منوعات

أغاني المولد النبوي.. تقليد باقٍ


اهتم المصريون، طوال تاريخهم، بالغناء الديني. وقد حظيت المدائح النبوية التي أعدَّت خصيصاً لمناسبة المولد النبوي في شهر ربيع الأول الهجري بعناية كبيرة. يظهر ذلك في ما يتوارثه المدّاحون والمنشدون حتى اليوم، خاصة في صعيد مصر وأريافها، فهناك لا يزال إحياء المولد فنياً بواسطة المنشدين في الساحات والخيام تقليداً محبباً مستمراً حتّى يومنا هذا.
ويذكر ابن إياس (1484-1524) في كتابه “بدائع الزهور” أن احتفال المصريين بالمولد النبوي في أيَّامه، كان يقام في القلعة بصفة دائمة، وكان يتضمَّن الإنشاد الديني. ومن قبله أكد ابن تغري بردي (1410-1470) في تأريخه بكتاب “النجوم الزاهرة” تلك العادة. وقد ذكَرَا في كتابيهما مجموعة من أسماء المطربين والمنشدين الذين ذاع صيتهم آنذاك.

وكانت قصائد المديح النبوي والموشحات هي وسيلة هؤلاء المطربين، مثل قصيدة “الإمام الصرصري” (1192-1258م) والتي مطلعها:
“محمد المبعوث للناس رحمة/ يشيّد ما أوهى الضلال ويصلح”، ورائعة الإمام البوصيري (1213-1295م) الشهيرة بالبردة، ومطلعها: “أمن تذكر جيران بذي سلم/ مزجت دمعا جرى من مقلةٍ بدم”، وهمزيته: “كيف ترقى رقيك الأنبياء/ يا سماء ما طاولتها سماء”، أو موشح ابن زمرك الأندلسي (1333-1395م)، ومطلعه: “يا مصطفى والخلق رهن العدم/ والكون لم يفتق كمام الوجود. مولدك المرقوم لما نجم/ أنجز للأمة وعد العود”. وهي قصائد لا يزال يغنيها المدّاحون حتى اليوم بألحان متنوعة.

ومن أشهر المداحين المعاصرين الذين تشد إليهم الرّحال: ياسين التهامي وأحمد التوني وفرحان البلبيسي وعبد النبي الرنان وأحمد برين وزين محمود. ومن النساء: فاطمة سرحان. بينما أشهر مداحي الجيل السابق، كانت الفنانة خضرة محمد خضر، ومحمد الكحلاوي. أما أغرب المداحين فهو مكرم المنياوي، وسر الغرابة أن المنياوي مسيحي الديانة، ولكنه يتخذ من هذا الفن وسيلة للتقريب بين المصريين. ويقول المنياوي بأنه ألف حوالي 80 قصيدة في مدح النبي محمد، وقد جمع فيها بين الرموز المسيحية والإسلامية.

وبالرغم من كثرة أغاني المولد النبوي في التراث المصري، فقد غاب معظمها، حين ضاعت الألحان والأصوات في عصر ما قبل التسجيل الصوتي. وبالرجوع إلى فهرس أسطوانات تراث الغناء العربي القديم، والموجود بقسم الموسيقى في دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة، الصادر سنة 1997م، تبين وجود 3016 أسطوانة أعلام الغناء ممن عاصروا أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، من بينها أربع أسطوانات خاصة بالمدائح النبوية لكل من إبراهيم الفران وأغنيته بعنوان “مولد النبي”، وأمين حسنين سالم وأغنية “قصائد نبوية”، وحسن خضر وأغنية “مديح المصطفى”، ومحمد عوض العربي وأغنية “لولا النبي بالحجاز”. ويُذكَر أن شركات الغناء قد سجلت أصوات العديد من شيوخ هذا الفن، ولكن هذه الأسطوانات هلكت أو ضاعت.

ويكْشف الدكتور نبيل حنفي، في كتابه “هكذا غنى المصريون”، عن أنَّ الإذاعة المصريَّة اهتمت منذ افتتاحها سنة 1934 بأغاني هذه المناسبة، وأنَّ أغنية “مولد النبي” للشيخ علي محمود، كانت من أوائل ما أذيع من أغان في الإذاعة، وكانت مُدَّتها 40 دقيقة، وهي من تأليف عبد الله بك عفيفي.

كما استقطبَت الإذاعة في مناسبة المولد النبوي، عدداً من المبدعين، مثل الشاعر مصطفى عبد الرحمن، الذي ألف أغنية “ميلاد الرسول” ولحَّنها أحمد صدقي، وغنَّتها المُطربة شافية أحمد، في الإذاعة يوم 25/2/1944، وكان مطلعها: “غنت الدنيا نشيد الأمل/ وتبدت عن رجاء مسعد. فإذا الكون طروب يجتلي/ طلعة اليمن وعيد المولد. مولد الهادي النبي العربي”.
وتُعدَّ أم كلثوم من أبرز من أذيعت له أغانٍ في مناسبة المولد النبوي، وإن كان ليس شرطاً أن موعد إذاعتها الأول كان في تلك المناسبة تحديداً. إذ كان لها ثلاث قصائد ذائعة، جميعها من ألحان رياض السنباطي، ومن أشعار أحمد شوقي، وهي قصيدة “سلوا قلبي” التي أذيعت أول مرة سنة 1946، وختمت بخمسة أبيات من تأليف الشاعر محمد الأسمر. وقصيدة “نهج البردة” سنة 1947، وقصيدة “وُلد الهدى” سنة 1949.

ومن الطقاطيق التي كان للإذاعة الفضْلُ في خروجها للنور، طقطوقة “يوم مولدك يا نبينا” من كلمات حسين طنطاوي، وألحان وغناء أحمد عبد القادر سنة 1946. وطقطوقة “مولد الرسول” من كلمات عبد الفتاح مصطفى، وألحان أحمد عبد القادر، وغناء صالح عبد الحي. وهناك موشح “في ربيع أشرقت أرض الحرم”، وهو في الأصل للشيخ درويش الحريري، وقام بأدائه عبد السميع بيومي.

وفي فترة الخمسينيات، زاد إنتاج تلك الأغاني، ومن بينها أغنية “يوم مولدك يا هادي” من كلمات عبد الفتاح مصطفى، وألحان سيد مصطفى، وغناء آمال حسين، و”بداية الهداية” من كلمات إبراهيم رجب، وألحان عبد العظيم عبد الحق، وغناء شفيق جلال. و”في مولد النبي” كلمات عبد القادر أحمد، وألحان عبد القادر علي، وغناء نجاة علي.
وعلى شاشة السينما، يحفظ فيلم الشيماء وحده من بين الأفلام المصرية بعض المدائح النبوية، من بينها أغنية المطربة سعاد محمد، وهي من كلمات عبد الفتاح مصطفى، وألحان بليغ حمدي، وفيها تقول: كم شاق الدنيا مولده/ حتى وافاه موعده. كانت في الغيب تناشده/ حمدا لله تردده. والأفق ضياء يتبسم/ والملأ لأعلى يترنم. لقدوم محمدنا الأكرم/ صلى الله عليه وسلم”.

العربي الجديد