تحقيقات وتقارير

يوصفون بأنهم مثل ابن المدير في المدرسة طلاب المؤتمر الوطني بالجامعات.. منطق القوة لا قوة المنطق


طالب: طلاب الحزب الحاكم إذا شعروا بضعف حجتهم يلجأون للقوة لإيصال صوتهم
أمانة الطلاب: الاتهامات الموجهة ضد طلابنا غير صحيحة
طلاب المؤتمر الوطني: لا نميل للعنف ولكن إذا تجرأ أحدهم علينا فنحن قدر المسؤولية
على طريقة أفلام الإكشن الأمريكية، أشهر طالب جامعي سلاحاً نارياً “مسدس”، في وجه خطيب مسجد داخلية “أمير داؤد” بالجزيرة أبا بولاية النيل الأبيض، معترضاً طريقه ورافضًا صعوده الى المنبر، ليحدث الشاب هلعاً وسط المصلين، ولم يراع الطالب قدسية المسجد ويوم الجمعة وهو يتمسك بموقفه متحدثاً بلغة السلاح معللاً مسلكه هذا بأن الخطيب يتبع جماعة أنصار السنة.
والطالب الذي حاولت إدارة الداخلية التستر على فعلته هذه كشف زملاؤه أنه ينتمي إلى المؤتمر الوطني، وتحت ضغط منهم لم تجد إدارة الداخلية غير تدوين بلاغ جنائي ضده.
هذه الحادثة مجرد إنموذج لما يعتبره البعض تجاوزات دأب عليها الطلاب المحسوبون على التيار الإسلامي عامة والمؤتمر الوطني على وجه التحديد، وهنا نسأل: هل الاتهامات الموجهة ضدهم باتخاذ العنف لغة تفاهم، حقيقية أم مجرد ادعاءات يطلقها معارضوهم. وهل استخدامهم للأسلحة النارية والبيضاء في بعض الأحداث دليل على أنهم يجدون حماية من السلطة أم إنهم يشهرونها للدفاع عن أنفسهم، وليس للتعدي على خصومهم السياسيين.
خلافات وصراعات
الاختلاف من سمات البشر الفطرية، ولعله هو الذي يقود إلى الصراع، وأشده صراع الأفكار والآيدولوجيا، والجامعات السودانية، ومنذ أن نشأت قامت وبصحبتها فطرة البشر الطبيعية في الاختلاف، حيث تشكلت التيارات الداعية إلى الفهم الليبرالي وإلى الفكر الماركسي، يقابلها التيار الإسلامي مفضياً بالخلاف إلى تيار إسلامي وتيار علماني، ولاحقاً كوّن كل منهما جبهة لمواجهة الآخر وكلٌ يرتكز على ثوابته الفكرية، وبعد أن جاءت الإنقاذ تعددت التكتلات السياسية بالجامعات وفقاً لمتطلبات المرحلة الآنية، وكلها كانت بين تيار إسلامي وتيار علماني تعددت مسمياته قبل وبعد نيفاشا إلى أن وصلنا إلى مرحلة أصبحت فيها المواجهة بين تيار إسلامي متمثل في المؤتمر الوطني وتيار آخر يمثله طلاب الحركات المسلحة بالجامعات السودانية.
تمايز الصفوف
الإنقاذ ومنذ أن جاءت بثوريتها وبتوجهها الإسلامي فإن الصفوف بالجامعات السودانية تمايزت وانقسمت التيارات السياسية، وتوحدت تحت رايتين، راية عريضة إسلامية يقابلها تيار معارض تقوده الجبهة الديمقراطية الجناح الطلابي للحزب الشيوعي، ومعه قوى التجمع الديمقراطي وقوى اليسار، وكل القوى الداعية للديمقراطيه، ليصبح الخطاب الجامعي إما إسلامي أو ديمقراطي ليبرالي ويساري، لتنشط السوح الجامعية وخاصة عند انتخابات اتحاداتها التي تشهد صراعاً قوياً بين التكتلات السياسية والحزبية داخل الجامعة الواحدة وكل منهم يريد أن يكون على قمة اتحاد الطلاب بالجامعة وهو من الأمور التي تشهد في الجامعات حالات عنف استخدم فيها الطلاب كل الأدوات المتاحة “أسلحة بيضاء، ملتوفات، مسدسات وغيرها من أدوات العنف وربما القتل”، لينتهي كل صراع على كرسي الاتحاد الطلابي إما بفوز إسلامي يشكك في نزاهته معارضوهم أو فوز للمعارضة يُغضب الإسلاميين.
من شابه “معلمه” فما ظلم
تاريخياً، فإن التيار الإسلامي ظل متهماً بميله نحو العنف في كثير من المناسبات، وإذا كانت حادثة “العجكو” التي جرت أحداثها في عقد الستينيات من القرن الماضي، حينما ثار الإسلاميون ضد الرقصة التراثية بدعوى أنها فاضحة، فإن ذات العقد شهد عدداً من أحداث العنف التي وجهت أصابع الاتهام فيها نحو طلاب الاتجاه الإسلامي، ما تشير إليه أوراق التاريخ التي توضح أنه وفي منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي، هجمت مجموعة مكونة من خمسة من طلاب الاتجاه الإسلامي، مسلحة بالعصي، في شارع مقهى النشاط بجامعة الخرطوم، على الطالبة آنذاك، والدكتورة المقيمة ببريطانيا الآن، آمال جبر الله وهم يهتفون “الله أكبر الله أكبر”، وضربوها وكسروا يدها، وتلك الحادثة يتذكرها جيداً طلاب ذلك العهد لأنه كان بمثابة الخروج عن مألوفات المجتمع السوداني الذي كان يحترم المرأة مقدسة، ومن العيب أن تطالها يد الرجل.
مهترئة وضعيفة
وكذلك يوثق البعض لتلك الفترة بأنها شهدت العديد من أحداث العنف البدني واللفظي، ويشيرون الى أن طلاب الاتجاه الإسلامي كانوا يوجهون سهام نقدهم صوب إدارة وأساتذة الجامعة، وهذا ما يشير إليه الدكتور عمر القراي الذي أوضح: حينما كنا طلاباً في جامعة الخرطوم، كان طلاب الاتجاه الإسلامي يهاجمون مديري الجامعة وكبار أساتذتها مثل البروفسير عبد الله الطيب والبروفسير عمر بليل، وغيرهم من العلماء الأجلاء، رحمهم الله، رغم أن إساءاتهم في ذلك الوقت، لم تتجاوز الألفاظ.. فقد كان خطباؤهم من أمثال: أحمد عثمان مكي، وابن عمر محمد أحمد، والتجاني عبد القادر، والتجاني سراج، وبشير آدم رحمة، وسيد الخطيب يصيحون في المايكرفونات بعبارات مثل (هذه الإدارة المهترئة الضعيفه سنهزها هزاً حتى يتساقط مديرها ونائبه وعمداؤه وندك مكاتبهم فوق رؤوسهم).
اعتداء صريح
بعد أن تولى الإسلاميون السلطة عبر انقلاب عسكري في العام 1989 شهدت سوح الجامعات السودانية الكثير من أحداث العنف، ومثلما تعرضوا لعنف فإن طلابهم في كثير أحيان كانوا هم من يبادرون باللجوء إلى لغة العنف، وكأنهم يستمدون قوتهم من وجود الحزب الذي ينتمون إليه في السلطة، ومن الحوادث التي شهدتها الجامعات اعتداء طلاب ينتمون للمؤتمر الوطني على الأستاذ بجامعة النيلين الدكتور حامد الدود مهدي، رئيس قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، وتعود تفاصيل الحادثة إلى أن الدود كان يريد استلام بعض أغراضه من الحرس الجامعي إلا أن ثمانية من الطلاب المحسوبين على المؤتمر الوطني اعترضوا طريقه، ويقول الدود: قلت لمن منعني أنا أعمل بالجامعة منذ عشرين عاماً وأدخل هذا المكتب من أنت لتمنعنى من الدخول؟ فرد علي “أنا أي حاجة” وأمسك بتلابيبي، وبعد ذلك هجموا علي واعتدوا علي جميعهم بالضرب ومزقوا قميصي، وكان حوالي مائة آخرين يهللون ويكبرون وبعضهم يهتف “يا طابور يا طابور”، كما كان المعتدون يرددون “قول أي شي لأي حتة نحن ما بهمنا”، وأضاف الدود: “كانوا يتصرفون ويتحدثون باستعلاء، وواضح أنهم مسنودون”، وقال الدود: “هرع أساتذة وطلاب وتدخلوا لإيقاف الاعتداء.
الأهلية نفر
ولم تكن حوادث طلاب الحزب الحاكم حكراً على جامعة محددة، فالجامعة الأهلية التي يعتبرها الطلاب المنتمون لليسار قلعة محررة شهدت أحداث عنف مماثلة. وكثيرًا ما سالت الدماء. وفي فبراير الماضي تهجم عدد من الطلاب المحسوبين على الاتجاه الإسلامي، على مكتب مدير الجامعة الأهلية، واعتدى عدد منهم على سكرتيرة المدير، عندما اعترضت دخولهم محتجة على اقتحام المكتب، كما تلاسن الطلاب مع مدير الجامعة، عبد الله الشريف الغول، وخاطبت هيئة الأساتذة بالجامعة الطلاب مستهجنة الحادثة، وفتحت السكرتيرة بلاغاً لدى النيابة ضد الطلاب الذين اتهمتهم بالاعتداء عليها، وشهد عليهم عدد من الطلاب والأساتذة، ووقتها أكدت هيئة الأساتذة خلال المخاطبة فض الوحدة الجهادية بالجامعة فوراً ومنع لبس “الكاكي” ومحاسبة الطلاب على تصرفهم، ويومها قال شهود عيان إن طلاب الاتجاه الإسلامي توافدوا في مجموعات كبيرة إلى الجامعة وهددوا ببسط سيطرتهم عليها وعدم الاعتراف بالمدير وهيئة الأساتذة.
ومعلوم أن أحد طلاب الجامعة واسمه محمد الصادق ويو استشهد بطلقة نارية أصابته في مقتل.
أسئلة ملحة
رغم الإقرار بأن العنف متبادل بين الطلاب الإسلاميين ومعارضيهم في الجامعات، إلا أن الاتهام دوماً يذهب ناحية الإسلاميين حيث يتم دمغهم باللجوء إلى العنف سريعاً لحسم الخلافات والصراعات حتى لو كانت لا ترقى إلى ذلك، ويشير من يتهمهم بالإفراط في استخدام لغة العنف إلى وجود وحدات جهادية بالجامعات، أو ما يعرف في الأوساط الطلابية بـ”بيوت النمل”، تشير إلى أن العنف من مناهج تعامل الإسلاميين مع غرمائهم.
هذه الاتهامات وجهتها نحو طالب ينتمي للاتجاه الإسلامي بجامعة الخرطوم يدعى محمد، فبدأ حديثه مبتسماً وهو يسألني: هل تريد منا أن نقف مكتوفي الأيدي ونحن نتعرض للعنف من طلاب التنظميات الأخرى، قلت له إنكم متهمون دوماً بالمبادرة في العنف، فنفى هذا الاتهام واعتبره مجرد “هرطقات” هكذا قالها، وقال إن القوى السياسية المعارضة لا تملك غير توجيه الاتهامات صوب طلاب الوطني، وحينما قلت له ماذا يعني وجود وحدات جهادية بالجامعات حتى الآن، فقال: الجهاد ليست له أوقات وأمكنة محددة، ونحن في حالة استعداد دائم لتلبية نداء الجهاد متى ما دعا الداعي، وأشار إلى أنه وبمثلما للحلم أوقات فإن للعنف أوقات، لابد من اللجوء إليه للدفاع عن النفس، ورفض اتهام حماية النظام لهم، وقال: عدد من زملائنا الإسلاميين تم توقيفهم من قبل السلطات الرسمية، ونحن لا نحظى بسند من الحكومة.
وبالمقابل، يرفض الطالب بجامعة النيلين سمير ما ذهب إليه محمد، وقال إن طلاب الإسلاميين مثل الطالب المدلل أو الذي يعمل والده في المدرسة مديراً أو أستاذاً، وقال إنهم يحظون بدعم غير خافٍ من الحكومة، معتبراً أن مبادرتهم للعنف تؤكد عدم امتلاك سلاح المقارعة بالحجة والمنطق، وأضاف: “الإسلاميون يرفضون خسارة انتخابات الجامعات، فإذا لاحت في الأفق بوادر خسارتهم أثاروا شغباً واسعاً لإلغاء العملية الديمقراطية، وإذا شعروا بضعف حجتهم في ركن نقاش استعملوا العنف لإيصال صوتهم، وهكذا طلابهم لا يعرفون منطقاً غير القوة، وكل ذلك بسبب الحماية التي يجدونها من حزبهم، ولن يتوقفوا عن هذا النهج في ظل وجود المؤتمر الوطني الذي يسيطر على كل شيء في البلاد، وهم يستمدون قوتهم ودعمهم منه ومن الدولة التي لا تحاسبهم على تفلتهم.
دفوعات موضوعية
لأن الاتهام هنا موجه مباشرة الى طلاب المؤتمر الوطني ولاحقاً طلاب أحزاب المعارضة كان لزاماً علينا أن نضعها على منضدة قطاع الطلاب بالمؤتمر الوطني حتى يوضح الصورة كاملة، وهنا نفت أمينة الإعلام بقطاع الطلاب بالمؤتمر الوطني رجاء يوسف، وجود سبب يدفع طلاب الحزب الحاكم إلى اللجوء للعنف، وأكدت في حديثها لـ(الصيحة) أن طلاب الأحزاب الأخرى دائماً ما يبادرون بالعنف، كاشفة عن إلصاق الكثير من الأحداث بثوب طلاب حزبها، وتضرب رجاء المثل بالحادثة الأخيرة التي شهدها مجمع شمبات، وقالت إن الطالب الذي طعن اثنين من طلاب دارفور يدرس الجامعة الإسلامية وغير منتمٍ للمؤتمر الوطني. وتساءلت عن أسباب غض الطرف عن المبادرات التي ظل يطرحها طلاب حزبها من أجل استقرار الدراسة بالجامعات وانحيازًا لزملائهم الطلاب بغض النظر عن انتماءاتهم، مستدلة بمطالبتهم بإرجاع الطلاب المفصولين بجامعة السودان.
وفاق وطني
وتمضي أمين الإعلام بقطاع الطلاب بالمؤتمر الوطني رجاء يوسف، في حديثها، وتشير إلى أن حزبها ناشط ومؤسس للهيئة المركزية للأحزاب التي قالت إن الهدف منها تجميع طلاب الأحزاب لإحداث وفاق وطني، وأردفت: من يسعى إلى الوفاق ويعمل على جمع الطلاب في بوتقة واحدة هل يعقل أن يكون متطرفاً، وأشارت إلى أن المؤتمر الوطني لا يتبنى العنف، وقالت إن آلية نبذ العنف التي انبثقت عنها ثلاث لجان لنبذ العنف والتعايش السلمي والحوار الطلابي يعتبر المؤتمر الوطني من أبرز المشاركين والناشطين فيها، وقالت غن المرحلة الماضية شهدت تسجيل زيارات لعدد مقدر من الجامعات الولائية في هذا الإطار، كاشفة عن الإعداد لميثاق شرف طلابي يتم توقيعه في المرحلة المقبلة، وقالت إن الدعوة موجهة لطلاب كل الأحزاب، مؤكدة على أن الجامعات تمثل بوتقة للانصهار والتجانس وتبادل الثقافات وليس العنف.
الوحدات الجهادية باقية
سألتها عن الوحدات الجهادية وما يسمى ببيوت النمل، فنفت معرفتها بالثاني، وأكدت أن الوحدات الجهادية لا علاقة لها بالعنف الطلابي بالجامعات وأنها ستظل باقية ما ظلت سنة الجهاد ماضية، مبينة أن رسالتها الجهادية لن تتوقف، مشددة على أن الحركات المسلحة غير شرعية ويجب ألا تمارس نشاطاً داخل الجامعات، معتبرة أن التصدي لها طبيعي في ظل تسلح طلابها، وأضافت: لا نميل للعنف ولكن إذا تجرأ أحدهم على قيمنا وجامعاتنا فنحن قدر المسؤولية، نافية حصول طلاب المؤتمر الوطني على دعم من الأجهزة الأمنية.

الصيحة