زهير السراج

العدالة السرية !!


* من أهم مباديء العدالة، بل المبدأ الاساسي، أن تتحقق ويراها الناس تتحقق، لا أن تتحقق فقط، والهدف من ذلك واضح جداً، فكيف يثق الناس في تحقق العدالة إذا لم يروها تتحقق، بل سيحدث ما هو أسوأ ، إذ ستصبح العدالة ومن يطبقها في موضع شك وتساؤل ملح، لماذا أخفيت العدالة، ولماذا ظلت طي الكتمان، إلا إذا كان فى الأمر ما يريب .. وعندما يرتاب الناس في العدالة، لا يبقى سوى (اليد) لانتزاع الحقوق!!

* أخيرا، وبعد مئات المقالات عن جريمة الاعتداء على المال المخصص لاستيراد الدواء، خرج علينا وزير العدل بتصريحات من داخل المجلس الوطني عن تقديم متهم للمحكمة، والقبض على تسعة آخرين، وإجراء تسوية مع البعض، بدون أن يذكر الأسماء، أو فى أي محكمة فتحت البلاغات ..إلخ، رغم أنه كان يتحدث تحت قبة (البرلمان)، ومن المفترض أن يقول كل شئ، ولكنه لم يقل شيئا، والغريب أن رئيس البرلمان الذى يفترض أن يطالبه بذكر كل المعلومات، منع نواب البرلمان من التدوال حول الموضوع بحجة أنه أمام القضاء، رغم أنه يعلم تمام العلم أن المعلومات المطلوب ذكرها، مثل الاسماء والمحكمة التى تنظر القضية ..إلخ، لا تؤثر على سير القضاء، بل هى معلومات أساسية يجب نشرها للتأكد من تحقق العدالة وحماية الحقوق!!

* تأملوا بالله عليكم هذا الخبر وأحكموا بأنفسكم على السرية الغريبة التى تحاط بها أعمال القانون والقضاء والعدالة بما يشكك فى العدالة، وفى الهدف الحقيقي الذي من أجله ظهر الوزير بعد هذا الوقت الطويل ليدلي بتصريحات لا تغني ولا تسمن من جوع، بل ويجد الحماية من رئيس المجلس الذي يمنع النواب من التداول حولها!!

* تقول زميلتنا (سارة تاج السر) فى النبأ الذي نشرته صحيفتنا أمس، إن الوزير كشف تورط موظفين ببنك السودان في إنشاء وتسجيل شركات وأسماء أعمال وهمية للعمل في استيراد الدواء، وإحالة متهم للمحكمة والقبض على 9 آخرين من أصحاب الشركات التى استغلت الأموال المخصصة لاستيراد الدواء البالغة (104 مليون درهم إماراتى)، من بينهم مدير سابق لأحد المصارف، فيما لا يزال البحث جارٍ عن متهمين هاربين، وأشار الوزير إلى قبول 3 شركات و9 أسماء أعمال تسوية مالية بسداد أموال التمويل المهدرة فوراً، فضلا عن فصل البنك المركزى للموظفين المتورطين، وفرض جزاءات على البنوك التي خالفت منشور بنك السودان حول أموال استيراد الدواء!

* بالله عليكم هل يمكن لتلاميذ مدرسة ابتدائية دعك من نواب برلمان، أن يقبلوا هذه التصريحات المبهة .. موظفون متورطون بدون ذكر أسماء، مع الاكتفاء بعقوبة الفصل فقط رغم كمية المخالفات والتهم، وشركات وأسماء أعمال بدون أسماء، و متهم بدون اسم، و9 مقبوض عليهم بدون ذكر أسمائهم، أو مركز الشرطة أو النيابة التى تتولى التحقيق، وهاربون بدون أسماء وبدون صدور مذكرات توقيف وإعلانات فى الصحف للقبض عليهم، وتسويات مع أشخاص وشركات بدون أسماء، فضلاً عن التسهيلات الغريبة الممنوحة فى هذه التسويات رحمة بالمتهمين الذين استولوا على أموال الدواء وتسببوا فى الأذى للكثيرين وخرقوا قوانين الدولة وإجراءاتها ..بدون أن يعرف أحداً شيئاً، أو يكون له الحق في السؤال .. هل يمكن أن تكون هذه عدالة، وهل يمكن أن يثق الناس فى مثل هذه العدالة المخفية التي لا يعرف عنها اأحد شيئاً؟!

* ألم يكن من الأفضل لوزير العدل أن يظل ساكتا، ويترك الأسئلة حائرة والشكوك حائمة و(الحالة مستورة)، بدلاً عن هذه الدغمسة والجغمسة، وعدالة الألغاز والأسرار والتسويات والمصالح؟!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة


‫5 تعليقات

  1. الدغمسة والجغمسة مش تابعين للحلحلة ( تحلل وكده )

  2. حسبنا الله و نعم الوكيل .إذا استمر هذا الفساد و هذا الانسداد السياسي و الاقتصادي فربما يصل السودانيون لقناعات مدمرة ( تغيير و ليكن ما يكن ) ،