تحقيقات وتقارير

مناشدة الصوفية تحقق نتائج مبهرة قضية الأسرى .. المبادرات الفردية تفك السلاسل الحديدية


ظلّت قضية الأسرى وثيقة الصلة بما يدور في المسرح السياسي سواء كمحرك للأحداث أو لاعب أساسي فيها. وخلق حضور القضية في الآونة الاخيرة جدالات واسعة تتراوح بين الإنساني والسياسي، وفي بساطها الممتد بين الحكومة والحركات المسلحة، جاس الوسطاء بمبادرتهم، ناجحها وفاشلها، فمشى على السجادة رجالات الطرق الصوفية ومبادرة الإصلاح والنهضة (سائحون)، وأفراد منهم المخفي ومنهم المعلوم.
ولأن الحاجة ملحّة إلى تيرموتر يقيس أثر المبادرات الكثيرة، وعوامل النجاح التي كللت بعض منها، ومدى القربى التي تصلها بالسياسة من عدمه، تعمل (الصيحة) على قراءة القضية من جوانبها المختلفة.
انفراج كبير
ظلّت منصة (السائحون) تلعب دوراّ بارزاّ في ملف الأسرى خاصة الذين بطرف الحركة الشعبية – شمال، وقطعاً تمكّنت المنصة من إقناع القطاع بإطلاق سراح أكثر من عشرين أسيراً بيد أن بعض العراقيل أدّت لتأخير الخطوة إلى وقت لاحق.
ولاحقاً دخلت الجماعات الصوفية كطرف في القضية تسعى بين الفرقاء لإطلاق الأسرى وفي بحر هذا الأسبوع أطلقت حركة العدل والمساواة ، بقيادة د.جبريل إبراهيم دفعة جديدة من الأسرى الذين كانت تحتجزهم. الجديد في الأمر هذه المرة أن إطلاقهم لم يكن نتيجة لتفاهمات مع الحكومة، بل كان نتيجة لمبادرة رجالات الصوفية، ولم تمر سوى بضعة أشهر حتى قرنت الحركة موافقتها بالفعل، فوصل فوج من الأسرى بعد نجاح المبادرة.
وقريباً من ذلك أقدمت الحكومة على إطلاق سراح الأطفال الذين خاضوا معركة قوز دنقو إنابة عن حركة العدل والمساواة.
حراك (السائحون)
الراجح في الأمر، أن ثمة تحركات وجهود بذلت قبل إطلاق سراح الأسرى، ومن ضمن تلك الجهود تبرز اجتهادات منصة ” السائحون ” وهي منصة تضمّ الذين قاتلوا في أدغال الجنوب إبّان الحرب ضد الشعبية ” .
يقول مسؤول الإعلام، والناطق الرسمي باسم (مجموعة السائحون)، أبوبكر محمد يوسف، أن جهود المجموعة تكلّلت مؤخراً بإطلاق سراح بعض الأسرى بصفوف حركة العدل والمساواة، مثمّناً تفهم قيادة الحركة للمناشدات التي قال إنها تمت من منظور إنساني بحت، لاعلاقة له بالسياسة.
وقال يوسف لـ (الصيحة) إن الجهود لم تبدأ مؤخراً فقط، كاشفاً عن مناشدتهم منذ فترة طويلة لقيادة الحركة للنظر في أمر الأسرى الذين تحتجزهم، معتبراً أن مبادرة الحركة بإطلاق سراحهم ينم عن وعي وتفهم للإطار الإنساني برمته ،وقطع بتواصل مساعيهم من الجانب الحكومي لحثها على القيام بالمثل ،وإطلاق أسرى الحركة أيضاً.
ويتماشى حديث يوسف مع البيان الصادر عن حركة العدل والمساواة ويدعو رجالات الطرق الصوفية إلى حثّ الحكومة للنزول عند محطة الإنسانية ومقابلة قبولهم إطلاق عسكريي الحكومة، بإطلاق أسرى الحركة لدى الحكومة.
ويرى المحلّل السياسي د. صلاح الدين الدومة، أن الجهود غير الرسمية يمكن أن تحدث اختراقاً ولو نسبياً في مواقف فرقاء السياسة، مستدلاً بنجاح المبادرة الخاصة بإطلاق الأسرى التي تمّت مؤخراً، وقال الدومة إن تلك المجهودات قطعاً لا تحلّ محلّ المفاوضات والتفاهمات الرسمية، بيد أنه أشار لنجاعتها في تذليل بعض العقبات، ولو بشكل يسير. ولكنه عاد وقال: على أيّ حال جهد يصب في إطار المصلحة العامة، مؤكداً أن الموقف الذي اتخذته قيادة الحركة واستجابتها للمناشدات التي قدمت لها ،يمكن أن يشجع الحكومة على القيام بذات الخطوة، وإطلاق أسرى الحركة بطرفها.
ويرى الدومة أن القيم المجتمعية والخصال التي ميزت الشخصية السودانية لم تفارقها في سوح السياسة والاختلافات الأيدلوجية، معتبراً أن تلك القيم الداعية للتسامح وإعلاء قيمة الإنسان مغروسة في خصيصة كل نفس سودانية، وبناء على تلك المعطيات يشير إلى إمكانية الاستفادة من تلك النقطة في إذابة ولو القليل من جبل الاختلافات السياسية بين الفرقاء.
وصول أفواج الأسرى .
في الثالث من ديسمبر الجاري وصل إلى الخرطوم عدد”25″ أسيراً، ضمن من كانوا محتجزين لدى قوات حركة العدل والمساواة في إطار مبادرة نبعت من عدة جهات، منها الطرق الصوفية. خاصة طريقة المكاشفية، ومجموعة (السائحون)، ورئيس المجلس الأعلى للتصوف، الخليفة الطيب الجد. فالمبادرة نجحت في فك أسر المجموعة التي وصلت لذويها مطلع الأسبوع الحالي مثل هذه القضايا يرى مراقبون أن مثل هذه المبادرات من شأنها إثبات مدى قدرة التيارات الوسطية ومجموعات رأب الصدع الساعية لإيجاد مسرب للتفاهمات، خاصة في القضايا الإنسانية التي تتعلق بالأسرى، لتذويب جليد الخلافات بين الحكومة والحركات المسلحة، بما يخدم الشأن الإنساني، خاصة أن تلك المبادرات تتجاوز محطة المفاوضات التي تستمر طويلاً دون أن تكون محصلتها على الأرض شيئاً مذكوراً. مع التسليم بأن المفاوضات والتفاهمات التي جرت غير مرة بين الحكومة والحركات المسلحة أسهمت في إطلاق سراح العديد من الأسرى من الطرفين.
رسائل متبادلة
في رسالة بعث بها الخليفة الطيب الجد في منتصف أغسطس، إلى قيادة حركة العدل والمساواة، ناشد فيها الخليفة باسم أمهات الأسري وزوجاتهم وأبنائهم من أجل أن يثمر حراك الحكومة والحركات المسلحة بشأن ملف الأسرى في إيجاد طريقة تحقن الدماء وتبين مسير الأمة في ممارسة السياسة وفق دستور يبين الرؤى ويحدّد الأهداف العامة لذلك ،ودعا الخليفة في رسالته لقيادة الحركة للمبادرة بإطلاق الأسرى بطرفها ،واعتبرت الرسالة أن ذلك سيكون دافعاً لأهل الداخل في أن يحسنوا النوايا ،مناشداً ولاة الأمر بإطلاق جميع الأسرى والمحكومين بالسجون ،حتى يعم الأمن والسلام ربوع البلاد ،خاتماً رسالته بإبداء أمله في استجابة قيادة الحركة للمطلب ،وهو ما تمّ بالفعل .
عقابيل تسلّم جبريل رسالة الطيّب الجد، جاء رد حركة العدل والمساواة للشيخ الطيب الجد، مكتوباً وثمّن فيه مبادرة الطريقة. وقال جبريل في رسالته إن المناشدة التي وصلتهم ستجد منزلتها التي تليق بمقام الخليفة الطيّب الجد عندهم،وعند أهل السودان جميعاً ،وقال مكتوبه : ستسمعون منا ما يثلج صدورهم وصدور ذوي الأسرى قريباً بإذن الله ،وخلص المكتوب إلى الإشارة إلى أن الحركة مع السلام متى ما أقبلت الحكومة بصدق لمخاطبة قضايا المواطنين التي ثاروا من أجلها في أقاليم السودان المختلفة منذ العام 1995م .
بيان النوايا الحسنة
حالما أفرجت الحركة عن دفعة الأسرى ،وما أن وصلوا الخرطوم حتى سارعت الحركة بإصدار بيان ،بتاريخ الثالث من ديسمبر ،مذيل باسم أمين الإعلام الناطق الرسمي باسم الحركة ،جبريل آدم بلال ،قال فيه إنه ،واستجابة لنداءات كريمة من شيوخ الطرق الصوفية ،و(مجموعة سائحون) ،والإدارات الأهلية ،وتنظيمات المجتمع المدني ،وشخصيات وطنية ،و الأسر ،اتخذت قيادة حركة العدل والمساواة السودانية في السادس من شهر سبتمبر 2016 قراراً بإطلاق سراح كافّة أسرى القوات النظامية طرفها و المدانين من أعضاء الحركة في قضية خيانة عظمى ،وقال البيان إن الحركة شرعت في التدابير الإدارية اللازمة لضمان عودتهم سالمين إلى أسرهم .وأعرب البيان عن سعادة حركة العدل و المساواة بالحفاوة التي استقبل بها العائدون من الأسر من القوات النظامية والمحكومين من أعضاء الحركة ،وفرحت بفرح الأسر التي استعادت بنيها بعد معاناة ورجاء وطول انتظار ،وتقدم البيان بإسم الحركة بخالص الشكر للذين عبروا عن تقديرهم وامتنانهم للخطوة التي أقدمت عليها عبر الإعلام أو عبر الرسائل الخاصة.
سياسة
تتهم الحكومة أحياناً، بأنها السبب في تعثر عملية إطلاق أسراها لدى الحركة الشعبية، ومن ضمنهم البيروني وشهاب برج المعروفان بكسبهما في صفوف الإسلاميين.
ويذهب صاحب ذلك الرأي إلى أن الحكومة تخشى تمدد (منصة السائحون) التي تمثل إزعاجاً بآرائها المغايرة، وفي وجه آخر لذات العملية استغلال الحركة لعملية إطلاق السراح ككرت تفاوضي وسياسي في مفاوضاتها للطرف الحكومي.
ولكن تلك التهمة جرى نفيها مرتين، مرة بتأكيدات الحكومة أن بعثة الصليب الأحمر المسؤولة عن توصيل الأسرى قابلت صعوبات حالت دون إكمال عملية التسليم. بينما تقول الحركة إن جهودها إنسانية بحتة ولا تريد جزاءً ولا شكوراً. ولكنّ الأهم أنّ استخدام ذلك النفي يصب في مصلحة الأسرى وفك قيودهم الحديدية.

الصيحة