الطيب مصطفى

الغنوشي، رغم عظمته، هل نأخذ ديننا منه؟! (3)


كنت قد ختمت مقال الأمس باستنكار موقف الشيخ الغنوشي من العقوبات الإسلامية التي سماها بأدوات القمع التي من شأنها – حسب الغنوشي- أن تدفع الناس إلى التفلت من الإسلام وتصنع منافقين مما لا يريده الغنوشي للمجتمع التونسي، وأقول إن الغنوشي ليس أحرص على دين الله تعالى من رب الناس وخالقهم جميعاً ومن رسوله صلى الله عليه وسلم والذي نشأ في كنف مدرسته أعظم مجتمع عرفته البشرية بالرغم من أنه ضم عدداً من المنافقين بل عاش في كنفه عبدالله بن أبي رأس النفاق في المدينة المنورة.

ويقول الغنوشي كذلك إن وظيفة الدولة تتلخص في توفير إطار عام للمجتمع يتعايش الناس فيه ويبدعون ويتعاونون ويتدافعون حتى يتبلور الإسلام لديهم ويصبح ثقافة عامة بما يعني أن تكون الدولة محايدة لا تنهض بدور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي احتشد المصحف بالآيات الحاضة عليه والتي منحت أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأفضلية على سائر الأمم بسبب قيامها بذلك الواجب (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) وأود أن أسال : هل يقوم المجتمع بتوقيع العقوبة أم تضطلع الدولة ممثلة في السلطان بذلك الدور ؟! من غير الدولة يقود المجتمع ويسيّر الجيوش للدفاع عن بيضة الدين قتالاً في سبيل الله ومن غيرها يقيم الشرائع والشعائر ويأخذ الزكاة ويصرفها على المستحقين وفقا للانصبة المحددة في القرآن الكريم؟ ألم يقاتل الخليفة الراشد أبوبكر الصديق من رفضوا أداء الزكاة معتبراً إياهم مرتدين بل مشركين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعضه وغضب غضبته المشهورة وزأر : (لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة)؟.

صحيح أن النفاق ظاهرة سيئة ينبغي أن يترقى المجتمع في مدارج الكمال الإنساني والإيماني سعياً للتخلص منها كما يتخلص من الشرك والمعاصي، ولكن هل نص القرآن الكريم على حيادية الدولة أمام سلوك أفرادها حتى لا يدفعهم تدخلها إلى النفاق أم اختار إحقاق الحق وإنفاذ التشريعات حتى لو أدى ذلك إلى بروز ظاهرة النفاق التي ظلت جزءا من سلوكيات شتى يعج بها المجتمع المسلم في عهد الرسول الخاتم والخلافة الراشدة؟

ويقول الغنوشي إنه (ليس من مهام الدولة فرض نمط معين من الحياة) إنما توفير (إطار عام للمجتمع يتعايش الناس فيه ويتدافعون حتى يتبلور الإسلام لديهم كرأي عام وثقافة عامة).

بالله عليكم كيف يتبلور الإسلام لديهم كرأي عام وثقافة عامة بينما الخمر تفتح حاناتها والنساء يتبرجن في الشوارع بملابس السباحة والشيطان يسوق الشباب سوقاً إلى إتيان المنكر والدولة متفرجة محايدة لا تأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر في وقت يعربد فيه الشيطان يغوي ويضل ؟!

هل وقف الرسول الخاتم وأبوبكر موقفاً محايداً في معركة الحق والباطل أم أن الدولة في شخص أبي بكر شنت الحرب على مانعي الزكاة، وهل كانت الدولة تبيح فتح البارات بعد نزول آية تحريم الخمر ؟

أنا لا آخذ ديني من الغنوشي إنما من رب الغنوشي ومن قرآن ربنا سبحانه ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

لقد أعاب القرآن على بني إسرائيل عدم تناهيهم عن المنكر بل لعنهم جراء ذلك؟( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)،

لماذا لم تقل كل الأمة بما قاله الغنوشي من لدن مالك والشافعي وحتى القرضاوي؟

الغنوشي ليس حجة على الأمة وأعلم يقينا أن الغنوشي منفعل بالمجتمع التونسي المتفرنس ومنهزم أمام مد الفرنسة العلمانية الطاغية الذي اجتاح تونس ..لو كان الغنوشي في السودان أو مصر أو السعودية لما قال ما قال الآن وهو يواجه تحدي (اجتراح) رؤية سياسية يخاطب بها المجتع التونسي المتفرنس.

تصويب

يعلم الله تعالى أنني لم أقصد عبارة (عبدالله بن أبي استاذ الغنوشي) في مقال الأمس ولست أدري كيف حشر ذلك الخطأ الذي اعتذر عنه مستغفراً الله رب العالمين.

صحيفة الصيحة