الصادق الرزيقي

الدواء والحل المنقوص!!


> أحسنت الحكومة صنعاً بتراجعها الفوري ومعالجة الخطأ الذي حدث في تسعيرة الدواء وما اتخذته، كما أعلن السيد وزير الصحة في مؤتمره الصحفي أمس عن قرارات عاجلة ربما تعيد الأمور إلى نصابها وتهدي إلى الصواب ، لكن .. هل انتهت قضية الدواء .. بذهاب أمين عام المجلس القومي للأدوية والسموم، وإلغاء تسعيرة الدواء والإبقاء على دعم الأدوية المنقذة للحياة..؟ أم أن هناك قرارات أخرى يجب أن تصدر تتبع الرأس الذنبا …كما يقول المثل العربي القديم ..؟
> القطاع الدوائي بحاجة إلى تغييرات شاملة وإلى مراجعات دقيقة للسياسات الجارية، وإلى قرارات حاسمة تصل العظم وليس اللحم فقط، وهذا الملف خطير للغاية وله امتداداته الخارجية وتفاصيله المثيرة للاستغراب، فالحكومة رغم ما أعلنه وزير الصحة أمس مازالت تلعب على هامش الحلبة، ولم تتقدم خطوة جبارة وواثقة وعملية نحو المعالجة الشاملة، فقضية وزارة الصحة ومشكلاتها والدواء وملابسات أزمته الحالية ظلت على الدوام تتعلق بالسياسات المتبعة لأكثر من ربع قرن، ولا يمكن إصلاح ركام ما جرى في هذا القطاع بقرار واحد بإعفاء شخص، فهناك شبكة كاملة ظلت تعبث في الدواء طيلة هذه السنوات لا بد من تفكيكها، ونذكر هنا أنه كانت هناك اتهامات كبيرة وخطيرة أثيرت من قبل حول وكيل الصحة الأسبق د. عبد الله سيد أحمد مفادها أنه ومجموعات تتبع له كانت تتحكم في وزارة الصحة، وصنعت الوضع الحالي بنشوء مراكز قوة وبروز مافيا قوية تعمل في مجال الدواء لها صلة مباشرة بالتخطيط والسياسات والقرارات التي تصدر.

> عندما أعفي د. عبد الله سيد أحمد استمر الحال كما كان عليه، مما يعني أن الأشخاص ليسوا هم وحدهم السبب، فهناك حاجة فعلية اليوم قبل الغد لإجراء تغيير هيكلي في وزارة الصحة والهيئات والصناديق التابعة لها ومراجعة السياسات التي تنفذها، ويكفي أن الأزمة الراهنة كشفت حجم الخلخلة والضعف في القطاع الصحي كله، كما كشفت الانحدار العمودي نحو القاع الذي يعيشه قطاع الدواء.

> إذا كانت الحكومة تعلم علم اليقين أن تجارة الدواء هي ثاني أكبر تجارة في العالم بعد تجارة السلاح، وأن مافيا الدواء في العالم لها أتباع وتشكيلات تشبه المنظمات السرية في كل دولة من دول العالم، وهؤلاء يتحكمون في مصائر الأنظمة والشعوب، وتقوم شركات صناعة الدواء العالمية بتمويل الحروب والاستفادة من الكوارث لإنماء تجارتها وخلق مناخات عملها وتربحها الحرام، وتقوم بإدارة حروب مميتة تهدد بقاء الحكومات والدول، وتتغلغل في عصب السلطات الإدارية الصحية في دول العالم المختلفة من أجل تمرير القرارات وإقرار السياسات التي تخدم مصالحها، وباتت هذه الصناعة والتجارة أخطر من تجارة السلاح لارتباطها بأهم احتياجات الإنسان وربما يفوق الاحتياج الدوائي الحاجة للأكل والشرب أحياناً.

> فإن الدولة أهملت كثيراً هذا الأمر، ولم تنتبه بشكل وافٍ وكافٍ لما يمثله قطاع الدواء من خطورة وأهمية، بل تركت الحبل على الغارب زمناً طويلاً كان فيه تجار الدواء وشبكاته ومافياته تستغل مؤسسات القطاع الصحي وتفعل ما تشاء منتهزة ضعف السياسات وغفلة الرقابة وتقاطعات المصالح، ومن عيوب سياسات الحكومة الصحية وخاصة الدوائية وقصور نظرها تجاه هذه القضايا أنها عندما تضع السياسات وتطبقها يتم ذلك بشكل فوقي لا يراعى فيه التشاور بين مكونات الجسم الصحي كله والخبراء وأهل الحل العقد ثم أهل التقدير السياسي، فكل شيء ترك كما هو لكبار الموظفين في وزارة الصحة ومديري الصناديق الدوائية يفعلون ما بدا لهم، وحولهم أصحاب المصالح من شركات وأفراد.

> والحكومة تتحمل كل هذه الأوزار، لإهمالها هذا القطاع واستخفافها بما يترتب عليه من مضار، فلماذا لم تعامل وزارة المالية الدواء معاملة القمح مثلاً في تحديد سعر الدولار لاستيراده ..؟ فالدواء بات اليوم بأهمية الغذاء، يمكن للإنسان أن يجد بدائل مختلفة في غذائه، فإذا لم يجد القمح يمكنه أن يأكل الذرة او الأرز أو الشعير أو الذرة الشامية، لكنه لا يمكن أن يجد بديلاً لدواء منقذ للحياة كأدوية السرطانات والضغط والقلب والسكري ..
> إذا كانت القرارات بالأمس مراجعة لما يجري وتراجع عن قرارات سابقة، فالأوفق وتعضيداً لها أن تجلس الحكومة على الأرض وتضع كل الملف أمامها وتفحصه بكل جوانبه، وتقرأ كل ما جرى فيه، وتجمع حولها أهل الشأن والاختصاص، ثم تبدأ في العلاج الحازم الحاسم.. فبغير هذا لن يكون هناك أي أثر لهذه القرارات الجديدة لأن مافيا الدواء قادرة على الالتفاف ولها ألف روح!!

صحيفة الإنتباهة