تحقيقات وتقارير

تزوير الأعمدة.. عندما تستغل الأسماء لتمرير الأجندة


شكا بعض كتاب الأعمدة الراتبة في الصحف اليومية من الحملات التي تنتهج للزج بأسمائهم أو مقالاتهم دون أن يكونوا طرفا في هذا الأمر، وقد انتشرت مؤخراً هذه الظاهرة؛ مما أدى إلى إلحاق الضرر بكتاب الزوايا الراتبة؛ فالبعض ينظر إلى الأمر أنه ممنهج من أجل الوقيعة بين الكاتب والجمهور، الذي يكتب من أجله، وذهب البعض إلى أنها أساليب من بعض الجهات؛ لتمرير أجندتها، وذهب آخرون إلى أن التضييق، وضعف الحريات وراء هذا الأمر، لكن مع كل هذا يصبح المتضرر الوحيد الكاتب الراتب ما لم يجد الجهة التي تحميه، وتحفظ له حقوقه في ظل سهولة نشر الشائعات، واستخدام اسمه لتحقيق أكبر نسبة للتداول عبر الفضاء الإسفيري، ومع كل هذا يبقى للأحداث الحالية دور كبير في هذا الأمر، من خلال المساحة التالية استمعنا إلى أصحاب الرأي في هذا الموضوع.

ملاحقة الجناة
بكري المدني رئيس تحرير صحيفة الوطن تحدث لـ (التيار) عبر اتصال هاتفي أمس مبينا أن هناك جهات تقوم بإطلاق الشائعات مستغلة مواقع التواصل الاجتماعي التي يصعب مراقبتها، وتهدف إلى تمرير أجندتها باستغلال اسم مشهور ومعروف للقراء، أو استغلال الاسم لحرق الكاتب- نفسه- مع حزبه، أو الخط الذي ظل يكتب فيه، ويعدّ مثل هذا النوع من التعدي ضمن مشاكل العالم الافتراضي؛ للحد من مثل هذا النوع، الأمر متروك لحصافة القارئ، وتابع بكري بالقول: “آخر عمود تم تزويره كشفه القراء، ومن خلال وجودي في بعض قروبات التواصل الاجتماعي اكتشف بعض القراء أن هذا النهج لا يماثل خط الكاتب وأسلوبه الذي يكتب به، وهذا النوع يظل مكشوفاً لكل القراء، وعلى الكاتب أن ينفي ما نسب إليه، أو يتخذ الإجراءات القانونية؛ لإيقاف هذا النوع من التضليل”.

يضيف محدثي في القانون الشخص الذي يقوم بنقل المقال يعدّ مشاركاً في الجريمة، “والقانون لا يحمى المغفلين”، وأشار المدني: إلى أن هناك غرف شائعات يتم تشكيلها من قبل التنظيمات السياسية؛ لخدمة أجندة معينة، وفي الآونة الأخيرة كثرة الشائعات أدت إلى فقد الثقة في وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما أدى إلى زيادة نسبة الإقبال على الوسائل الرسمية كالصحف، في الولايات المتحدة الأمريكية عندما ترد معلومة في وسائل التواصل الاجتماعي يتم الإقبال على شراء الصحف في اليوم التالي، وكل هذا بسبب إتاحة الحريات في تلك البلدان، نحن- السودانيين- ليست لدينا حساسية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، وقد نجد بعض الزملاء الصحفيين يقومون بنسخ أخبار لا يمكن تصديقها لدى العامة، فكيف لصحفي أن يصدق مثل هذا الأمر؟، وقد يسأل بعضهم عن مدى مصداقية الخبر؟!.

وعلق بكري في ذات الاتجاه على وسائل التواصل الاجتماعي بالقول: الشيء المزعج التكرار، وقد تجد عمودا مفبركا ينشر في أكثر من عشرة قروبات في آن واحد، وتابع “حتى النكتة أصبحت بدل أن تضحك تبكي من كثرة تكرارها ياخ ارحموا أجهزتنا”.
وأكد أنه تعرض من قبل إلى عملية تزوير عدد من الأعمدة والأخبار، وعلق بالقول: “هذا الأمر مؤثر نفسيا لكن لم يعد لدي استطاعة الملاحقة القانونية؛ نسبة لتعقيد الأمر، ومع كل هذا استغلال اسم الكاتب أقل وطأة لكن الأسوأ أن يتم كتابة مقال ضد نهج الكاتب المعهود الكتابة، أو عكس ما يكتبه، وهذه- في حد ذاتها- فاجعة، وأتمنى أن يتم تيسير الإجراءات القانونية؛ حتى يتسنى لنا ملاحقة الجناة”.

غياب الحريات وحرب الأسافير
الأستاذ محمد وداعة الكاتب في صحيفة الجريدة جمعنا به اتصال هاتفي أمس أكد من خلاله أن هذا الأمر فيه عدم أمانة في نقل المعلومة، أو محتوى المقال، والتدخل في المقالات يسبب ضررا كبيرا للكاتب، ويعد عملا غير رشيد، ويذهب بالمصداقية، وعلى الجميع التعامل مع هذا الأمر بقدر من الشفافية، وفي الآونة الأخيرة هناك كتاب كثر قاموا بنفي مقالات نسبت إليهم، وبرر وداعة ارتفاع نسب التزوير مؤخرا للتأثر بالواقع؛ حيث ربط ذلك بعدم إتاحة الحريات؛ مما أدى إلى زيادة نسبة التزوير، وتابع بالقول: “لو كانت الحريات متوفرة لتم نشر هذه المقالات عبر الصحف، وحرمان الصحف من هامش الحرية من ضمن الأسباب، وتابع الهدف من هذا الأمر التشويش على القارئ، والإضرار بكاتب العمود الراتب؛ فهناك عدد من الناس بحسن النية يقومون بنقل وتداول المقالات، لكن يجب عليهم التأكد قبل النشر من حقيقة المقال”.

ومضى وداعة ليقول: “ربما- المقالات التي يتم تزويرها لا يتاح لها النشر في الصحف الرسمية، وإذا كان هناك رأي ورأي آخر قد لا نجد مثل هذا التزوير، وأعتقد أن الأحداث لها دور في الترويج للمقالات، مثلا: نجد مقال كتب فيه- المقال الذي بسببه صودرت الصحيفة الفلانية- وهكذا، حيث تكمن الخطورة في أخذ مقال وتعديله ونشره باسم الكاتب أو كاتب آخر”؛ وربط هذا الأمر بوجود جهات تعمل على نشر أجندتها حيث تأخذ الموضوع الرئيس، وتبث الموضوع المراد نشره، وأكد أن هناك حربا إسفيرية ظهرت في الآونة الأخيرة بين جهات متعددة، من بينها الحكومة وأجهزتها المختلفة، والجهات المناوئة للحكومة، وتابع وداعة “قبل أيام الزبير أحمد الحسن رئيس الحركة الإسلامية طالب من المنتسبين للحزب بالرد على كتاب الأسافير، والحملات المضادة؛ مما يعني تشجيع الحكومة عضويتها على انتهاج مثل هذا النوع من الحرب الإسفيرية”.
واتهم محمد هذه الجهات، وعدّها تعمل من أجل تغييب الحقيقة عن القارئ، ونحن همنا الوحيد كشف الحقائق كما هي دون التدخل فيها، أو التأثير عليها، وهناك جهات منظمة لهذا الأمر.

الجداد الإلكتروني
الكاتبة في صحيفة الجريدة الأستاذة هنادي صديق علقت على هذا الأمر من خلال اتصال هاتفي أمس بالقول:” العالم أصبح غرفة صغيرة؛ لذا من الغباء بمكان أن يتم التزوير، وهذا الأمر فيه استهانة بعقل القارئ، وقد تكون هناك أهداف وراء استخدام أسلحة الإشاعة لغرض خبيث”، وأضافت في ظل الظروف الحالية كل شيء وارد ومتوقع من قبل الحكومة والمعارضة، ولكل طرف أجندة يريد تمريرها، وحرب الإشاعة في مثل هذه الظروف مباحة، وعمل مثل هذا لا بد أن يكون منظما، وهناك كتائب أمنية في كل العالم أعدت لهذا الأمر، ونحن لدينا ما يسمى (الجداد الإلكتروني)، ينشط فيه مثل هذا النوع من الإشاعات، وهؤلاء أخذوا تدريبات متقدمة خارج السودان، والغرض من هذا التشكيك فيمن حولك.

ضعف الثقة في وسائل التواصل الاجتماعي
الكاتب في صحيفة الصيحة يوسف الجلال من خلال حديثه لـ (التيار) أمس أشار إلى أن الغرض الأساس من انتحال أسماء الكُتاب أن يجد المقال حظه من النشر على نطاق واسع، لكن أخطر أنواع الانتحال أن يتم إعادة عمود كتب في مناسبة معينة، وفي فترة سابقة، ويتم تعديله، والزج به؛ نسبة لوجود أحداث مشابهة، بعض أصحاب الأجندة يريدون الوقيعة بين الكاتب والشريحة التي ينتمي إليها، أو الحزب الذي ينطلق منه، وهذا خطر ويخلق فتنة بين الجانبين، وقد تكون الكتابة مرات للهزار أو تمرير أجندة أو استغلال نجومية، ويعدّ التسويق هدفا أساسيا، قد تكون الأحزاب طرفا في هذا الأمر، أو التيارات داخل الحكومة لديها أهداف تود تحقيقها من خلال التسويق للأجندة الخاصة، وإذا وجدت الأجندة لا بد أن يكون وراءها جهة منظمة حتى ولو كان فردا، أنا صحفي مغمور لا يمكن أن يتم تزوير مقالي وهذا ما لم يحدث، القارئ الفطن من السهل أن يكشف التزوير، ونعوِّل عليه كثيراً في معرفته أسلوب الكاتب، وطريقة اختيار المفردات، وفي ذات الاتجاه هناك أشخاص يمثلون خطراً على الكتاب؛ حيث يقوم أحدهم بسرقة أسلوب الكاتب، ومن الصعب أن يفرق القارئ بينهما، والعلاج غير ممكن- فقط- سوف يؤدي هذا الأمر إلى ضعف الثقة في وسائل التواصل الاجتماعي.

صحيفة التيار