رأي ومقالات

عندما تشّن الحكومة الحرْب على نفسِها!


لستُ مندهشاً من شيء في هذه الأيام مثل اندهاشي من الحرب التي تشّنها الحكومة على نفسها، فهنيئاً للمعارضة المسلّحة التي تنعم بنوم هانئ بعد أن تولّت الحكومة القيام بالمهمة خير قيام.
قبل أن تنجلي معركة زيادة أسعار الكهرباء وتحرير أسعار الوقود وتعويم الدولار ورفع الجمارك وغير ذلك من القرارات الاقتصادية القاسية التي هوت الحكومة بها على رؤوس الشعب الصابر المحتسب ها هي تشرع في شن معركة أخرى على المواطن وكأنها تصّر على إخراجه إلى الشارع بعد أن أدهشها صبره الجميل على قراراتها الاستفزازية فأبت إلا أن تُواصِل إلْهاب مشاعر الغضب والثورة من خلال فتح جبهة جديدة لعل وعسى أن تُفلح في ما عجزت عنه جميع القرارات السابقة التي فعلت بالناس الأفاعيل وأحالت مُعظم الشعب، إن لم يكن كله، إلى معارضة ساخطة غاضبة متوتِّرة لا يحول بينها وبين الانفجار إلا أن تنفجر .
لم تمْضِ أيام على حالة التوتر التي أصابت الشارع السوداني بالغليان جراء تلك القرارات الاقتصادية الغريبة حتى أعلنت الحكومة عن رفع الدعم عن الدواء ليزيد سعره أضعافاً مضاعفة ولستُ أدري، والله، هل هي حالة جنون، تلك التي تنتاب الحكومة هذه الأيام أم أنها فعلاً اتخذت قراراً لا رجعة عنه بالانتحار؟!
تقارير الأمم المتحدة تصنِّف أسعار الدواء في السودان، ومنذ زمن، بأنها الأعلى في الإقليم وبالرغم من ذلك تتخذ الحكومة قرارات جديدة تزيد من أوجاع الشعب الصابر فماذا دهى بربِّكم هذه الحكومة ومن تراه يتخذ قراراتها بل هل هناك من يناصحها أو يحاسبها على ما تفعل بنفسها وبشعبها؟!
للأسف الشديد فإن الحكومة تتجاهل أو ربما لا تعلم أن كل قراراتها الكارثيَّة تتناقلها في أقل من ساعة أو ساعات آلاف وربما ملايين الهواتف الذكية عبر وسائط التواصل الاجتماعي، ولعل أكبر شاهد على قوة تأثير تلك الوسائط أن هاشتاقاً صُمِّم بشعار (أعيدوا دعم الدواء) وصل مُغرِّدوه في ساعات إلى (60) ألف مغرد، كلهم اعتبروا قرار رفع الدعم عن الدواء مهدداً لحياة الناس ولا أشُكُّ أن عدد المُغرِّدين سيتجاوز المليون وربما ملايين في أيام قليلة وقد بثَّت هيئة الإذاعة البريطانية، في موقعها العربي وبعض المواقع الأخرى، كثيراً من القصص والروايات عن المآسي المرتبطة بتحرير سعر الدواء والتي وجدت تفاعلاً كبيراً من المجتمع، بل شارك في إبداء التعاطف مع أزمة تصاعُد أسعار الدواء كثيرٌ من المُغرّدين من شتى أنحاء العالم، خاصة السعودية والخليج العربي.
لست أدري، والله، من يراجع ومن يحاسب على هذا الذي يحدث في هذه البلاد المنكوبة وأين البرلمان النائم في العسل والذي يُفترض أنه المُعبِّر عن الشعب؟!
قبل أزمة سعر الدواء صدر قرار تحرير سعر الدولار والذي هدف إلى استقطاب أموال المغتربين من العملات الحرة وقال مسؤولو وزارة المالية وبنك السودان إن تلك القرارات ستكبح جماح الدولار وتقضي على السعر الموازي فهل نجحت في ذلك أم أن الدولار ظل يتصاعد؟ إذا لم تنجح تلك السياسات فماذا حدث لأؤلئك الفاشلين ممن باعوا لنا السراب؟ هل أُقيلوا أو استقالوا وهل حاسبهم البرلمان أو مجلس الوزراء على (جلايطهم) وتخبطهم؟!
د. كرار التهامي، أمين عام جهاز المغتربين، تحدث للإعلام عن حزمة سياسات من شأنها أن تُغري المغتربين وتحفِّزهم لتحويل أموالهم عبر المصارف بعيداً عن السوق الأسود.. لماذا لم تقدَّم تلك الحزمة التي أعلنها الرجل قبل أن يُصار إلى تلك القرارات الكارثية؟ إنه التخبُّط بل إنه الفشل الذي ظل ملازماً للشأن الاقتصادي منذ سنوات.
والله إن أكثر ما يؤلم بحق أن الدولة (خرتت) يدها، أو كادت، من تقديم الخدمات للمواطن الغلبان من خلال تحرير كل شيء.. كل الخدمات من صحة وتعليم وكهرباء ومياه ووقود بل وخبز ودواء وغير ذلك.. طيب، إذا كان كل شيء أصبح ملقىً على كاهل المواطن فلماذا يا تُرى تفرض الدولة الضرائب والجمارك والرسوم الأخرى والصادر والوارد وكل الشأن الاقتصادي الذي باتت أعباؤه تتزايد بوتيرة متصاعدة على المواطن المسكين؟!
إن شأننا الاقتصادي يحتاج إلى قراراتٍ شجاعة تأخرت كثيراً وآن لأصحاب القرار أن يتحرّكوا قبل فوات الأوان.

الطيب مصطفى
الصيحة


‫5 تعليقات

  1. يا الطيب مصطفى : المكتولة ما بتسمع الصائح….مثل سوداني بليغ

  2. لست ادرئ من الذي يحاسب ويراجع في هذا الذي يحدث في هذه البلاد المنكوبة إإإإإإإعندك مرونة التحول من خانة المدافع لخانة المهاجم بطريقة ماردونية

  3. أمن العقاب أساء الأدب هؤلاء الفاشلون لاأحد يستطيع محاسبتهم وإلا قالوا له خليها مستورة أوعلي وعلى أعدائي كل واحد منهم عارف سرقات وإختلاسات الطرف الاخر لذلك لن يتجرأ أحدهم بالكلام في هذا الموضوع وأما البرلمان عدا المستقليين والأحزاب الغير مشتركة في الحكومة فهم موظفون عند الحكومة ودمى تحركهم ولن يعترض أحدهم على شيء لأن مصالحهم ومصالح أهلهم ماشة وهذا مايهمهم