تحقيقات وتقارير

قرية العلاماب .. مواطنون يبحثون عن مأوى


أهالي منطقة (العلاماب) بشرق النيل اختاروا أن يسردوا تفاصيل معاناتهم عبر الصحف بعد أن تدخلت السلطات وأزالت منازلهم بعد أن أعيتهم الحيل. (الإنتباهة) قامت بزيارة للمنطقة ووقفت على المباني التي تمت إزالتها والأخرى المهددة بالإزالة، وعكست معاناة الأهالي من أطفال ورجال كبار في السن أصبحوا في العراء. فإلى التفاصيل:

أصل الحكاية
سرد نائب رئيس اللجنة الشعبية سابقاً حسن السماني (أبودجانة) باعتباره أحد مواطني منطقة العلاماب، بأنه يعتبر من أوائل الناس الذين سكنوا المنطقة وهو صاحب أول منزل تم تشييده في المنطقة منذ عام2006م وقال لـ”الإنتباهة” عند حضورنا للمنطقة ووجدنا أراضٍ يقال إنها ملك للبطاحين بموجب الحيازة ولهم حق التصرف في بيعها وفق مستندات موقعة من محلية شرق النيل وحدة وادي سوبا تؤكد وجود لجنة للخدمات بمنطقة العلاماب والمحلية على علم بذلك حسب المستندات، كما يوجد مستند آخر تم استخراجه في العام 2003م يوضح حدود منطقة العلاماب من الغرب تحدها التعويضات مربعي 3/5ومن الجنوب مربعي 5/6 ومن جهة الجنوب والشرق ليست لها حدود موضحة لنجد أن عدداً من مواطني مربع واحد بحوزتهم كروكي ومستندات وعوائد وأورنيك “15” من المحلية ما يبين أن الأرض معترف بها وتخص أهالي المنطقة و حق التصرف.
لجنة شعبية
وقال السماني إنه في العام 2010م تم تكوين لجنة شعبية للمنطقة واعتماد شهادات مروسة بمحلية شرق النيل تحوي ختم منسقية اللجان الشعبية بمنطقة العلاماب باعتباره ختماً رسمياً فيما قامت اللجنة الشعبية بتعميم الشهادات لكل المواطنين الذين بحوزتهم شهادات حيازة مقابل رسوم. وأضاف: لدينا ما يكفي من الأدلة التي تبرهن أن الدولة معترفة كل الاعتراف بالحيازة وقال إنه عند فترة المعتمد السابق لمحلية شرق النيل عمار إنه جلس معهم كلجنة شعبية للمنطقة مستفسراً عن شهادات الحيازة والأراضي التي وزعت حتى اللحظة، بينما كشف سكرتير اللجنة عن توزيع 28 ألف قطعة أرض سكنية بالعلاماب، وأشار السماني الى أن سكان المنطقة أغلبهم من مناطق النزاعات وأنفقوا فيها ما يملكون من مال حتى يستطيعوا بناء منازلهم، واصفة التخطيط بـ “النموذجي” وبه سبع مدارس خاصة وثمانية مساجد. وقال لقد تمت زيارة من مدير أمن شرق النيل للمنطقة وقام بدوره بالإطلاع على كل الأوراق التي بحوزتنا وأقر بأنها رسمية لافتاً الى تصديق الحكومة لمنطقة العلاماب بدخول الكهرباء بالإضافة لمدرسة حكومية.
خريطة جوية
ومضى السماني في قوله بغض النظر عن ما يوجد عندنا من مستندات توجد ايضاً خريطة جوية لمنطقة العلاماب في وزارة التخطيط العمراني وايضا ً لها كروكي وبحوزتنا عدد من النسخ للاعوام “2010م /2012م و 2014م” وتم تصديق النسخة في العام 2016م وبها توقيع وزارة التخطيط العمراني. وأردف السماني قائلاً لماذا تمت الإزالة الآن وعندما أرادت الحكومة التصرف في الأرض استشارت أصحاب الحيازات من سكان المنطقة وطلب منهم توقيعاتهم قبل قرار الإزالة، وأضاف عندما طالبنا بعدم الإزالة أخبرونا أن الأرض تتبع للحكومة، ليؤكد أن ذات الأسماء التي وقعت على الإزالة هي نفسها التي باعت الأرض للسكان الحاليين في وقت سابق واستخرجت لهم الشهادات في المربعات ( 4 و5 و6)، وأشار الى أن المنازل التي أزيلت لها شهادة حيازة. أما باسمه مباشرة او ورقة حيازة بتنازل شخص آخر تنازل عنها بواسطة محامٍ . وقال إن مربعات 9و10 التي قام بتوزيعها زعماء المنطقة وليست الحكومة ولدينا ما يثبت كل ذلك و ما تم في هذا ليس له صلة بالقانون.
إجحاف
وقال السماني إن قرار الإزالة لم يكن يخص العلاماب وإنما منطقة القدس والتي ليست لها أية علاقة بمنطقة العلاماب ولدينا مستندات تؤكد ذلك. وقال إن العلاماب دخلت في القدس بعدد أقل من 40 منزلاً لكن الإزالة الحالية لا تقل عن 600 منزل وعاب عن التجاوزات التي حدثت في تنفيذ إزالة منطقة القدس ونفذت على العلاماب كما أن الإنذار لم يكن في وقت كافٍ حسب القانون، مشيراً أنه جاء قبل”72″ ساعة فقط، مبيناً أن ما تم فية إجحاف للقانون وللفقراء ووصفها بأنها لم تراعِ للإنسانية.
وتوجهنا الى الوالي وعرضنا له القضية إلا إنه حولنا الى معتمد شرق النيل الذي لم نستطيع مقابلته.
حالات إحباط
لم يكن قرار إزالة منازل سكنية سهلاً على الأسر التي تشردت ولم تجد لها مأوى بالإضافة الى أنه كان خالياً من الاعتبارات الأخرى لفئات النساء والشيوخ والأطفال الذين لا يتحملون مثل هذه المواقف، بدورها وقفت “الإنتباهة” مع بعض المواطنين لتكشف عن حالهم بعد تنفيذ هذا القرار و لمعرفة ردود الأفعال ومحاولة معالجة أصل المشكلة وتقول المواطنة بدرية حمزة (أم لثمانية بنات وولد) تسكن منطقة العلاماب بصورة قانونية منذ سنوات واصفة قرار الإزالة بغير الإنساني وفيه ظلم كبير. وأضافت إنه لم يتم إخطارهم بالإزالة وعندما جاءت الشرطة لإزالة منزلنا ارتفع ضغطي ودخلت في حالة إغماء وأطفالي من حولي يصرخون. وأضافت “إن ما حدث لنا لم يحدث في فلسطين ” مشيرة الى أن (7دفارات) قامت بهدم منازلنا وقالت في الوقت الذي تم فيه هدم بيتنا كان معنا ضيوف من الولايات جاءوا لتلقي العلاج ولكنهم لم يراعوا لذلك وأشارت إن منزلها يقدر بـ 250مليون وتم تشيدة من الطوب الأحمر والأسمنت والآن نحن في العراء والشتاء على الأبواب. وقالت أما بناتي فقد تم تشريدهن من التعليم.
بينما تقول سامية آدم والتي اتخذت من الجوالات منزلاً يسترها هي وطفلها ذو الأربعة أعوام بعد أن أصابته حالة من الهلع والخوف لمشاهدته دمار منزله أمام عينه وقالت في ذلك الوقت كانت معي شقيقتي التي أصابتها حالة من الانفعال لما لحق بنا من ظلم وجور عرضتها لحالة إجهاض. وتابعت معاناتنا كبيرة لا حصر لها. فكل ما نملك وضعناه في المنزل على أمل الاستقرار لكن لابد أن يرجع الحق لأصحابه.
حصاد الغربة
بينما يقول محمد احمد بدري (معلم بإحدى مدارس منطقة العلاماب) قضيت في الغربة 12 عاماً وقررت الاستقرار داخل الوطن فعند وصولي الخرطوم قمت بشراء قطعة الأرض في هذه المنطقة وشيدت منزلي بالطوب الأحمر والأسمنت وصرفت كل مال اغترابي في هذا المنزل وها هو الآن ضاع في لمحة بصر. ووصف البدري حاله الآن قائلاً الحال يغني عن السؤال. وقال إن منزله يقدر بمبلغ 300 مليون جنيه.
ولم يسلم الأرامل واليتامى من جور الزمان لتقول خميسة بركة إن زوجها متوفي ولديها خمسة أطفال يدرسون في مدارس العلاماب لكن بعد إزالة بيتها وبعض المدارس في المنطقة قامت بنقلهم الى مدارس بالقرب من والدتها التي تقطن في حي يبعد قليلاً من منطقتهم. وتقول تم تشريد الأسرة فهم الآن في منطقة وأنا في منطقة اخرى مشيرة الى أن بيتها كان بسيطاً مقارنة مع البيوت التي تجاورها.
المحلية تتحفظ
وقفت (الانتباهة) على هذه القضية المحزنة وما لحق بالأسر من تشرُّد وظلم، محاولة إيجاد ولو البعض من الحلول. وأول ما قامت به اللجوء الى المحلية باعتبارها الجهة الرئيسة المسؤولة عن المنطقة والكفيلة بحماية المواطنين وإنصاف حقهم إلا أن المدير التنفيذي لمحلية شرق النيل رفض الحديث لـ”الإنتباهة” وقال إنه غير مخول له بالتصريح ووجهنا الى مسؤول جهاز حماية الأراضي الحكومية بشرق النيل.
نفي وتبرير
مسؤول جهاز حماية الأراضي الحكومية محمد هجين قال في حديثه لـ”الإنتباهة” إنه لا توجد قرية في شرق النيل اسمها العلاماب وليس هي من ضمن القرى التاريخية في شرق النيل وأضاف كانت الإزالة في البداية نمطية في عام 2008 أما في العام 2009 و 2010 أصبحت إزالات رسمية. أما المرحلة الثانية فكانت في العام 2012بعد ذلك تم إيقاف الإزالة بقرار من الوالي السابق. وبدأ المواطنون في تشييد منازلهم. وقرار إيقاف الإزالة في ذلك الوقت أضر بالمخططات ما دعاهم الى توزيع مربع 7وأطلقوا عليه اسم ” العلاماب” بالإضافه الى تكوين لجنة مفتعلة ليتجاوز ذلك الخطة الإسكانية المجاورة لهم “القدس ” فهي خطة تم توزيعها لمنتسبي القوات المسلحة وكبار الموظفين في الجيش وقال إن التعدي تم على مدينة القدس وهي عبارة عن مربعين 1و2 وبعد أن تمت الإزالة يفترض على الحكومة أن تسلمها لأصحابها ولكن فيما يخص الانذار قال هجين إن الانذار بالإزالة ليس له قانون وقال إنه حالة إنسانية يقدرها المسؤول، مبيناً أن الجهاز أنذر المواطنين عبر مرحلتين في الفترة الاولى كان لمدة شهرين وفي الفترة الأخيرة كان لمدة 72 ساعة مبينا ً أسباب الإزالة في الفترة السابقة كانت لأسباب سياسية وأبان أن التعدي كان على أكثر من 53الف قطعة أرض سكنية شمل 30 مربعاً بالوادي الاخضر بالإضافة لمربعين في القدس 1و2 . أما مربع7 الذي تمت تسميته بـ(العلاماب) فقد تجاوزناه في الإزالة باعتباره يمتاز بخدمات من كهرباء وماء وأعلنا فيه مذكرة للمعالجة ووجدت القبول من الجهات العليا وتضمنت ضرورة تمليك المواطنين الذين يسكنون هذه الأراضي بالسعر التجاري وبسعر الاستثمار كمعالجة وأطلعنا هجين على قرار الإزالة التي تم بموجبه تنفيذ القرار .
تفهم الأوضاع
ويرى سكرتير اللجنة الشعبية السيد عمر التوم أن سلطات المحلية تفهمت أوضاع المواطنين بعد تنفيذ الإزالة وتواصلت اجتماعاتهم مع مسؤولين بالأراضي ووجدوا روحاً طيبة ووعوداً بحل إشكالات المواطنين وقال سنواصل الى أن نعوض كافة المتضررين وسنقف مع أهلنا البسطاء الذين جاءوا من كل أنحاء السودان ،وقال اذا فشلنا مع السلطات سنمنح المتضررين من أراضينا الخاصة.

الانتباهة