تحقيقات وتقارير

لم يعد أميناً للإعلام بالحزب الحاكم ياسر يوسف.. مغادرة طبيعية أم خروج اضطراري


أصدر المكتب القيادي بحزب المؤتمر الوطني قراراً قضى بإعفاء ياسر يوسف أمين أمانة الإعلام بالحزب من منصبه.

وكما هو متوقع، أثار القرار موجة من ردود الفعل، خاصة وأنه صدر في ظل حديث متكرر عن وجود صراعات مكتومة بين عدد من القائمين على أمانات الإعلام بالحزب الحاكم، ما جعل أمر الإعفاء يأخذ حيزاً كبيراً في وسائط الإعلام تأويلاً وتفسيراً.

وكان ملف الإعلام بالحزب الحاكم محل نقد كبير في الآونة الأخيرة، حتى صارت مقولة (الإنقاذ أذكى من إعلامها) مقولة يمشي بها الناس في إشارة إلى ضعف إعلام الحكومة والحزب.

جدل الإعفاء
ليس غريباً أن يبدل حزب المؤتمر الوطني في أماناته، فالإحلال والإبدال سنة عادية، ولكن ما جعل الأمر خارجاً عن طور الاعتيادية، هو أن يوسف كان يمسك بملفات عالية الحساسية، إضافة إلى أن توقيت الإعفاء يضع كثيراً من علامات الاستفهام، حيث تزامن مع صراعات داخل أمانات الإعلام بالحزب الحاكم يقال إنها ناجمة عن مستجدات ذات حمولة ثقيلة في الوسط الإعلامي على نحو ما جرى من إعفاء لفتح الرحمن محمد خير من إدارة قناة الشروق، وقرار إيقاف بث قناة أم درمان الفضائية ومصادرة الصحف بشكل متعاظم في الآونة الأخيرة.

ويرى عدد من المراقبين أن إعفاء ياسر يوسف جاء كنتاج طبيعي لخلافات مكتومة داخل أمانة الحزب، امتدت طويلاً وتفجرت بصورة أوضح عندما خرجت إلى السطح قضية “محمد حاتم سليمان” نائب رئيس المؤتمر الوطني ومدير التلفزيون ومكتب رئيس الجمهورية الأسبق، وراج وقتها أن قضية محمد حاتم وقف خلفها أشخاص بإعلام المؤتمر الوطني بغرض التصفية على خلفية صراعات مكتومة لفترات طويلة بينهم، ولم يمض وقت كبير من ظهور قضية محمد حاتم حتى تم إعفاء عبد الماجد هارون وكيل وزارة الإعلام والمهندس أُبي عز الدين مدير مكتب الرئيس، وجاء إعفاء أمين الإعلام بالوطني بعد أربعة أعوام من توليه المنصب، وهذا ما رآه بعض المراقبين امتداداً لعمليات التصفية التي صاحبت قضية محمد حاتم سليمان، وزادتها التطورات الأخيرة التي صاحبت الأداء الإعلامي، بينما يرى آخرون أن قرار إغلاق قناة أم درمان الفضائية هو ما أطاح بياسر يوسف باعتبار أنه كان خلفه، بالرغم من أن القرار جاء من هيئة البث، وبالرغم من أن المكتب القيادي الذي قرر إعفاء يوسف في اجتماعه الأخير لم يعلن خليفته في المنصب، إلا أن أسماء عديدة برزت على السطح كتكهنات لخليفة ياسر أبرزها مها الشيخ أمينة أمانة إعلام المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم والدكتور موسى تاي الله.

تقييم الأداء
واختلف الكثيرون في تقييم أداء ياسر يوسف خلال فترة ترؤسه أمانة الإعلام بين مادح وقادح في تجربته التي تعتبر نسبياً بالطويلة على رأس أمانة الحزب، لما ظلت عليه من حالة تغيير وإبدال مستمر حتى صار عدم الاستقرار صفة ملازمة لها طوال الأعوام الماضية، فيما يرى آخرون أن حساسية الموقع وظروفه تُصعّب من فرص النجاح نسبة لتشابك المهام والتصارع الموجود بملف الإعلام بالحزب والدولة.

يوضح القيادي بحزب المؤتمر الوطني د. ربيع عبد العاطي أن ياسر يوسف اجتهد أيما اجتهاد في أمانة الإعلام، إلا أن الهيكلة والمؤسسية هي التي عرقلت طريقه. وأضاف ربيع في حديثه مع “الصيحة” بأن الخلل الذي صاحب العمل التنظيمي في إدارة الإعلام والحزب هو الذي منع سيطرة الأجهزة المختصة على الإعلام المشتت، واصفاً تحويل الأمانة إلى قطاع بالأمر الجيد والمهم، لافتاً إلى أن القطاع يستطيع لملمة شتات الإعلام المتناثر.

وطالب ربيع بتعديل قوانين الإعلام بالبلاد حتى يتسنى للوزير ووزير الدولة أداء مهامهما بالصورة المطلوبة، وأشار ربيع إلى صعوبة السيطرة على الإعلام في ظل وجود قوانين معيبة تضررت منها الوسائل الإعلامية الرسمية.

بدوره رأى قيادي في أمانة الإعلام بحزب المؤتمر الوطني، تحدث لـ “الصيحة” وطالب بحجب اسمه، أن إعفاء ياسر يوسف هو أمر طبيعي لإتاحة الفرصة للآخرين. وقال: أداؤه كان جيداً، نافياً أن يكون الإعفاء تم بسبب صراعات مكتومة داخل أمانة الإعلام، ولكنه عاد ونبه إلى أن الوزير الشاب خلال توليه ملف الأمانة تجاوز مهامه إلى أشياء ليست من اختصاصاته مضيفاً أن ذلك جر على ياسر صراعات وعداوات داخل الحزب وخارجه، ومن ثم عاد ثانية للقول: مستبعد أن يكون هذا سبب إعفائه، واصفاً تحويل حقيبة الإعلام بالمؤتمر الوطني من أمانة إلى قطاع كامل بالأمر الجيد الذي يحتاج إلى تغيير يواكب المرحلة الجديدة.

قناة أم درمان
بالأخذ في الحسبان، الجدل الكبير الذي صاحب إيقاف بث قناة أم درمان الفضائية، بحجج اعتبرها المالك، الأستاذ حسين خوجلي، وآخرون، واهية وضعيفة، قاد إلى نمو مضطرد لفرضية أن الواقعة لربما مثلت القشة التي قصمت ظهر يوسف وعجلت برحيله من أمانة الإعلام.

يقول خوجلي إنه لا يستطيع الجزم بأن ياسر يوسف غادر أمانة الإعلام بسبب إيقاف قناة أم درمان، ولفت في حديثه مع “الصيحة” إلى أن الأسباب ربما كانت بسبب ضعف الأداء، وزاد: (الأداء الإعلامي مضطرب وضعيف وليس له منهج وبدون تواصل ونتيجة لذلك حدثت إخفاقات على مستوى الحزب).

وفي وصفة علاج كانت منتظرة لمعالجة هذا الضعف، يقول خوجلي إن الامل كان معقوداً على ياسر يوسف باعتباره إعلامياً ومن أبناء المهنة، ولكن النتائج ما جاءت بحجم التوقعات، وأردف: عهد ياسر مع أمانة الإعلام لم يكن جيداً، ففي عهده بدأت الصحف تتساقط، وارتفعت أسعار الورق ومدخلات الطباعة دون أن تساعد الدولة في معالجة الأمر حتى لا ينفلت من اليد إلى هذه الدرجة، وتنبأ حسين خوجلي بتوقف كثير من الإذاعات بداية العام الجديد، مضيفاً أن الصحف بوضعها الحالي أيضاً ستتوقف قائلاً :”هي أصلاً حالها واقف لكن أصحابها فقط يخافون الشماتة”.

ومع ذلك كله، يظل أمر إعفاء ياسر يوسف من أمانة إعلام حزب المؤتمر الوطني محل تباين واختلاف حوله بين من يراه أمراً عادياً ومن يرده إلى اضطراب المشهد الإعلامي في الحزب والدولة عموماً، لا سيما في ظل وجود الصراعات الداخلية بأمانات الإعلام داخل الحاكم.

الخرطوم: محمد أبوزيد كروم
صحيفة الصيحة


تعليق واحد