عالمية

العساكر في مصر… الحقيقة الضائعة بين فيلمين


منذ إعلان قناة الجزيرة عن بث فيلم “العساكر” والذي تناول الخدمة الإلزامية أو ما يعرف بالتجنيد الإجباري في الجيش المصري، استنفرت مختلف الوسائط الإعلامية المصرية من
أجل مواجهة الفيلم، وهو ما جرى عبر شن هجوم على قناة الجزيرة ودولة قطر في خطوة معتادة، كثيرا ما تكررت من قبل الإعلام المصري، غير أن إدارة الشؤون المعنوية التابعة للقوات المسلحة المصرية، عمدت إلى نوع جديد من المواجهة إذ أنتجت فيلما استباقيا عن حياة الجنود المصريين بعنوان “يوم في حياة مقاتل”، تمت إذاعته على جميع القنوات المصرية، قبل يوم من بث فيلم الجزيرة.

عقب هدوء عاصفة فيلم قناة الجزيرة وردود الأفعال المختلفة عليه، تتناول السطور التالية واقع المجندين ممن يقضون خدمة العلم في صفوف القوات المسلحة المصرية، وكيف عبر كل فيلم عن فترة التجنيد التي تتراوح بين عام واحد وثلاثة أعوام.

مراحل التجنيد

تبدأ مراحل التجنيد في مصر بتصديق وزير الدفاع، القائد العام للقوات المسلحة، على قبول دفعة تجنيد جديدة، وهو ما يعني ذهاب المرشحين للخدمة في القوات المسلحة إلى أقسام الشرطة، التي يقع محل إقامتهم ضمن دائرتها، من أجل إبلاغهم عبر مكتب التجنيد الملحق بالقسم بموعد الذهاب للكشف الطبي وفي حال اجتيازه يتم إبلاغ المرشح باختياره إما ضابطا أو مجندا، يصبح منذ ذلك الوقت جزءا من منظومة القوات المسلحة المصرية.

عقب تلك المرحلة يذهب المجند إلى إدارة التجنيد التي يتبعها من أجل معرفة نوع السلاح الذي سيقضي خدمته به، الأمر الذي تليه مرحلة الترحيل إلى مركز التدريب والذي يقضي المجند فيه 45 يوما، ينتقل بعدها إلى وحدته الأساسية التي يقضي بها فترة التجنيد التي تتراوح بين سنة وثلاث سنوات للجنود حسب مؤهلهم الدراسي، أو سبعة وعشرين شهرا لضباط الاحتياط.

كيف صور الفيلمان مرحلة التجنيد؟

بعد مشاهدة فيلم “العساكر” يخرج المشاهد بانطباع أن الإهانة هي الطريقة الوحيدة للتعامل مع الجنود طوال فترة تجنيدهم، وهو تصور شديد الانحياز لجانب واحد من التجربة، إذ إن الخدمة العسكرية الإلزامية قد تحمل مرارات كثيرة لدى البعض، بينما يراها آخرون تجربة ينتفع بها وتسهم في تطوير الشخصية.

في مقابل هذه الصورة، أصدرت الشؤون المعنوية فيلم “يوم في حياة مقاتل” والذي تروج عبره صورة مثالية عن يوم في حياة الجندي المصري، إذ وثق الفيلم مشاهد يبدو أنها من وحدة جديدة بالكامل نظرا لما بدت عليه من النظافة والنظام، في حين أن من خدم في الجيش المصري، يعلم أن حالة وحدات المجندين شديدة السوء، بدءا من أماكن المبيت مرورا بقاعات الطعام انتهاء بدورات المياه، فضلا عن عدم توافر المياه في وحدات كثيرة بعضها يقع في نطاق العمران، لكن لم يتم الاهتمام بإنشاء شبكة مياه أو صرف لها.

وتتدنى رواتب الجنود والتي لا تتجاوز 325 جنيها مصريا شهريا “20 دولارا تقريبا”، ما يجعل بعض المجندين الفقراء الذين يقضون خدمتهم في محافظات بعيدة عن سكنهم يرفضون الذهاب لإجازات إلى مسقط رأسهم لأن قيمة الرحلة قد تتجاوز ما تبقى من راتبهم الهزيل، في حين أن القطارات التي يتم توفيرها لهم بدعم من المؤسسة العسكرية تتسم بكونها متهالكة ومواعيدها قد تتسبب في ضياع يوم كامل من مدة إجازة المجند القصيرة.
أما الجزء الخاص بطبيعة اليوم، فأغلب الوحدات تتحرك بتلك النظامية التي صورها الفيلم منذ نوبة الصحيان “الاستيقاظ” حتى نوبة النوم، وعلى الأخص فإن وحدات المشاة أكثر انضباطا وتقيدا ببرنامج التدريب الذي ينظّم أسبوعيا، ودون إغفال لأهمية هذه الحالة النظامية والانضباط يوجد تساؤل لم يُجب عنه فيلم العساكر، وهو ما الأثر الذي حققته تلك النظامية والانضباط في كفاءة الأفراد في ظل استمرار سقوط المجندين في سيناء؟ خاصة أن الفيلم يريد أن يوصل للمشاهد رسالة مفادها أن مستوى التدريب والتأمين مرتفعان، مع الأخذ في الاعتبار افتراض كون الجندي في سيناء في حالة استعداد بدرجة أعلى تفوق كل أقرانه؛ نظرا للحالة الأمنية هناك.

العربي الجديد