عثمان ميرغني

(روتين.. عادي)!..


حديث المدينة الأحد 4 ديسمبر 2016

زمان.. عندما كنت رئيساً للاتحاد العام للطلاب السودانيين بمصر.. حضرت في زيارة عمل إلى الخرطوم.. وكان أحد بنود هذه الزيارة مقابلة وزير الإعلام- آنذاك- الدكتور إسماعيل الحاج موسى.

استقبلنا مدير مكتبه، وطلب منا الانتظار قليلاً ريثما يفرغ الوزير من اجتماع.. أثناء انتظارنا معه.. جاءت مجموعة من قسم التصوير الإعلامي، وهي وحدة نشطة للغاية، رصدت ووثقت كل الحراك السياسي في حقبة الرئيس نميري.. كانوا يريدون الدخول لتصوير لقاء الوزير بممثل منظمة التحرير الفلسطينية.. مدير مكتب الوزير أوقفهم قائلاً (روتين.. عادي).. يقصد أن ممثل المنظمة يكثر من زيارة الوزير فلا داعي للتصوير وتوثيق الحدث..

أمس لفت نظري تقرير إخباري منشور في بعض مواقع التواصل الاجتماعي.. عن زيارة وفد رفيع من حزب الأمة القومي يرأسه الدكتور إبراهيم الأمين إلى بعض قرى الجزيرة لمدة يوم كامل.

التقرير المكتوب بعناية سرد عدد سرادق العزاء التي مر عليها الوفد في مختلف مدن الجزيرة وقراها.. وزيارات التواصل الاجتماعي لعيادة المرضى، ثم زيارة إلى منطقة طيبة الشيخ عبد الباقي، ولقاء مع الشيخ عبد الله (أزرق طيبة).. وهكذا إلى نهاية الرحلة الطويلة، والعودة إلى الخرطوم..

صدقوني.. قرأت التقرير مثنى، وثلاث، ورباع.. أحاول أن أتلمس الغاية.. ليس من التقرير.. بل من الرحلة الطويلة المنهكة- نفسها..

لا أقصد أن تقديم العزاء، وزيارة المرضى لا تستحق هذا الجهد والوقت.. لا.. فالمجتمع السوداني مترابط اجتماعياً، ويحسب لمثل هذه المجاملات ألف حساب.. لكني أقصد الموازنة بين الرهق السياسي والعمل العام الآخر.. في أروقة حزب كبير وعتيق مثل حزب الأمة القومي.. قياساً بالجهد (الاجتماعي)!.

عندما يرهق إعلام حزب الأمة القومي نفسه في إعداد مثل هذا التقرير الطويل بكل هذه التفاصيل عن رحلة مجاملات اجتماعية.. تدرك من خلف السطور روح الظفر الواضحة بإنجاز كبير.. لتغطية العجز السياسي.. بتسجيل الرحلة في قائمة الإنجازات التي تستحق أن يحتفى بها إعلامياً بهذا السرد المطول.. ممّا قد يعني أن الأحزاب السودانية، وفي زخم كل الحراك السياسي الحالي.. لم يعد في جرابها ما يستحق التسجيل سوى رحلات التعازي، وزيارات المرضى، والتواصل الاجتماعي بأيسر ما تيسر.. وربما لو كانت صحيفة الحزب تصدر لصعد الخبر إلى (المانشيت).

لو.. لو كان هناك حراك حزبي فعّال وصخب وضجيج في التفاعل السياسي وضروب العمل العام المنتج لما وجد إعلام حزب الأمة فرصة لرصد مثل هذه الزيارة، ولعدها في قائمة (روتين عادي)- على رأي مدير مكتب إسماعيل الحاج موسى.

من الحكمة أن ندرك أن (الموات) السياسي على مستوى العمل الحزبي أمر خطير للغاية.. فعلاوة على كونه دليل وهن واضمحلال سياسي.. فهو يهدر فرصة التكافؤ الرشيد بين كفتي الحكم والمعارضة.

عثمان ميرغني
صحيفة الصيحة