تحقيقات وتقارير

المصوراتي.. اختفاء مُوثِّق ذكريات الزمن الجميل.. أبيض وأسود


ساهم ظهور التقنيات الحديثة في اندثار العديد من المهن ورمي الجيل الجديد بثقله على الوسائط المتقدمة وركل الأدوات التقليدية، وفي ظاهرة لافتة اختفى (المصوراتي) عن المشهد وغابت لمسات الموهبة التي تعتمد على الخيال قبل دخول الكاميرات المتطورة، حيث كانت تضم هذه المهنة أعداداً كبيرة من المشتغلين بها يسترزقون منها ويعيشون عليها.

كان المصوراتي في الخمسينيات والستينيات شيئاً عزيزاً في أدواته وإمكاناته وقدراته وفق صيحات العصر لتلك الفترة، فلم تكن هناك صور بالألوان أو أجهزة حديثة للتصوير كالتي نراها الآن تلتقط لمسافات وأبعاد، ولم تكن الصور يمكن تجسيمها، ولم يظهر حينها الفوتو شوب، كل تلك المعينات ظلت غير متوفرة، وتميز صاحب الفنيات العالية في ذلك الوقت بزي خاص به كما كانت أدواته عبارة عن كاميرا كبيرة يبذل معها مجهودا كبيرا لتخرج في النهاية صورة أبيض وأسود تكمن قوتها وتأثيرها على كفاءة المصور الذاتية.

تاكتيكات ومهارات
في السياق قال المصور علم الهدى حامد لـ (اليوم التالي): آلة التصوير في ذلك الزمان كانت تتمتع بكبر حجمها، وكان المصور بعد أن ينهي أعماله يخرج كرتاً أبيض، ويضعه في درج به سائل ما يلبث أن تظهر ملامح صورة جميلة. ويضيف: اعتمد معظم مصوري تلك الحقب على تاكتياكتهم ومهاراتهم الذاتية، لأنه في ذلك الوقت لم تظهر التقنيات الحديثة. وأضاف: عدد المصورين كان قليلاً قبل أن تدخل الكاميرا (الديجتال) المجال، وتفضي لاختفاء المصوراتي، وتختصر الوقت، وتحسن الجودة في وقت كان فيه أصحاب المهنة في الستينيات والسبعينيات يبذلون مجهودات مضاعفة لإخراج صورة جيدة، حيث كانوا يقومون بمعاينة المنظر على زجاجة خلفية تحتاج إلى غطاء واق يصنع غالباً من قماش أسود لئلا تتأثر شريحة الفيلم أثناء وضعها في الكاميرا بالنور الخارجي، وكانت الصور الشخصية المستخدمة في الأغراض الرسمية قديماً تصنف من قبل الناس على أنها صور مائية.

صنعة وفكرة
من ناحيته، قال المصور مبارك حتة: مصور زمان يستخدم الأبيض والأسود فقط ويقوم بطبع الصورة بمبلغ زهيد لأن التصوير بالنسبة له صنعة ومهنة وفكر، حيث يقوم بعمل الرتوش بقلم خاص على نيجاتيف الصورة، وهو صاحب الرؤية في الكادر نفسه ويضع أمامه آلة التصوير البدائية ذات الحامل والجراب الأسود. وأضاف: رغم أن المصوراتية في الحقب الماضية كانوا يستخدمون كاميرات أقل كفاءة، إلا أنهم انفردوا بصور ولقطات أدهشت الناس، ولا تزال عالقة بالذاكرة أو معلقة على الجدران.

تحدٍّ وموهبة
من جهته، رأى المصور حسين أري أن المصوراتي كان يمتلك موهبة نادرة مقارنة بمصور اليوم، لجهة أن الأول يعتمد على الخبرة والفنيات واستخدام الحس وتسخير الخيال في التقاط أجمل الصور وأصعب اللقطات عكس الأجيال الجديدة التي دخلت المهنة. وأضاف: يستطيع المصوراتي من لقطة واحدة وكلمة واحدة للشخص (ابتسم) إخراج أفضل صورة وبدون إمكانيات تقنية، وبالمقابل فإن من يملكون كاميرات حالياً تتوفر لهم تقنية عالية و(فوتوشوب) وإمكانية تعديل الصورة أكثر من مرة. وأردف: مصوراتية زمان يتوفرون على قدرات شخصية، مشفوعة أحايين كثيرة بعوامل الحظ والصدفة أثناء عملية تصوير مرتبطة بالتوثيق للذكريات.

الخرطوم – منهاج حمدي
صحيفة اليوم التالي