تحقيقات وتقارير

الصيدليات تحذر.. وجمعية المستهلك تناشد.. امتناع إدارة مستشفى الشعب عن صرف العلاج المجاني للمرضى بقسم الطوارئ


الصيدليات تحذر… وجمعية المستهلك تناشد…
تحرير أسعار الأدوية كارثة تهدد القطاع الصحي

شكاوى من إنعدام الأدوية بأقسام الطوارئ بمستشفى الشعب
حماية المستهلك تطالب النائب الأول للرئيس الإمساك بملف الدواء

شعبة الصيدليات أسعار الأدوية ستتضاعف إلى 300%
امتناع إدارة مستشفى الشعب عن صرف العلاج المجاني للمرضى بقسم الطوارئ

الجمعية السودانية لحماية المستهلك تستنكر تنازل وزارة الصحة من حق المواطن في الدواء المدعوم
معدل التردد اليومي على قسم الطوارئ “القلب والصدر” يترواح بين “200-300″ مريض

خلافات بين المجلس القومي للأدوية والسموم والمستوردين حول التسعير
مرقص يتوقع مضاعفة أسعار الأدوية ويطالب الحكومة بالتراجع عن قرار التحرير

كشفت جولة لـ”الجريدة” لمستشفى الشعب عن معاناة مرضى القلب والصدر من إنعدام بعض الأدوية الضرورية والمنقذة للحياة بأقسام الطوارئ، وحتى بالصيدليات التجارية المجاورة له، مما زاد معاناتهم.
وكشفت بعض المصادر المطلعة عن تراجع حصص الدواء المخصصة لأقسام الطوارئ وامتناع إدارة المستشفى عن صرف العلاج المجاني للمرضى بقسم الطوارئ بالمستشفى، في ذات السياق اعتبرت اللجنة التمهيدية لنقابة الصيادلة قرار تحرير أسعار الأدوية بالكارثي وأنه جريمة في حق المواطن، وانتقد الأمين العام للجمعية السودانية لحماية المستهلك تنازل وزارة الصحة من حق المواطن في الدواء المدعوم، مستنكراً رفض شعبة مستوردي الأدوية تغذية الصيدليات بالأدوية لحين إعادة تسعيرها بالسعر المحرر، وطالب نائب رئيس الجمهورية بضرورة الإمساك بملف الدواء.
ومن جانبه طالب رئيس شعبة الصيدليات بضرورة التراجع عن قرار تحرير أسعار الأدوية، الذي ستترتب عليه العديد من السلبيات من خلال حرمان “60% ” من الشرائح الضعيفة من الحصول على الدواء، مطالباً الجهات المسؤولة النظر لسلعة الدواء نظرة انسانية.

طوارئ مستشفى الشعب:
كشفت جولة لـ”الجريدة” بأقسام الطوارئ ببعض مستشفيات الخرطوم “قسم الطوارئ بمستشفى الشعب الصدر والقلب” عن افتقار قسمي الطوارئ بمستشفى الشعب ، خاصة قسمي القلب والصدر لبعض الأدوية المنقذة للحياة، ولاحظت “الجريدة” من خلال زيارتها إغلاق الصيدلية الداخلية بالمستشفى أبوابها، الأمر الذي يجبر مرافقي المرضى الخروج من المستشفى للبحث عن الأدوية التي شكا العديد من المرضى من إنعدامها، كما شكا العديد من المرضى الذين تحدثوا لـ”الجريدة” من عدم توفر الأدوية بأقسام الطوارئ بالقلب والصدر، منذ أكثر من إسبوع.

وتقول المريضة أماني، التي تعاني من الإصابة بالأزمة، إنها دخلت لقسم الطوارئ للأزمة بمستشفى الشعب لإصابتها بضيق في التنفس، وقرر لها الطبيب عدد ثلاث جرعات “فانتولين استنشاق” لمدة ساعة كل ” “20” دقيقة جرعة، موضحة أنها لم يتم اعطاءها الجرعة كاملة، خاصة في الفترة المسائية، مما يجعلها تعود بصورة متكررة لقسم الطوارئ.
وشكت من تردي وسوء الخدمة المقدمة بطوارئ الصدر لإنعدام تقديم خدمة الدواء حتى الفراشة مقاس “22” التي تخصص لأصحاب الأوردة الضعيفة لاتوجد في كثير من الاحيان مما يفاقم معاناة مصابي الأزمة.

وناشدت وزارة الصحة للنظر للمريض المصاب بالضيق في التنفس نظرة إنسانية.
وقال مصدر مطلع بقسم الطوارئ لمصابي الأزمة والقلب بمستشفى الشعب بالخرطوم :إن هنالك أدوية أساسية كانت متوفرة للمريض الذي يحضر لقسم الطوارئ بمستشفى الشعب مثل “الفراشات” التي تستخدم للمريض بصورة دائمة، وذكر ذات المصدر أن هذه الفراشات تستخدم لحقن الدواء، وقال: إنها تتوفر بمقاسات “24,22,20,18”، ولكن هنالك المقاس “22” أصبح معدوماً، وهو يخصص للمرضى من أصحاب الأوردة الضعيفة، والذين يحتاجون إلى الدواء بالحقن بالساعات، وهو الطريقة الوحيدة لإعطاء المريض العلاج، مما يضطر الكادر المساعد لتركيب فراشة بالرقبة “سنتر لاين” وحتى هذه لاتتوفر في الصيدليات، مما يجعل وضع المريض حرجاً.

واشار المصدر إلى انعدام دواء “السامكسون” مضاد حيوي للمرضى الذين يترددون على الطوارئ بقسم الصدر نتاج الإصابة بالتهابات الرئة، كاشفاً عن إنتهاء صلاحية “40” ألف كرتونة يوجد بها أكثر من ألفين صندوق” سامكسون”، موضحاً أن إدارة المستشفى ترفض صرفها للمرضى، وقال “عندما يحضر مريض لصيدلية الطوارئ يذكرون له أن الدواء غير متوفر” .

الإقامة القصيرة بالطوارئ
وأكد ذات المصدر أن هنالك مرضى يحضرون لقسم الطوارئ ويتم وضعهم بـ”فايل” للإقامة القصيرة، التي تصل مدتها “24” ساعة بمعنى إذا دخل المريض قسم الطوارئ عند الساعة الثامنة مساءاً من المفترض أن يتلقى العلاج حتى الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي من تاريخ دخوله.
وأكد المصدر أن من الأساسيات تقديم الخدمة العلاجية ان يتلقى المريض الجرع الدوائية خلال هذه الفترة الزمنية، ولكن ما يحدث يتم اعطاء المريض جرعة واحدة فقط من العلاج وعندما يذهب لجلب الجرعة الأخيرة يذكرون له أن الدواء غير مقرر له، مما يعمل على إنتقاص جرع الدواء لمرضى الطوارئ.
وكشف المصدر أن معدل التردد اليومي على قسم الطوارئ بمستشفى الشعب “حوداث القلب والصدر” يترواح في المتوسط تقريباً ما بين “200-300” مريض يومياً.

وأشار المصدر إلى ان الضغط العالي طوارئ مستشفى الشعب جاء نتيجة إغلاق حوداث مستشفى الخرطوم.
وأكد المصدر أن الكادر العامل بسيط أمام تدفق المرضى باستمرار ، وأضاف :يبلغ عدد الكادر العامل الذي يقدم الخدمة للمريض “10” كوادر مساعدة في الفترة الصباحية و”7″ ممرض في الفترة المسائية.

“الفانتولين”:
يعتبر علاج الفانتولين إستنشاق من العلاجات التي تعمل على توسيع الشعب الهوائية لمريض الأزمة الذي يصاب بضيق في التنفس وهي من الأدوية التي كانت في السابق تتوفر مجاناً بقسم الطوارئ بمستشفى الشعب الخرطوم وكان يتوفر في “فتايل” ولكن حالياً يتوفر عبر” أمبولات” بسبب توقف الشركات التي تورد هذا العلاج للسودان والذي يحتاج منه مريض الأزمة لـ “3” أمبولات خلال الساعة الأولى من دخوله لقسم الطوارئ، ولكن ما يحدث الآن في صيدلية قسم الطوارئ بمستشفى الشعب أنه يتم إعطاء الكادر المساعد بقسم طوارئ الصدر كيس يحتوي على “20” أنبولة، وفي حال نفادها وقدوم مريض يحتاج لهذا الدواء عندها يذهب الممرض لصيدلية الحوداث فلا توفر له كمية للدخولات الجديدة، بحجة أنه أخذ حصته منذ فترة قصيرة، الأمر الذي يجعل الكثيرين من المرضى لايتلقون جرع الدواء.

معاناة مرضى القلب:
وأكد المصدر أن مرضى قسم الطوارئ للقلب يعانون ذات المعاناة بسبب إنعدام الأدوية المنقذة للحياة مثل علاج “النورادرنلاين” وهو من الأدوية المنقذة للحياة وغير متوفر.
في ذات السياق كشف الأمين العام للجمعية السودانية لحماية المستهلك د.ياسر ميرعني تفاصيل جديدة عن الدواء عقب تحرير أسعاره، وقال “مافيا الأدوية وصلت إلى اقصى درجات الابتزاز للمواطن ،وذلك برفضها توزيع الأدوية الموجودة بالمخازن بالرغم من أن وزيرة الدولة بالصحة وعبر اجتماعها مع المستوردين قررت إعادة تسعير الأدوية الموجودة بالمخازن”.

وقال: إن الأدوية على ظهر البواخر بالبحر تم تمويلها بالدولار المدعوم، وإتهم ميرغني الوزيرة بأنها تنازلت عن أموال المواطن والشعب السوداني بصورة مهينة، وذكر ميرغني أن يكون سعر الأدوية بمبلغ “15” جنيهاً و”80″ قرشاً للدولار، وطالب النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول ركن بكري حسن صالح بالتدخل واستلام ملف الدواء، وقال ميرعني لـ”الجريدة” : إن مافيا الأدوية رفضت البيع بذلك بالسعر القديم، وطالب ميرغني وزارة الصحة الاتحادية بدعم الأدوية المنقذة للحياة التي لا يتجاوز مبلغ استيرادها “100” مليون دولار، وتمسك بضرورة إلغاء قرار رفع الدعم عن الأدوية.

توقعات بالإرتفاع
ومن جانبه أكد رئيس شعبة الصيدليات الخاصة د.نصري مرقس ندرة أدوية الأمراض النفسية والعصبية وأمراض الصدر والأزمة والربو، وأشار إلى توفر صنف واحد من أدوية تلك الأمراض وهو لايغطي احتياجات المرضى في كل السودان، وذكر أن زيادة سعر الدولار أدى إلى ارتفاع سعر الأدوية بصورة جنونية لإنعدام الضوابط ، ووصف الدواء بأنه سلعة حيوية وهنالك أدوية أصبحت أسعارها مرتفعة، وهنالك ندرة في بعضها.

وذكر أن نسبة 10% المخصصة من عائد الصادر للدواء كانت توفر جزء من الأدوية.
وقال: “نحتاج إلى 500 مليون دولار لتغطية كل الأصناف من الأدوية”.
وأشار إلى أن ما كانت توفره الدولة لشراء الدواء يتجاوز 20% من المبلغ المطلوب، وقال: إن قرار رفع الدعم عن الدواء سيضاعف أسعار الأدوية إلى “300%”، وقال: “هذا سيجعل المستوردين يعيدون تسعير الأدوية الموجودة بالمخازن تفادياً للخسارة”، وأشار مرقس إلى أن هناك “ملاوة” بين المجلس القومي للأدوية والسموم والمستوردين لأن المجلس طلب عدم إعادة تسعير الأدوية، وأوضح أن الأدوية التي سترد إلى أرفف الصيدليات في الأيام القادمة ستكون أسعارها مرتفعة، وأشار إلى أن الدراسات أثبتت أن 60% من الذين يحتاجون للدواء من الشرائح الفقيرة وهم الأكثر حاجة للدواء، وعليه فإن القرار الخاص برفع الدعم عن الادوية جانب الصواب.

وانتقد رئيس الشعبة قرار رفع الدعم عن الدواء واعتبر أنه يفتقر للنظرة الإنسانية لسلعة الدواء وانسانيته، فهو السلعه الوحيدة التي يقررها طرف ثالث هو الطبيب، وعندها تنعدم خيارات المريض ويكون مجبراً ومكرهاً لدفع التكلفة، مما يعمل على تأخير حالته وهذه تعتبر كارثة أخرى، وضرب مثلاً بعلاج الأزمة ببخاخ الإستنشاق الواقي “سمبكورت” والذي يبلغ سعره حالياً “300” جنيه، والذي سيصبح بمبلغ “900” جنيه وعلاج الملاريا حبوب من “20” جنيهاً إلى “60” جنيهاً.

وتمنى مرقص أن تراعي الجهات المسؤولة أهمية هذه السلعة لحياة الانسان، وتتحمل نصيبها من الدعم على حساب سلع أخرى غير ضرورية.
وتوقع في حال استمرار رفع الدعم أن تغلق الكثير من الصيدليات أبوابها بسبب الكلفة العالية لفتح الصيدلية والتي تتطلب تهيئة الصيدلية بصورة خاصة وفق شروط إدارة الصيدلة والمجلس القومي للأدوية والسموم من خلال توفير مبردات لحفظ الأدوية وعمالة متخصصة ومدربة بجانب الأطباء الصيادلة وإضاءة وتكيف عالي.

مؤكدا أن ارتفاع سعر الدواء بالصيدليات سيعمل على إفشال مشروع الصيادلة الداعي إلى رفع هامش الربح المتواضع “20%” للأدوية والمطلوب “30-40%” أسوة بالدول المجاورة.
وطالب الدولة بالتراجع عن قرار رفع الدعم عن الأدوية والعودة لدعم الدواء باعتباره سلعة حساسة وغير اختيارية، وناشد رئاسة الجمهورية بالتدخل والنظر للأدوية بما تستحقه من إعتبار.

صيادلة يرفضون
وفي رفض مقابل الصيادلة قرار تحرير أسعار الأدوية، وذكر بيان أصدرته مجموعة منهم أنهم حذروا من سياسات الدولة تجاه القطاع الصحي التي ستؤدي حتماً إلى الإنهيار التام للخدمة الطبية بالبلاد. ووصف البيان السياسات الخاطئة بأنها توجت في الايام الفائته باصدار قرار كارثي بتحرير اسعار الأدوية والذي يعني أن السلطات الصحية غير عابئة بمصالح المرضى و المواطن السوداني الذي ظل يدفع فاتورة العلاج من جيبه الخاص.
وذكر البيان الذي تحصلت “الجريدة” على نسخة منه ان هذا الإجراء يعني تلقائياً مضاعفة أسعار الأدوية ويجعلها خارج السيطرة تماماً، وقال : إن تحرير أسعار الأدوية سيعاظم أزمات القطاع الصحي وسوف يلقي بظلاله وآثاره السلبية على الحق في الحصول على العلاج والدواء الذي أصبح يواجه بصعوبات وانتهاكات شبه يومية ستؤثر بشكل حاد على صحة المواطنين.
“الجريدة” اتصلت بوزيرة الدولة للصحة الاتحادية لسماع وجهة نظرها حول المعلومات المذكورة ولكنها اعتذرت بتواجدها خارج ولاية الخرطوم بمنطقة ربك.

تحقيق: لبني عبدالله
صحيفة الجريدة