الطيب مصطفى

هل نال السودان استقلاله وفاءً لوعد بريطاني في الحرب العالمية الثانية؟!


المؤرِّخ والأكاديمي السفير د. حسن عابدين رد على تساؤلاتي حول إفادة الفريق أبو حراز الذي قال إن السكرتير الإداري البريطاني الاستعماري السير جيمس روبرتسون أدلى، خلال زيارته للسودان عام 1965، ببعض المعلومات حول استقلال السودان أكد فيها أن بريطانيا منحت السودان استقلاله وفاءً لوعد قطعته لقوة دفاع السودان التي قاتلت إلى جانب بريطانيا تعهدت فيه بأن ينال السودان استقلاله لو كسب الحلفاء الحرب وقدَّمت تلك القوة بذلك الفعل عربون الاستقلال للسودان. أورد أدناه رد د. حسن عابدين على تساؤلاتي ولكن قبل ذلك أود أن أنوِّه إلى أن الفريق أبوحراز أورد معلومة أخرى أكثر أهمية على لسان روبرتسون قال فيها إن بريطانيا لم تكن تعامل السودان على أساس أنه مستعمرة بريطانية بدليل أنه لم يكن تابعاً لوزارة المستعمرات البريطانية إنما لوزارة الخارجية وأن حكومته الإنجليزية كانت إدارة للسودان، ولم يعلِّق عابدين على تلك الإفادة. مما يعضِّد زعم روبرتسون ما أدلى به الباحث جمال الشريف في سِفْره القيم (الصراع السياسي على السودان).

ثمة إفادة أخرى أدلى بها الفريق أبوحراز قال فيها إن محمد صالح الشنقيطي، الذي رافق روبرتسون خلال انعقاد مؤتمر جوبا عام 1947 كشف لهم أنهم (خدعوا) الجنوبيين الذين كانوا خلال ذلك المؤتمر يريدون الانفصال وذلك ما اعترف به روبرتسون في مذكراته فيما بعد حين أقر بتلك الخدعة محاولاً بذلك تبرئة ساحته وتخليص ضميره من ذلك العار التاريخي الذي أقض مضجعه ولكن الشنقيطي للأسف شارك في تلك (الجريمة) التي اعتبرها خيانة وطنية ولم يشعر بتأنيب الضمير على تلك الخدعة التي كلفت السودان انهاراً من دماء بنيه ومن عمره وثروته. أترككم في الأسطر التالية مع حسن عابدين:- صحيح المؤرخ.. مرة أخرى! هل نال السودان استقلاله وفاءً لدوره في الحرب العالمية الثانية؟! (تعقيباً على ما كتب وقال الأستاذان/ الطيب مصطفى والفريق أبو حراز في صحيفة “الصيحة” بتاريخ 19 نوفمبر 16) أود أن أطرح الرد التالي:- السؤال أعلاه وما انطوى عليه من رأي منسوب للسير جيمس روبرتسون آخر، سكرتير إداري بريطاني للسودان، إنما هو رأي أُخرج من سياقه الموضوعي في المحاضرة المشار إليها وفي مذكرات روبرتسون بعنوان Transition in Africa أي الانتقال للاستقلال في إفريقيا. حصل السودان على الاستقلال نتيجة لحركة قومية سياسية تبلورت منذ نشأة مؤتمر الخريجين عام 1938 وطالبت منذ عام 1942 بحق تقرير المصير. ولكن الصحيح أيضاً ان عامليْن هامّيْن – محلي ودولي – مكنّا للحركة الوطنية ولتياريْها الرئيسيْن –الاستقلالييْن والاتحادييْن – من تحقيق التحرر والاستقلال: أولهما أن السودان كان مستعمرة فوق العادة لا مثيل لها في الإمبراطورية البريطانية، مستعمرة هجين تتشارك في احتلالها وإدارتها دولتان: بريطانيا ومصر وفقاً لاتفاقية الحكم الثنائي المبرمة بينهما عام 1899، وهي اتفاقية الكوندومنيوم Condominium أي إدارة مشتركة، اليد العليا والسلطة الفعلية بموجبها كانت “للشريك” البريطاني. ولكن بالرغم من هذه الشراكة الاسمية ظل النزاع بين بريطانيا ومصر حول السيادة على السودان موضع مفاوضات ديبلوماسية ثنائية حتى عام 1953 عندما اعترفت الدولتان بحق السودانين في تقرير المصير والاستقلال ولهذا فإن الوضع الاستثنائي للسودان كمستعمرة هجين والنزاع حول لمن تكون السيادة عليها هيأ للحركة الوطنية السودانية مناخاً سياسياً مواتياً وكشريك ثالث رئيسي لتحقيق الاستقلال.. والذي تحقق بالوسائل السلمية وعبر القنوات التفاوضية الديبلوماسية عوضاً عن أسلوب الضغط والكفاح المسلح كما حدث في مستعمرات إفريقية أخرى مثل الجزائر وكينيا وأنجولا وجنوب إفريقيا…الخ.

صحيح أن الحلفاء في الحرب العالمية الثانية (بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة…الخ) قد استحثُّوا وناشدوا سكان المستعمرات للتأييد السياسي والدعم العسكري في الحرب ضد دول المحور (ألمانيا، إيطاليا) مقابل وعد بتسريع انتقال المستعمرات إلى بر الاستقلال وفي ذاك الإطار تم حشد وإرسال قوات سودانية بقيادة بريطانيا لصد القوات الإيطالية في شرق السودان والالمانية في شمال إفريقيا. إلا أن هذا الوعد السياسي تبلور ونُصَّ عليه في ميثاق الأمم المتحدة عند نهاية الحرب عام 1945 تحت عنوان “حق تقرير المصير” ولكن يُحمد للحركة الوطنية السودانية، ودلالة على تميزها، سبقها في المطالبة بالاستقلال وتحقيقه كأول دولة إفريقية وذلك عند مطالبة مؤتمر الخريجين بتقرير المصير للسودان عام 1942 وقبل كتابة ميثاق الأمم المتحدة. وختاماً توجّت الحركة الوطنية السودانية نضالها وإلحاحها على الاستقلال التام باتفاقية الحكم الذاتي الانتقالي في فبراير 1953 التي وقعتها كل من بريطانيا ومصر والأحزاب السودانية وتم بموجبها إجراء أول انتخابات لبرلمان سوداني ولحكومة سودانية انتقالية برئاسة إسماعيل الأزهري وفي ظل دستور مؤقت. ويا للمفارقة المحزنة أنه بعد نحو ستين عاماً من الاستقلال يبحث السودانيون اليوم عن تعديلات لدستور مؤقت وتشكيل حكومة انتقالية! د. حسن عابدين باحث في التاريخ المعاصر

صحيفة الصيحة