منوعات

نهاية الإيدز


04 ديسمبر 2016

1
2
صورة
1/2
حَصَد وباء الإيدز (متلازمة نقص المناعة المكتسبة) أرواح نحو 36 مليون إنسان في الفترة من 1981 إلى 2016، ويعيش عدد مماثل من الناس في مختلف أنحاء العالم حالياً حاملين فيروس العوز المناعي البشري. وفي العام الماضي توفي نحو 1.2 مليون شخص بالإيدز، وأصيب 1.8 مليون آخرون بعدوى هذا المرض.

وهي إحصائيات مروعة، ولكن النبأ المذهل هو أن هدف «الجيل الخالي من مرض الإيدز» أصبح في المتناول واقعيا. ولا بد من الاتفاق على الخطوات السياسية اللازمة في الأيام الأولى من إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب.

السبب الرئيسي وراء إمكانية إنهاء الوباء يرجع إلى اكتشاف علمي في عام 2011، والذي أثبت أن الأفراد الحاملين لفيروس العوز المناعي البشري الذين يتلقون العلاج المضاد لفيروسات النسخ العكسي يقمع أجسامهم فيروس العوز المناعي البشري في مجاري دمائهم بشكل كبير إلى الحد الذي يجعل من المستبعد تماماً أن ينقلوا الفيروس إلى آخرين عن طريق ممارسة الجنس أو المشاركة في الإبر.

وقد أكد هذا الاكتشاف مفهوم «العلاج كوقاية». فإذا تلقت نسبة مرتفعة بالقدر الكافي من الأفراد الحاملين لفيروس العوز المناعي البشري العلاج المضاد لفيروسات النسخ العكسي، فسوف يُصبِح من المحتمل ليس فقط إنقاذ حياتهم، بل أيضاً كسر حلقة انتقال الفيروس ذاته، وبالتالي القضاء على الوباء.

بالبناء على هذه الفكرة، طَوَّر المتخصصون في مرض الإيدز فكرتين حاسمتين: برنامج «90-90-90»، وفكرة «متعاقبة رعاية مرضى الإيدز».

يهدف برنامج «90-90-90» إلى ضمان معرفة 90% من كل الأفراد المصابين بفيروس العوز المناعي البشري أنهم مصابون بالعدوى بحلول عام 2020 (وهذه هي التسعون الأولى)؛ وضمان حصول 90 % من كل من يعرفون أنهم مصابون بالعدوى على العلاج المضاد لفيروسات النسخ العكسي (التسعون الثانية)؛ وضمان قمع 90 % من كل من يتلقون العلاج المضاد لفيروسات النسخ العكسي لفيروس العوز المناعي البشري في دمائهم بنجاح.

أما فكرة المتعاقبة فتتلخص في أنه إذا تحقق كل من أهداف «التسعين» الثلاثة، فإن نسبة كل الأفراد المصابين بعدوى فيروس العوز المناعي البشري والذين نجحت أجسامهم في قمع الفيروس تصبح حاصل ضرب 90 % في 90 % في 90 %، أي 72 %.

وإذا لم يَعُد بوسع 72 % من المصابين بالعدوى اليوم إصابة غيرهم بالعدوى، فإن هذا يعني تقلص وباء الإيدز/‏‏ فيروس العوز المناعي البشري. وإذا ارتفع الهدف 90-90-90 بحلول عام 2020 إلى 95-95-95 بحلول عام 2030، فسوف ترتفع نسبة الأفراد الحاملين لفيروس عوز المناعة البشري غير القادرين على نقل العدوى إلى 86 %.

وبهذا يتوقف الوباء تقريباً، تماماً كما ينتهي وباء الحصبة بين الأطفال في منطقة حضرية عندما تصل نسبة الأطفال المطعمين إلى 80%، حتى ولو ظل بقية الأطفال (20 %) بلا تطعيم. وسوف تظل بعض الحالات باقية، ولكن كارثة الإيدز سوف تنتهي.

ويصبح هدف الوصول إلى 90-90-90 بحلول عام 2020 ثم 95-95-95 بحلول عام 2030 واقعياً، إذا سعت الدول إلى تحقيق النجاح.

فقد أعلنت السويد مؤخراً أنها وصلت إلى الهدف 90-90-90. وتقترب دول عديدة أخرى من الدول ذات الدخل المرتفع من تحقيق الهدف. ومن خلال المساعدات الدولية والجهود الوطنية، يمكن تحقيق الهدف 90-90-90 ليس فقط في الدول ذات الدخل المرتفع بل أيضاً في الدول النامية.

في أغلب دول العالم، يتلخص التحدي في ضمان اختبار 90% على الأقل من حاملي فيروس عوز المناعة البشرية بحلول عام 2020 وإبلاغهم بأنهم مصابون بالعدوى ــ وهذه أول التسعين.

ولتحقيق هذه الغاية، لا بد من أن يكون الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض المرض أو الأشخاص المعرضون للخطر الشديد على اتصال بالنظام الصحي لاختبارهم، وبمجرد اختبار الأفراد المصابين بفيروس عوز المناعة البشرية إيجابياً، يعتمد تحقيق هدف التسعين الثانية (العلاج بمضاد فيروسات النسخ العكسي) على التمويل وتجهيز العاملين؛ ومع توافر ميزانية صحية كافية، يصبح من الممكن إتاحة الأدوية لكل الأفراد المصابين.

أما تحقيق هدف التسعين الثالث (قمع الفيروس) فيعتمد على ما إذا كان الأفراد الخاضعون للعلاج بمضاد فيروسات النسخ العكسي يتناولون الأدوية بانتظام. وربما يتطلب هذا توافر الدعم لتشجيع المرضى على الاستمرار في تناول العلاجات حتى عندما يشعرون بأن صحتهم جيدة، فضلاً عن المساعدة على ضمان المدد ميسور التكلفة من الأدوية في الوقت المناسب.

ومن الممكن تحقيق الهدف 90-90-90 حتى بين السكان الفقراء والذين يصعب الوصول إليهم، وذلك بفضل حل جديد وقوي في مجال الصحة العامة، والذي يقوم على العاملين في مجال الصحة المجتمعية، الذين تدعمهم تكنولوجيا الهواتف الذكية.

ويأتي العاملون في مجال الصحة المجتمعية من المقيمين في المجتمعات المحلية الحاصلين على التعليم الثانوي على الأقل، والذين تدربوا لبضعة أشهر على إدارة تحديات صحية بعينها، مثل تحديد الأفراد الذين ربما يحملون فيروس العوز المناعي البشري، وجلبهم إلى العيادة للاختبار، ومساعدتهم على الالتزام بالبروتوكولات الطبية.

في أفريقيا الريفية، حيث يندر الأطباء بشدة عادة وحيث ينتشر وباء الإيدز غالباً، جرى إثبات وتوثيق الإمكانات العالية التي يتمتع بها العاملون في مجال الصحة المجتمعية في إنقاذ الأرواح. وعلاوة على ذلك فإن العمل في مجال الصحة المجتمعية يوفر وسيلة طيبة للشباب لبدء حياتهم المهنية.

ورغم تواضع التعويضات الأولية للغاية (ربما 100 دولار شهرياً)، يُصبِح هؤلاء الشباب بفضل الخبرة والتدريب على المسار نحو المزيد من التعليم (مثل التمريض)، ورفع المهارات، وزيادة الدخل.

ولكن على الرغم من إمكانية إنهاء وباء الإيدز، فإن العالَم عالق حالياً في حالة من العجز. ومن المؤسف أن حكوماتنا لا تعمل على أساس أهداف جريئة وتوفير الوسائل اللازمة لتحقيقها، بل تعمل على أساس «العمل كالمعتاد». قبل ستة عشر عاماً كان العمل كالمعتاد يعني عدم توافر أي علاج تقريباً للفقراء المصابين بالإيدز، لأن التمويل لم يكن متاحاً.

في ذلك الوقت، أوصيت بإنشاء «صندوق عالمي» جديد لتمويل علاج الإيدز، وهي الفكرة التي تم اعتمادها والتي ساعدت على بدء عصر مكافحة وباء الإيدز في أفريقيا.

وقد قدمت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش التزاماً مالياً كبيراً من جانب الولايات المتحدة لعلاج الإيدز، وساعدت برامج الصندوق العالمي والولايات المتحدة معاً الملايين من البشر على الحصول على العلاج.

ولكن بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008، خفض الرئيس باراك أوباما تمويل الولايات المتحدة، وحوصرت الجهود العالمية لمكافحة الإيدز في وضع «منتصف الطريق». واعتباراً من عام 2016، كان ما يقرب من نصف الأفراد الحاملين لفيروس العوز المناعي البشري يتلقون العلاج المضاد لفيروسات النسخ العكسي، وهذا أقل كثيراً من هدف التسعين في المائة.

ينبغي لإدارة ترامب المقبلة أن تغتنم الفرصة التاريخية للمساعدة على إنهاء وباء الإيدز من خلال التزام مالي متواضع من قِبَل الحكومات وغيرها من جهات التمويل. ومن المرجح أن تكون 10 مليارات دولار إضافية سنوياً من كل مصادر التمويل كافية لإنجاز المهمة، مع تقديم الولايات المتحدة لنحو 3 أو 4 مليارات دولار فقط سنوياً.

* جيفري ساكس أستاذ التنمية المستدامة، وأستاذ السياسات الصحية والإدارة، ومدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا. وهو يشغل أيضاً منصب مدير شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة.