مزمل ابو القاسم

أحزاب الأسافير


دعونا نتفق بدءاً على أن ما جرى يوم أمس الأول، وما سبقه قبلاً لم يكن عصياناً مدنياً، بل إضراباً جزئياً عن العمل، سرى في جانب مؤثر من القطاع الخاص أول مرة، واضمحل مفعوله في المحاولة الثانية، لعوامل كثيرة سنحاول استعراضها في هذا المقال.
* من ينسبون الحراك للمعارضة التقليدية مخطئون، لأنه صدر من مكونات جديدة، بمقدورنا أن نطلق عليها مسمى (أحزاب الأسافير)، مثل فيسبوك، وتويتر وأنستغرام وواتساب وغيرها من مواقع وساحات التواصل الاجتماعي، التي تمثل الحاضن الأساسي لأنشطة جيل لا يكاد يعرف شيئاً عن الأحزاب التقليدية، ولا يحفظ أسماء قادتها، ولا يحفل بها، لأنه لم يجد في تلك المكونات البالية المتكلسة ما يحتضن طاقاته وأنشطته، ويعبر عن أحلامه وتطلعاته، ويتوافق مع مناهج تفكيره.

* صحيح أن المعارضة تبنت الدعوة، وسبحت في تيارها، وحاولت استثمارها، لكنها لم تكن الفاعل الأساسي فيها، كما أنها لم تنجح في تحقيق مبتغاها منها، سيما وأن الحكومة بدت وكأنها أُخذت على حين غرّة في المرة الأولى، ولم تظهر ردة فعل تتناسب مع حجم الحدث، بخلاف ما حدث في المرة الثانية، التي نالت فيها السلطة فرصة كافية لترتيب أوراقها، وحظيت بوقتٍ مقدر كي تستعد لإبطال الدعوة، سيما وأن المطلوب منها كان بسيطاً يسهل تنفيذه، وينحصر في حشد الطرقات بالسيارات لتأكيد فشل العصيان، وقد كان.

* العصاة أنفسهم لم يزعموا أنهم استهدفوا إسقاط النظام، بل سعوا لترسيخ رسالة مهمة، مفادها خطل مقولة (الشعب سيتفهم)، علماً أن الدعوة الأولى تزامنت مع حزمة قرارات اقتصادية مؤثرة، بلغت حد رفع الدعم عن الدواء، لذلك حصد (هاشتاغ) واحد، حمل عبارة (أعيدوا الدعم للأدوية) آلافا من التغريدات في ساعاتٍ معدودة، واحتل المرتبة الخامسة في تصنيف (تويتر)، أما المحاولة الثانية فقد خلت من تلك الحاضنة المهمة، فضعف تأثيرها، وقل التفاعل معها.
* هناك عوامل أخرى ساهمت في رفع معدل تأثير المحاولة الأولى، ومنها تزامنها مع بداية الأسبوع (يوم الأحد)، وبقاء غالبية من يقضون عطلة نهاية الأسبوع في الولايات القريبة حيث كانوا، بخلاف تخوف طائفة غير قليلة من احتمال حدوث انفلات أمني أول مرة.
* الفئة الأخيرة اختارت أن تلزم مساكنها وتمنع الأبناء من الذهاب إلى المدارس والجامعات، فمنحت الدعوة الأولى قوة دفع إضافية، افتقدتها المحاولة الثانية، التي جرت يوم الاثنين.

* تخفيض السقف الزمني من ثلاثة أيام إلى يومٍ واحد في المرة الثانية يشير إلى تراجع سقف العصاة، لكن الثابت أن فعلهم أثار ضجيجاً عالياً، واستأثر باهتمام غالبية السودانيين، وسبب إزعاجاً لا تخطئه عين للحزب الحاكم ومناصريه، بدليل أنه تسيد تصريحات قادته على كل المستويات.
* السؤال الكبير يتعلق بالخطوة التالية لمن تبنوا الدعوتين، هل سيعيدون الكرَّة ويحاولون تبني محاولة جديدة للإضراب عن العمل، أم يبتكرون وسيلة جديدة، يواصلون بها إزعاجهم للسلطة، مثلما فعلوا مرتين؟

مزمل ابوالقاسم – للعطر افتضاح
صحيفة اليوم التالي