازمه ثم متابعة (صحة الطفل) وشراء (الألبان) واللازم منه ثم دخول الطفل إلى روضة (نور الإيمان) المليونية !
وبينما كان صاحبنا مستغرقاً في التفكير سمع صوت (عروسته) يقول له :

– يا عصام ما (جوعنا) قوم شوف لينا حاجه ناكلا
خرج عصام وهو يسال روحو (هسه الزول يشتري شنو؟ السندوتش الواحد بي خمسطاشر جنيه وطلب الفول بي سبعة جنيه ) .. أيوااا خلاس مافيش غير السلطة .. توجه عصام لبتاع الخدار الذي يضع بضاعته النضيرة في أشكال هندسية بديعة ويرش عليها بالناء .. قرر عصام أن يشتري ربطة جرجير .. نص كيلو طماطم .. ربطة بصل .. ليمونتين .. وعجورة .. وقد أمسك بها ورفعها إلى أعلى

– العجورة دي بي كم ياخينا
– بي خمسة ألف ونص
في طريق عودته إلى (داره) كان عصام يتحدث إلى نفسه بصوت عال .. هي عجورة فطور بي خمسة ونص وأنا عجورة فطور بي خمسة ونص.. دي حداشرة ألف هي عجورة غداء بي خمسة ونص وأنا عجورة غداء بي خمسة ونص بقت إتنين وعشرين ألف هي عجورة عشاء بي خمسة ونص وأنا عجورة عشاء بي خمسة ونص بقت تلاته وتلاتين ألف .. ثم رآه المارة وهو يقذف بالكيس في الهواء ويقول في تشنج :
– عجور بس في الشهر مليون جنيه وتقولوا لينا عرسو !!

كسرة :
المقال ده من الأرشيف قبل رفع الدعم السابق .. ورفع الدعم الأخير ..!
• كسرة ثابتة (قديمة) :أخبار ملف خط هيثرو العند النائب العام شنو؟ 85 واو – (يعني ليها سبعة سنوات وشهر) ؟
• كسرة ثابتة (جديدة):
أخبار تنفيذ توجيهات السيد الرئيس بخصوص ملف خط هيثرو شنو؟ 44 واو (يعني ليها ثلاث سنوات وثمانية شهور)

ساخر سبيل – الفاتح جبرا
صحيفة الجريدة


تعليق واحد