تحقيقات وتقارير

الكريمات وحبوب التسمين… الموت البطيء


90% من النساء يسعين إلى تبييض وجوههن وتسمين المؤخرات
صافية ذات الدمامل: زوجي رفض علاجي ولو بمليم واحد
طبيبة: الاستعمال الخاطئ يؤدي إلى الفشل الكلوي وتلف الكبد
صيدلانية: إستخدام كريمات التفتيح يزيل الطبقة الواقية للبشرة ويعرضها للبكتريا والفطريات
الكِريمات وحبوب التسمين .. خطر داهم

الحلقة الأولى

الصدفة وحدها قادتني إلي حي أمدرماني شهير حيث تتجمع عدة بوتيكات تخصصت في بيع كريمات التفتيح وحبوب التسمين التي أصبحت هاجس كل فتاة تبحث عن الجمال والسمنة وتراكيب الشعر ، بالرغم من معرفة هؤلاء النسوة بخطورة تلك التراكيب الكيمائية وأصبحن يبحثن عنها بإدمان بحثاُ عن اللون الأبيض بأي ثمن، رافعات شعار ( أموت بيضاء ولا أعيش خضراء )

مائة من العينات العشوائية من النساء والفتيات اخترتها للوقوف على أعداد ونسب اللاتي يستعملن الكريمات ومبيضات الوجوه بينهن، ومن خلالها بلغت النسبة المئوية لهؤلاء النسوة ( 90% ) بالتمام والكمال، حيث وجدنا واحدة من بين كل عشرة عينات لا تستخدم كريمات تفتيح الوجه وسائر مناطق الجسم الأخرى، بما فيها استعمال الحُقن والحبوب، تلك السموم القاتلة التي تباع في وضح النهار وأمام أعين ورقابة السلطات وعلى عينك ياتاجر، حتى لا تكاد إحدى الأسواق والأحياء تخلو منها.

بعد هذه النتيجة الصادمة حملت أوراقي إلى داخل مستشفى عوض حسين، قسم الأمراض الجلدية.. مكثت هناك ست ساعات بالتمام أتجاذب أطراف الحديث مع عدد من مستخدمات الكريمات اللائي أصبن بعدد من الأمراض الجلدية جراء هذا الفعل المميت، مثل احمرار الوجه، والدمامل المعروفة بالحبوب السوداء ذات الرؤوس البيضاء، واللون الداكن الذي ينتج عن إيقاف الكريمات. السيدة صافية جاءت من الولاية الشمالية محلية الدبة لتلقي العلاج مما أصابها من أمراض جراء استعمال كريمات لا تصلح لأجواء منطقتها وكيمياء جسمها، قالت لي:استعملت عددا من الكريمات عشوائياً وبدون استشارة طبيب أو متخصص، وكانت عبارة عن خلطة.. وعن الطفح الذي يملأ وجهها بشكل مقزز قالت أنه بدأ يظهر على وجهها بتنامٍ متسارع، وبشكل مرعب، وأضافت: بعد ذلك رجعت إلى صاحب البوتيك الذي اشتريت منه الخلطة، وبدوره طلب مني إيقافها وقال لي إنها تفاعلت سلبياً مع جسمي، والغريب أنه أعد لي خلطة أخرى زادت الطين بلة حتى أصبح وجهي بهذا الشكل القبيح الذي ترينه.. صافية ذكرت لي أن أحد الأطباء بالمنطقة نصحها بالسفر إلى الخرطوم لتلقي العلاج.. وهنا جاء دورها لمقابلة الاختصاصية قبل أن أكمل حديثي معها.. تركتني أقاوم الفضول لمعرفة المزيد من الآثار التي ترتبت على ما أصابها، سيَّما وأنها أشارت لي قبل دخولها للطبيبة أن زوجها رفض بشدة الإسهام في علاجها ولو بمليم واحد، خاصة وأنه كما قالت، نصحها كثيراً ومنعها من استعمال هذه الكريمات القاتلة.

وفي السياق لم تعفُ مروة الحسين ،وهي من اللائي يستعملن هذه الكِريمات، عن الفضائيات من الاتهام بجر النساء إلى هذا الفعل الغريب، وقالت إنها ساهمت بشكل مباشر في نشر ثقافة الجمال ونضارة البشرة، وبالتالي فإن المرأة لابد أن تهتم بمنظرها حيث كانت المرأة في القرون الماضية شكلها يختلف تماماً عن المرأة حالياً،وقالت أنا عن نفسي أستخدم كريمات التفتيح باعتبارها جزءا جماليا ومكمل للمرأة، وتقول إن الأطباء والصيادلة يتحدثون عن أضرارها بالرغم من أنها مستحضرات طبية، وتفتيح البشرة عبر الكريمات يعتبر نوعا من أنواع نظافة البشرة التي تتعرض لأشعة الشمس ويتحول لونها إلى الأسود،وبالتالي يصبح لونا مقززا، ولذلك نلجأ لإستخدامها.

في مكان آخر ،وحيث تباع حقن اللون والتسمين التي أرشدتني إليها إحدي صديقاتي أجريت اتصالاً هاتفياً بإحدى المختصات في مجال التسمين، وبعد أن أخبرتها إنني من طرف صديقتها رحبت بي وسألتها عن حقن التسمين، قالت لي ( إنها مخصصة لأماكن محددة هي تضخيم الساقين وتسمين المؤخرة،بجانب حقن التفتيح والتي تترك لون المرأة أبيض مثل اللبن )، وعند سؤالي لها عن الحقن التي تستخدم لتفتيح البشرة، قالت لي ( والله ياحبيبة جسمك عايز أربعة حقن عشان يفتح ، وسعرها كاملة ( 3000 ) جنيه، وبعد التفاوض وصلنا لـ( 2500 ) جنيه، وأردفت، البنات كلهن يستخدمن الحقن لأنها أفضل من الكِرِيمات،ولأن مفعولها طويل المدى، لذلك فإن أسعارها غالية وبتجي بـ( التهريب ) وما فيها آثار جانبية مثل الكريمات .

فيما تري الصيدلانية ( و.أ ) أن مادة الميلانين موجودة في جسم الإنسان بصورة طبيعية لكن التي تستخدم في إطار التفتيح لها آثار جانبية سالبة، وتقول أن بشرة الإنسان بطبيعتها سميكة لحماية الجلد، واستخدام كريمات التفتيح يعرض البشرة لمخاطر عديدة بعد إزالة الطبقة الواقية بكريمات التفتيح، حيث تتعرض البشرة للبكتريا والفطريات، وبالتالي تفقد البشرة نضارتها، وتؤكد ( و.أ ) أن معظم الكريمات التي تستخدم لتفتيح البشرة تحتوي على الزئبق والكورتيزون، ووصفت هاتين المادتين بأنها تؤدي إلى مخاطر جمَّة، مثل الإصابة بالفشل الكلوي وتليف الكبدباعتبار أن الكلى فلتر الجسم، وتقول، بطبيعة جسم الانسان فيوجد به كورتيزون، ولكن الكورتيزون الذي يأتي من خارج جسم الإنسان يتسبب في مشاكل بالرئة، ويؤثر على الوجه مما يجعل شكله دائريا، وهذه الظاهرة تجعل الجسد منتفخاً، وأيضاً الكريمات التي تنتمي إلى مايسمى بعائلة (سون والبيتاديرم ) تسبب خلل في وظائف الكلى،عدا التي تستعمل في حدود العلاج للأمراض المخصصة لها،وقالت، أما الكارولايت فإنه يحتوي على الزئبق والهايدروزون،ويعمل على التفتيح والتبييض،لا شك أن له آثارجانبية قاتلة.

( و.أ ) تُبيِّن أن معظم المراهم التي تستخدم لتفتيح البشرة هي علاجات جلدية تحتوي على الاسترويت والكرتوزون، أما الحبوب التي تستخدم للتسمين مثل حبوب ( النجمة والبيركتين وأبو صفقة ) فكلها تستخدم كعلاج للحساسية، ومن آثارها الجانبية الرغبة في الأكل وبشراهة، وبالتالي زيادة الوزن مما من شأنه أن يُحدِث خللاً في الهرمونات.

الطبيبة المختصة بعلاج مثل هذه الأعراض، اشترطت عليَّ عدم ذكر اسمها من خلال التحقيق، وافقت على طلبها ذلك، ومن ثم طلبت هي مني الذهاب إلى مستشفى الأمراض الجلدية لكي أجد العديد من الدراسات والمختصين في هذا الشأن، وذكرت لي أن النساء والفتيات يلجأن إلى إستعمال كريمات ( قدر ظروفك ) التي يعرفن أسماءها ومكوناتها كلها، وعند سؤالي لإحدى المريضات اللائي يتعالجن لدى هذه الطبيبة، رفضت أن توضح لي نوع الكِرِيم الذي استخدمته، وأنكرت معرفة اسمه، وقالت إنها خلطة من إحدى المحلات المختصة بالكريمات.

الطبيبة المختصة قالت إنها ومن خلال تجربتها مع مستخدمات الكِرِيمات غالباً ما تجد أن الاستخدام يكون عشوائياً،الأمر الذي تنتج عنه آثار جانبية من استعمال تلك المراهم التي تحتوي على نِسب عالية من الإسترويد، تتمثل في الإصابة بالتصبغات الجلدية الخطوطية الدموية الرفيعة، مما ينتج عن ذلك بشرة خفيفة ونمو شعر في أماكن غير مألوفة لأماكن نمو الشعر عند النساء، مثل نمو شعر في منطقة الذقن، أو في أماكن متفرقة من الوجه.
وبحسب الأبحاث التي أجريت على بعض العينات المستعملة عشوائياً، وما زال الحديث للطبيبة، وجدنا أن نسب الزئبق والكورتيزون تتفاوت من كريم إلى آخر، ومعلوم أن وجود هذين العنصرين في أي شيء معد للاستعمال البشري من شأنه أن تنتج عنه أضرار عديدة، زد على أن هناك العديد من المراهم التي تعرف بالإسترويد،وهي مخصصة لعلاج حالات أمراض جلدية متعددة، مثل ( توب جيل ) والذي يستخدم كعلاج لحالة جلدية محددة، وعندما يستخدم كمادة تفتيح للبشرة تنتج عنه آثار جانبية مثل انتشار حبوب سوداء وتصبغات جلدية بعد إيقاف الإستعمال، ناتجة عن الإستخدام الخاطئ للإسترويد، مثل ( ريتان( A الذي يستخدم لإزالة حب الشباب،ويستخدم معه مضاد حيوي، وعند استعماله إلا في بشرة نقية تنتج عنه آثار سالبة، بالإضافة إلى مرهم ( الأليكا ) والذي يستخدم كعلاج لحالات جلدية ولتفتيح البشرة، وتأتي عنه نتائج غير إيجابية مثل اللون الداكن وحب الشباب واحمرار الوجه.

فيما ترى الباحثة الإجتماعية نشوى حسين، أن المرأة السودانية مصابة بهوس الجمال والسمنة، الأمر الذي يعرضها للعديد من المخاطر والأمراض نسبة للاستخدام الخاطئ لمستحضرات التجميل من أجل التفتيح والتسمين،والمرأة عموما تميل إلى التغيير وإرضاء الزوج الذي يفضل المرأة ذات الجسد الممتلئ، أما الفتيات فإنهن يبحثن عن الزوج والكريمات التي تستخدم في التفتيح أصبحت تجارة رائجة وهي شيء دخيل على المجتمع السوداني، وأعتبر هذا هروبا من الواقع ليس إلا، والبحث عن جمال مزيف.

مما سبق يبقى القول إن ما يحدث في هذا الخصوص يعتبر فوضى عارمة ، المسؤول الأول والأخير منها الجهات الحكومية المختصة وعلى رأسها هيئة المواصفات والمقاييس، وهيئات الرقابة على الأسواق، ولا شك أن هذه الجهات متى ما ذهبت إلى عيادات الأمراض الجلدية، فستجدها مكتظة بآلاف الحالات المستعصية والناتجة عن استعمال الكِريمات منتهية الصلاحية، أو التركيبات العشوائية، فضلاً عن استعمال بعض العلاجات بعد خلطها في غير مواضعها، الأمر الذي يتطلب تشديد الرقابة على الأسواق وأماكن بيع الموت البطيء هذه.

صحيفة التيار