رأي ومقالات

مستشفي (الدايات) بامدرمان، جميل ،مرتب، مباني ومعاني


عدت أجرجر إرهاقي للبيت بعد يوم إنعطف بي نحو حادث سير كما قدمت ، إشتعل فكري بشواغل ترتيبات اليوم التالي إذ يلزمني الامر مراجعة ورشة مما بعني اني غدا (اليوم) سالزم أزقة المنطقة الصناعية وعوالم (المكينيكية) وهم طائفة من الناس دمثة تفاصيل أنسهم ، ويتحلون بذائقة الحكي والتفسير الخالص قربا ورحما لمعاناة العوام ، حينما دخلت شارع بيتنا كان جاري (تاج الاصفياء) يزرع الزقاق يناجي شبحا عبر الهاتف ، الرجل الذي لا أراه الا لماما بدا مرتعبا من طارئ ليل بتفسير تطوافه بين اول الطريق ومنتهاه، توقفت حذوه استفسره وفق عادة فضول غير جارح او لئيم عما يقلقه ، أخبرني ان زوجته في حالة طلق وانه ينتظر صاحب مركبة مستأجرة كأنما ضل مسير مقود من يسعي بها فتأخر ، قلت بلا تردد لا بأس ساقلكم وإعتذرت عن سوء بعض ملامح مقدم السيارة وشرحت ما جري لي ، تراجع بكبرياء اكرهه في السودانيين بأن لا بأس بعد ان (حمدل) لي السلامة وقدم بين يدي روشتة برتكول إجراءات لما يجب فعله ، قلت لا بأس اخرج جماعتك ولنذهب ، تقدمت بحذر حتي اقمت السيارة في الزقاق الذي قست تربته بفضل مجاري واخاديد صمدت منذ الخريف فاستقبلت الشتاء بذات العثار والحفر ، قليل وقت واطلت الزوجة كان يمسك بها يتدرج في خطوها ، هي التزمت بعض ساعده وكثير أنين وبعض بكاء يتحول حينا لاستدعاء اسماء لا أعرفها ، مرافقتها واظنها اختها احتضنت شنطة صغيرة وتعلقت بصمت اقامته سترا علي عينيها ، جلس هو الي جواري عليه سكينة مصدوم فيما اتخذت زوجته واخته المقعد الخلفي ، علا صراخ احداهن فجأة فجفلت ، بكت بالم احسست به في مؤخرة راسي ، دونما شعور التفت نحوها ان هانت لكن ان صمدت وسكت فهذا ارفق بي وشرحت لها ان نواح النساء يشلني (وانا ما ناقص) ، بدوت فظا بقدر هممت معه بالاعتذار منها ومن زوجها الذي كان غائبا في هموم ووديان تدبير حاله فلم يأبه بي ! كان يعد قليل نقد دفع به للمرافقة مع حزمة تعليمات (لو قالو فحوصات او موجات) ، دس بقية المال في جيب الجلباب سمعت يدعو الله بالستر ، تحركنا نشق الظلام ، كل ارتطام حجر باطار كان ينتج آهة من السيدة وصرخة مني ، احسست ان الطلق نالني انا ! ومثل غالب الخيارات قصدت مستشفي (الدايات) بامدرمان ، الذي حينما وصلناه وجدت ان المدخل قد حول الي الشارع العابر لقوائم بوابة عبد القيوم ، استقبلني نظامي من امن المستشفي ، مد راسه وقبل ان يسأل كانت صرخة مريعة قد ردته من فوره لفتح الباب ،عبرنا مباشرة الي مدخل الطؤاري استقبلتنا موظفة بغير كثير استفهامات ، امرت المرافقة بالتوجه الي حيز خصص للسيدات فيما تكفل نظامي بلباس مدني بارشادنا الي بوابة الخروج لركن السيارة بالخارج والعودة والانتظار في مقاعد رصت داخل هيكل قطية جميلة البناء ، خرجنا وعدنا راجلين ، كان المكان قد وشي في باحات المستشفي بحدائق صغيرة بهية الانتظام بخضرة تسر الناظرين ولو ليلا ، مايكرفون مثل ذاك المستخدم لنداءات المسافرين بالمطارات يطلب فلانة مرافقة فلانة ، تنهض المستدعية لاستقبال الطواري فتجري اجراءات استخراج الملف وتستلم توجيهات للصيدلية لبعض المطلوبات ، كنا وصاحبي نكتفي بالفرجة حتي ورد اسم زوجته نهض مذعورا حتي انه لاحق حذائه الذي فر منه وعمامة تركها فوق كتفي مثل بقية زبد سال بكتفي ، لحق بشقيقة زوجته ثم اقبل نحوي جزلا ، قال هل تصدق دفعت فقط اقل من 200 جنيه وبعض جنيهات للادوية ، قال كمن فتحت عليه ابواب الراحة كنت اظن اني سادفع اليوم بقدر يكتمل بمسكي رهينة ! لم اعقب وجلست اتفقد المكان ، نظام وترتيب ونظافة لافتة ، هدوء لا يقطعه سوي عبور سيدة تمارس المشي بهدوء كارشاد طبي في مثل هذا المكان ، وزعت الخضرة واضواء المكان بحرفية فنان ، رتل الاطباء والطبيبات يمضي هنا وهناك يستقبل بعض استفسارات المشفقين بتطمينات ودودة ، بعد نحو ساعتين اتت المرافقة بغير الوجه القلق ، تحمل حلوي طافت بها علي المكان ايقظت حتي النائمين تحت غطاء البرد ، قالت وهي ترسل زغرودة عانقت صدي ارتدادات الطبل والنوبة الصاعد للسماء في ميدان الخليفة حيث المولد ، قالت مبرووك بنت ، قفز صاحبي مثل مشجع كرة في مدرج شعبي انفكت عثرته ، الحمد لله
لقد رايت بالامس أطباء وقابلات يشرفون هذا البلد ورايت مستشفي جميل ، مرتب ، مباني ومعاني ، عدت للمنزل علي تخوم السادسة صباحا ، وبي عظيم إمتنان كشاهد لمكان يقول ان بهذا البلد لا تزال هناك امكنة تماثل الاتقان والاخلاص والتفاني ، اظن اننا بحاجة لازالة بعض القذي عن اعيننا لبعض المؤسسات …والاطباء

محمد حامد جمعة


‫8 تعليقات

  1. لا شك أنك تجيد متعة الحكي اللذيذ … حيث يسرى في المتلقى خدر الأنس و يتمنى ألا تنتهي …. قصتك هذه يمكن أن يلخصها آخر في الأتي :

    أمس بالليل كنت عامل حادث و راجع للبيت آخر الليل .. لمن وصلت شارع البيت .. لقيت جارنا مرتو عايزة تلد … وديتهم مستشفى الدايات .. رزقوا بنتا.

    و هذا يذكرنا النكتة المعروفة … حيث تشتكي الزوجة من قلة كلام زوجها و (غتاتته) .. مرة شافت مزاجه رايق .. ففكرت تستدرجه لونسة .. حيث كانا يستمعان لقارئ في التلفزيون لبعض سورة يوسف …
    قالت له … سيدنا يوسف دا قال عنده قصة عجيبة … أحكيها لي :

    قال ليها : ضاع و لقوهو .. !!!!!!

    1. الاخ ود جعل ربما ان هذه القصة ايضا من نسج خياله الا انه زار المستشفى بطريقة ما ، ما يود ان يوصله لنا هذا البلد اذا ما وجد الادارة ذات الكفاءة فانه يمكن ان يكون بلدا متطورا ويكون كاي بلد له شأوا في النظام والترتيب .. مشكلتنا هي اننا لا نعرف ان نحافظ على ما ننجز فيدمر وينتهي في غضون عامين ومن ثم تكون صيانته كتكلفة انشائه من الاول .. نعم سؤال لابد ان نجد اجابة له لم تكون مرافق الدولة او اي اي مرافق عامة عرضة للتكسير والتخريب والاتساخ حتى ينفر منها الناس لم لا يكون الاداري ذي ذمة ووطنية ويراعي ربه في عمله فيحرص على النظافة والترميم اليومي الذي لايكلف بضع جنيهات .. واحيانا لا يكلف شيء غير عمل العامل اليدوي وهو مدفوع له الاجر اصلا ..
      نحن اناس نحب البهدله والقرف والوسخ ولو ما قعدنا في الواطة وملينا ممرات المستشفيات ولو مافرشوا فرش طول تسع متر وانبطحوا في المستشفى ما بنرتاحوا .. والمصيبة مرات تلاقي مرة عايز تولد بعملية تلاقي الرجال مبطلين شغلهم حارسين المرة تولد ..مابيخجلوا .. ولا مرأة اسقطت تلاقيهم زرفات ووحدانا يا عالم والله حرام شوفوا شغلكم وخلوا البهدلة دي ,,عيادة المريض ليست ازعاج للاخرين وعيادة المريض ليست ارهاق اهله ماديا اكل وشراب .. تلاقي واحد بتر اصبعه من غرغرينة ويكون له اهل في الريف بمجرد سماع الخبر البلد كلها تبطل شغلها وتجي عشان تشوفه ما يجي واحد ويقولي تكافل مجتمع .. والله دا نقص عقل وحب في العطالة والتعطل والرمي فوق الناس لمدة يومين وتلاتة .. هسي الراجل دا بمجرد ما يكلم اهله جابوا ليه بنت يمشي يلاقي البيت مليان .. الله يكون في عونه الاتوفر من المستشفى حيصرفوه ليه سكر وشاي وقهوة حتى الرجال عيب علينا والله في عادات يجب ان نغيرها يا جماعة

    2. ود جمعة

      قصدك ياتو دايات ؟

      هذه الصورة الزهرية التي تناثرت فيها حبات الورد ،وكللتها حبيبات الندى ….

      الناصعة البياض كأنها غسلت بتايد أهي دايات استكهولم في السويد ؟

      ” رتل الاطباء والطبيبات يمضي هنا وهناك يستقبل بعض استفسارات المشفقين بتطمينات ودودة ”

      ده عندنا في السودان ؟

      ود جمعة أهي قصة حقيقية أم أنها بعض حلم من أحلامك الوردية في ليلة سطع فيها القمر ، وبللتها نسيمات الربيع ؟

      سأقول والله يعلم أني لن أقول فندا :

      شاء الله أن أحضر في إحدى إجازاتي ” بين ضلوع الوطن العزيز ” حضرت ولادة واحدة من شقيقاتي

      وكان بمستشفى الدايات تحديدا …فرأيت وسمعت عجبا

      وكان المدير وقتها ” بروف هاشم عبد الرحمن ”

      وصادف تصفيات لواحد من دورات كأس العالم

      وتفرغ جمع من هذا الرتل الذي تذكره لمشاهدة المباريات

      امرأة ترافق بنتها …رأت بعينها رأس الجنين يطل يبحث عن طريقه ليخرج …فصاحت ، وركضت إلى الرتل المذكور …فما أعاروها نظرة

      وتفضل عليها أحدهم بقوله ” أنت بتعرفي أكثر مننا ؟

      وأسقط في يد المسكينة ، إلى أن تفضل أحدهم وذهب ليعاين

      أتدرون ماذا فعلت ؟
      خلعت حذاءها ونزلت في أقربهم منها ضربا ، وما كان بإمكانهم لومها

      حادثة أخرى:
      جلست وجلس جنبي رجل يحكي لي عن تدهور حالة طفله المولود

      يذهب فيرد …يذهب فيردوه أخرى ….فتبين أن طفله مات ، ولا أدري إلى متى كانوا سيخفون الأمر

      أما شقيقتي فحكاية أخرى

      فبعد أن طمأنوها أنها ستلد طبيعي وهي بكر

      عادوا بعد يوم كامل ليقولوا لابد من قيصرية …بعد أن استهلكت قواها … وخرج المولود برأس لاتشبه إلا قطعة من البطيخ الناضج

      وما كنا نحسب أنه سينجو ، ولكن كتب الله له الحياة

      وبعدها أبديت استعدادي لأي مال في مكان آخر إلا الدايات

      وغيرها مما عايشته ولا يسعني أن أذكره كله

      فيا أخي ود جمعة …الدايات حكاية أخرى

  2. الي ود جعل: الرجل قال كلمة حق فلماذا الزعل وللامانة اعجبني اسلوبه كثيرا.

    1. أنا ما زعلان … بالعكس أنا قمت بتغريظ (حلوة تغريظ دي) أسلوبه و حكيه الطاعم … أقرأ كلامي دا تاني … لك الود.

        1. كلامك صاح … و الله أنا ذاتي عارف و متأكد أنها (تقريظ) ولو راجعت التعليق قبل ارساله كنت صححتها … بس الاستعجال …

          و برضو ما تنسى قاف و غين السودانيين .. و الخطأء وارد any how (حلوة any how دي) … بس ما تطلع لينا فيها غلط كمان … خاصة انك ساخرون (بلا حدود) هههههههه.

          علي العموم ….اعتبرها typo error و أمسحها لينا في (تعليقنا) … لك الود !!

          1. تمااام يا ود جعل

            وخفة دم تعليقك تجعل سخريتنا تلتزم بحدود

            واضح إنك ماهر في تطويع الكلام ” أمسحها في تعليقنا ” مثال

            لك كل الود والتحية