منوعات

ماذا يمكن أن يتعلم ترامب من تجربة مصارع وممثل في الحكم؟


في يناير/ كانون الثاني المقبل سيتولى دونالد ترامب مهام منصبه رئيسا للولايات المتحدة، ليصبح بذلك أول رئيس أمريكي لم يسبق له تولي منصب منتخب، أو تولي منصب رفيع في الجيش الأمريكي.

وبينما يعد إنجاز ترامب غير مسبوق، فإن تجربة حاكمين سابقين لولايتين أمريكيتين، استغلا شهرتهما كميزة ساعدتهما على الفوز بمنصب سياسي، ربما تفيده كدليل إرشادي أو تحذيري.

ويتذكر “دين باركلي” ما قاله المصارع المحترف الذي تحول إلى سياسي “جيسي فينتورا”، بعد لحظات من علمه بفوزه بمنصب حاكم ولاية مينيسوتا عام 1998، وذلك كمرشح مستقل، إذ قال: “ماذا سنفعل الآن بحق الجحيم؟”

ويقول باركلي، الذي كان رئيسا لحملة فينتورا الانتخابية، إنه ذهل تماما مثل الأخير، وخلال المساء ذهب للبحث في الكتيبات التي وضعها مع أعضاء فريق فينتورا، والتي توضح العملية الانتقالية لمرحلة ما بعد الانتخابات.

لقد أهملت تلك الكتب ودفنت في صندوق سيارته.

وجاء فوز فينتورا بعد حملة انتخابية لم يكن نجاحها مرجحا، على الرغم من أن منافسيه الجمهوري والديمقراطي قد أنفقا أكثر منه بكثير على حملتيهما.

وخاض فينتورا حملته الانتخابية كمرشح صاحب فرص أقل في الفوز، لكنه يتحدث بصراحة، ولفت الانتباه على المستوى الوطني بحملة إعلانية تلفزيونية بارزة، جسدته في دمية للأطفال تحارب جماعات المصالح والسياسيين الفاسدين.

وحينما أعلن فينتورا خوضه الانتخابات لاقى سخرية من كثيرين.

ومع اقتراب موعد الانتخابات لم يتوقع فوزه إلا القليل.

وفي ليلة الانتخابات لم يكن حتى أعضاء حملة فينتورا مستعدين لمواجهة حقيقة أن الناخبين قد سلموا لمرشحهم مقاليد السلطة.

ويقول بيل هيلسمان، وهو المستشار الإعلامي الذي ابتكر إعلان الدمية لفينتورا: “لقد اتضح لي أنه لا أحد على الإطلاق يعرف ماذا نفعل بدءا من الغد”.

وعلى الرغم من أن هيلسمان لم يكن خبيرا في الحكم، فإنه في الساعة الثالثة فجرا من ليلة الانتخابات وجد نفسه برفقة مجموعة من الأوراق القانونية، ليضع قائمة بكل الأشياء التي يجب أن تفكر إدارة فينتورا الوليدة في فعلها مع شروق الشمس.

ومع بزوغ ضوء النهار بدأ الهاتف في الرنين باستمرار.

ويقول هيلسمان: “لقد كان هناك الكثير من النقابات والمجموعات التجارية والأشخاص لديهم معاملات مع الحكومة، ولم يكن أحد من هؤلاء يعلم إلى من يتوجه لكي يصل للحاكم المنتخب، وكنا نحن الجهة الوحيدة التي يمكن أن يعرفوها”.

وبمعنى آخر كان هناك موقف لا يختلف كثيرا عما حدث في مقر حملة ترامب، حسبما أفادت الأنباء، منذ نحو أسبوعين، حينما احتشد المساعدون والمستشارون لضبط الوضع ووقف الفوضى التي عمت المكان، عقب الإعلان عن الفوز غير المتوقع.

ويقول باركلي: “لقد كنا في ارتباك طيلة أسبوع أو أسبوعين، وكنا فقط نحاول استكشاف ما يجب أن نفعل، وذلك لأننا لم يكن من بيننا سياسيون محنكون يرشدوننا”.

ووظف باركلي وعضو الكونغرس السابق “تيم بيني” فريقا للموارد البشرية، لفحص السير الذاتية للمتقدمين للوظائف الحكومية، ثم أرسل أفضل أربعة منها إلى فينتورا ليختار من بينها.

وأصدر الرجلان حظرا على انضمام المرشحين للوظائف إلى جماعات المصالح، وبناء على تعليمات الحاكم المنتخب اختاروا السير الذاتية وفقا للمؤهلات وليس الانتماء الحزبي.

ويقول باركلي إنه يقدم نفس النصيحة إلى ترامب، الذي “حقق معجزة” بفوزه في الانتخابات حسب باركلي.

ويقول باركلي: “ثق في قدراتك. إنها وضعتك في مكانك الذي أنت فيه الآن. لا ينبغي أن تنحرف عن المسار بفعل المستشارين السياسيين، الذين يرغبون فقط في أن تنفذ مقترحاتهم. اختر الأفضل منها بغض النظر عما إذا كانوا سيؤيدونك أم لا”.

ولا يبدو حتى الآن أن هذه هي الاستراتيجية التي يتبعها ترامب، إذ اختار مستشاريه المقربين “جيف سيشنز” لمنصب المدعي العام، و”مايكل فلين” مستشارا للأمن القومي. وإذا كان له أن يتبع نموذج فينتورا فعليه أن يوسع من دائرة اختياراته.

ووفقا لهيلسمان فإن كون فينتورا مستقلا حزبيا كان ميزة بالنسبة له، ويجب على ترامب، الذي لم يلق مساعدة كبيرة من أعضاء حزبه في حملته الانتخابية، أن يعظم الاستفادة منها.

ويقول باركلي: “إذا لم تكن مدينا لأحد يمكنك تماما اختيار أفضل الأشخاص للوظائف”.

وكان هدف إدارة فينتورا هو إقامة توازن إيدولوجي، بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولاية.

وخلال العامين الأولين من فترة حكمه بدا ذلك الأمر ناجحا.

لقد خاض فينتورا حملته الانتخابية كمنافس جاد قليل الفرص، واستطاع فيما بعد كسب تأييد تشريعي لصالح تخفيض الضرائب على المبيعات، وإصلاح منظومة الضرائب على الممتلكات، وزيادة تمويل المواصلات العامة والمدارس الحكومية.

لكن النصف الثاني من فترة حكمه تميز بالخلافات المتكررة مع وسائل الإعلام، وفقدان التأييد السياسي في برلمان الولاية، وذلك لأن الانكماش الاقتصادي قاد إلى عجز في الموازنة. وانتقل فينتورا من مقر إقامة حاكم الولاية إلى منزله الخاص.

وتعرض فينتورا لانتقادات حادة بسبب التصريحات المرتجلة خلال حملته الانتخابية، التي جرى التقليل من أهميتها خلال الأيام الأولى من فترة حكمه، لكنها كانت علامة على تراجع حظوظه.

وأعلن فينتورا بعد ذلك عزمه عدم الترشح لفترة حكم جديدة، ما جعل الديمقراطيين والجمهوريين فقط يركزون على ترشيح بديل يخلفه.

وبينما كان نجم فينتورا السياسي يخفت في مينيسوتا، كان نجم سياسي آخر غير تقليدي في طريقه للبزوغ في كاليفورنيا.

إنه نجم أفلام الحركة أرنولد شوارزينغر، الذي طالما استهوته فكرة لعب دور سياسي، لكن ذلك سبقته أحداث كثيرة وغريبة، قبل أن ينجح في الوصول لمنصب حاكم ولاية كاليفورنيا عام 2003.

ومثل فينتورا (وكذلك ترامب بعد عدة سنوات) خاض شوارزينغر حملته الانتخابية باعتباره المنافس الأقل حظا، الذي سيطهر النظام السياسي من الفساد.

ويقول عضو الكونغرس السابق ديفيد دراير، الذي شارك في قيادة حملة شوارزينغر الانتخابية وقاد فريقه المؤقت: “جذب أرنولد شوارزينغر تأييد حشود من الجماهير في أنحاء الولاية، وذلك يرجع لحد كبير إلى شهرته، إلى جانب الإحباط الذي عاناه الناس من الحكومة والوضع القائم”.

ويضيف دراير أن مسيرات شوارزينغر الانتخابية شهدت الكثير من الإثارة، التي شهدتها مسيرات ترامب.

ويقول دراير: “لقد أضاء شوارزينغر الطريق أمام ترامب”.

ويضيف دراير، الذي يقدم استشارات حاليا لفريق ترامب المؤقت، إن أهم شيء يمكن للمرشح الأقل فرصا أن يفعله خلال الفترة الانتقالية هو استخدامها لتحديد أولويات الإدارة، وجذب الأشخاص المحنكين سياسيا، وهو ما فعله ترامب حينما اختار رئيس الحزب الجمهوري “رينس بريبوس” كبيرا لموظفي البيت الأبيض.

ويقول دراير: “ما يجب أن يفكر فيه ترامب الآن هو: ماذا تريد أن تحقق؟”

وبمجرد تولي شورازينغر منصبه حاكما لولاية كاليفورنيا واجه مصاعب في طريقه السياسي، إذ واجه مجلسا تشريعيا غير متعاون، وصارع من أجل تحقيق الوعود الانتخابية الكبرى التي أعلنها خلال حملته أو جزء منها.

وحاول شوارزينغر الالتفاف على المجلس التشريعي للولاية، باقتراح إجراءات للاقتراع يمكن من خلالها للناخبين في كاليفورينا أن يصوتوا مباشرة على بعض القرارات، لكن كل مقترحاته أجهضت.

ويقول “تيري كريستينسن” أستاذ العلوم السياسية في جامعة سان هوزيه الحكومية، الذي شارك في تأليف كتاب عن فترة حكم شوارزينغر: “لكونه مبتدئا سياسيا لم يفهم مدى صعوبة هذه الأشياء، وما هي حدود صلاحيات حاكم الولاية”.

وأخذ شوارزينغر نصيبه من الإنجازات التشريعية، مثل تعاونه مع الديمقراطيين من أجل تمرير تشريعات أكثر صرامة بشأن الحفاظ على البيئة.

لكن تميزت الأيام الأخيرة من فترة حكمه، مثل فينتورا، بالإحباط وعجز شديد في الموازنة وانخفاض شعبيته، إذ سعت القوى السياسية لإعادة تأكيد سيطرتها.

لقد أعطى بريق المرشح الأقل حظا منصبا سياسيا رفيعا لشوارزينغر، كما حدث من قبل مع فينتورا، لكن أعباء الحكم أعادت الرجلين إلى نقطة الصفر السياسية.

وبالعودة إلى عام 2000، حينما كان فينتورا لا يزال عند أعلى مستوى من الشعبية التي تمتع بها، جاء ترامب إلى ولاية مينيسوتا، وكان حينها يفكر في الترشح للرئاسة بعيدا عن الحزبين الرئيسيين، للقاء الفريق الذي ساعد فينتورا على الفوز بانتخابات الولاية.

ووفقا لباركلي كان ترامب مستمعا يقظا.

ويقول باركلي: “إنه ليس غبيا. لقد جاء ليستكشف كيف نجحنا في ذلك، واتبع خطة عملنا بشكل جيد للغاية”.

إنها خطة ستضع ترامب في البيت الأبيض. لكن لم يتضح بعد تماما ماذا يجب عليه أن يفعل بعد أن يتولى مهام منصبه.

BBC