تحقيقات وتقارير

فترة الخطوبة.. الشباب يتوجسون والفتيات يرفضن الممطالة.. فسخ من طرف واحد


في زمان ليس بالبعيد تُعد الخِطبة (الخطوبة) وكأنها سُنّة متبعة وفق منهج الطقوس والعادات، حال اختيار الشاب شريكة حياته، فعليه تأكيد قراره فوراً بالخِطبة، والكل يعلم تفاصيل مراسمها، خاصة سانحة تلبيس الدبل، فهو مشهد يدل على التوادد بين الطرفين.
لكن في الغالب يكونا متحفظين تحسبا من نظرات الحاضرين، وخشية من الذين يصفون من يعبر عن عواطفه تجاه محبوبه مجرم يحاسبه قانون المجتمع، ربما طبيعة تربية القهر وكبت المشاعر منذ الصغر في نفوس معظمنا، ساهمت في تكوين مثل المفاهيم الشائعة، أما الغريب في الأمر أن تجد من يستنكرون حرية التعبير عن المشاعر هؤلاء أكثر الفصائل بحثا عنها، إذ تُلجم ألسنتهم وتتأجج دواخلهم وقتما يبوح بها الجنس الآخرحيالهم، لذلك تنضح أنفسهم بالتناقض الذاتي ما يجعلهم يائسين وبائسين طيلة مراحل حياتهم.

أسباب عديدة
في الصدد نستطلع آراء عديدة عبر طرح الأسئلة على طاولة فئات عمرية مختلفة لتسليط الضوء على مراسم الخطبة، التي بالكاد أن تندثر وفقاً لسرعة إيقاع الحياة، علاوة على إصرار بعض أولياء أمور الفتيات تجاوز فترة الخطبة وإتمام عقد القران فوراً، ربما اختصاراً للأمر أو تنبؤ معظمهم بفشل العلاقة مستقبلاً، إذن، هل حل عقد القران محل الخطبة لأسباب عديدة؟ أم اختلفت طقوسها مع تطور الأحداث والثقافات؟ بلاشك التدهور الاقتصادي بدوره أدى إلى تزايد العطالة يوما تلو آخر، وبالتالي عزف معظم الشباب عن الزواج ما أجبر بعض الفتيات يخضعن إلى شرع تعدد الزوجات، وهذا بالطبع يدحض بخطوة الخطوبة في معظم الأحيان بحجة أن الرجل المتزوج مر بتفاصيلها سابقاً، أو ربما لأسباب أخرى، هل توافقونني الرأي بأن الأخير أقوى أسباب تراجع الخطبة؟

مرحلة مهمة
ابتدر الحديث أسامة عبدالكريم (طالب بكلية الطب): في اعتقادي فترة الخطبة مرحلة ضرورية لكلا الطرفين كونها تشرع بمقابلتهما وفق قانون عاداتنا وتقاليدنا، بالتالي يتفهم كل طرف طباع الآخر، وبالفعل قد تفشل كثير من حالات الخطبة بسبب عدم التوافق في الأثناء. وأضاف: أحيانا يكون الاختلاف من قبل الأسرتين ويتم (فسخ الخطبة) دون استشارة ذوي الشأن، وبذلك تحكم الأسرتان على قصة حب أبنائهم بالإعدام دون مراعاة مشاعرهم، وغالبا لا يكون هناك مبررات مقنعة غير تمسك كل طرف بكبريائه وإرضاء غروره. واستطرد أسامة: لا أعمم بحديثي كل الأسر، فهناك من يهتمون بمشاعر آبنائهم ويسعون لإسعادهم مهما كلف الأمر.

خنقة شديدة
من جهتها علقت رنا إسماعيل (زميلة أسامة) “بعض الشباب باتوا يتوجسون من فترة الخِطبة ويصفونها (بالخنقة)، كون أحدهم خطب فتاة ما، لا يسمح له بالارتباط بأخرى أو التمادي في إطالتها دون اللالتزام بتحديد توقيت لإتمام الزواج باعتباره خطوة جادة ومضمونة بالنسبة للفتاة”. وزادت: “جلنا ندري نفور معظم الشباب الآن حيال الزواج ومنهم من دفع ثمن ويلات تدني البلاد الاقتصادي وشبح العطالة يلاحقهم في أي زمان ومكان وآخرون هاجروا لتحسين أوضاعهم المادية، أما من حظى بوظيفة بلاشك ما يتقاضاه من مرتب لا يتعدى وجبة إفطاره فقط”. وتقرأ رنا الواقع من زاوية أخرى بقولها: “يشبه بعض الشباب ميسوري الحال الخطبة وكأنها قيد يكبل أيدي الحرية الشخصية، وفق تعبيرهم، ومن هذا المنطلق رضخ معظم الفتيات إلى شرع التعددية وأصبحن يتزوجن حتى من له مثنى أو ثلاث، وبذلك يختصرن المشوار ويتفادين المخاطرة بشبابهن تحت راية الحب والخطبة، وفي آخر المطاف تنتهي الحكاية عند مفترق الطريق”. وأردفت رنا حديثها ساخرة: “الواحد يمشي يتزوج من إحدى قريباته أو بنت جيرانه وربما زميلته أيضا والخطيبة السابقة يبقى مصيرها (البورة)”.

تبادل زيارات
إلى ذلك، تقول روضة الزين جدة لأربعة عشر حفيدا حسب أفادتها بأن الدين الإسلامي أمر بالخطبة قبل الزواج، وهي فترة تقرب بين مفاهيم المخطوبين، بجانب تبادل زيارات الأسرتين وتألفهما خاصة إذا لم تجمعهما صلة قرابة. وأشارت إلى أهمية التوادد بينهما رغما عن اختلاف ثقفاتهم وتقاليدهم، واستدلت بقوله تعالى “وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ…”.. وتابعت: “حتى وإن افترق المخطوبان لأي سبب، يجب المحافظة على رابط الود وضبط المعاملة حتى لا يسيء أحدهما إلى الآخر لا بكلمة ولا بتصرف غير لائق، ويتعامل الطرفان بحكمة ولا يقطعا حبل التواصل بينهما خاصة إذا كانا أقرباء، وربنا حرم قطع صلة الأرحام ولم يضع استثناء في الشأن، هنا صمتت محدثتي برهة وهي تتكئ على سريرها ربما يكون بصدد همهمتها وحركة أناملها السريعة والمنتظمة بمسبحتها سوداء اللون. ثم استأنفت حديثها: “لو سألوني رأيي في الخِطبة، أو من عليها بإصرار لأن هذا الجيل معرفته ضحلة بخصوص الحياة ومتاهاتها، ولا يجالسون كبارهم حتى يستقوا من تجاربهم الناجحة، والمؤسف حقاً بأنهم يحسبون أنفسهم جيلاً متعلماً ومثقفاً، وهم يسرفون جل أوقاتهم برفقة الأجهزة الإلكترونية في غير المفيد”.

الخرطوم – خالدة ودالمدني
صحيفة اليوم التالي