الصادق الرزيقي

ثم ماذا بعد..؟


> فرغنا من أكذوبة العصيان المدني بعد انكشف المحجوب وبانت للناس المعارضة وعريها الفكري والسياسي والأخلاقي، وعرف الجميع وزنها الجماهيري ومكانتها عند الشعب السوداني الذي لفظها وأدار ظهره عن دعواتها، وليس هناك موقف يستحق أن نقف عنده أكثر من مواقف بعض الانتهازيين الجدد أمثال كامل إدريس الذي ظهر في بعض التسجيلات المرئية له من لندن غائصاً في مقعده الوثير، غارقاً في نعيمه الزائف، وهو يوجه رسائله من هناك وأيديه المرتعشة وقلبه المرتعب يتحركون كبندول الساعة، يحلم بأن تحمله رياح الطقس الاكتروني البارد من مخبئه الصقيعي في لندن إلى مقاعد الحكم الدافئة في الخرطوم.

> وليس هو وحده، فقد ذكرت تقارير أن السيد الصادق المهدي من مهجره الاختياري ما بين القاهرة التي غادرها إلى باريس، حدثته نفسه ثم حدث من حوله بأنه من باريس سيعود الى الخرطوم بعد (19) ديسمبر كما عاد الإمام آية الله الخميني إلى طهران على طائرة البيونج (767) من طراز الجامبو عام1979م، ليحل في الخرطوم، ويومها وصف أحد رجال الدين المعممين للصحافي المصري الراحل محمد حسنين هيكل عن عودة الخميني متهكما: (هاهو الإمام الغائب يعود بعد ألف سنة على متن طائرة من طراز الجامبو)!!

> ذهب السيد الصادق المهدي الى فرنسا وقد ملأت أغوار نفسه واحتلت عقله فكرة العودة على غرار الإمام الخميني، فما الفرق هو إمام وذاك إمام، وهو معارض وذاك معارض لنظام الطاؤوس الشاهنشاهي الذي توارث الحكم من أسرة واحدة لما يقارب التسعمائة عام، وذاك عاد بعد انتصار الثورة الشعبية في طهران وكان يرسل من منفاه قرب باريس في (نوفل لو شاتو) التسجيلات الصوتية على أشرطة الكاسيت لتسمعها الجماهير في شوارع المدن الإيرانية وهي في هيجانها، وهو ابن المهدي يكتب رسائله وتصريحاته ويرسلها من القاهرة وباريس لتحفظها الجماهير وتكون هي وقود الثورة النووي وإنجليها وهذه الجماهير في طوفانها وعصيانها!!

> ومثل كامل إدريس والصادق المهدي، توهم كثير من المعارضين الذين خاضوا مع الخائضين، أن يوم العصيان هو يوم عرسهم المجيد، فما تخلف منهم أحد عن الركب، ووجدوا ظهر(الواتساب) سهلاً لامتطائه، فأرسل كل منهم رسائله بالصورة والصوت أو الصوت، ودبجوا الكلمات، واستعد بعضهم للقفز في أول طائرة قادمة للخرطوم عقب انتصار الثورة الخُلب وهطول خريفها ليحل في مقامه الرفيع السامق في سدة الحكم الذي سيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملأتها الإنقاذ جوراً وحيفاً.

> لقد كانت حالة أحزاب المعارضة أقرب ما تكون للحالة البرزخية ما بين الفشل والفشل الساحق الماحق، عاشوا أوهامهم وأمانيهم السراب دون أن يفكروا للحظة واحدة في أن احتمالات الإخفاق واردة، لم يقرأوا جيداً الساحة السياسية وإرهاصاتها، ولم يدركوا جذور الإنقاذ العميقة التي مدتها في تربة العمل والإنجاز طوال سبع وعشرين سنة كانت فيها تعمل وتكد وتجتهد .. تقف مع شعبها في كل محنه وأزماته، وتتصدى لكل المؤامرات التي حيكت لإخضاع هذا البلد وتركيعه وإذلاله ونهب ثرواته.

> لم يدر السادة قادة المعارضة والمتوهمون لحكم السودان عبر رقاقات السيلكون التي حملت ملايين الرسائل والفيديوهات والتسجيلات الصوتية والبيانات والأخبار والتصريحات على محمولات الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب المحمولة والحواسيب اللوحية، أن الزمن والتاريخ والشعب تجاوزوا هذه الأحلام البائرة، ولم يلتفت إليهم سوى قليل من الاتباع الغارقين في ضلالات الأسياد والحالمين بالثروة التي توقظهم من رقدتهم وتطرق عليهم أبوابهم الموصدة وهم في انتظارها.

> فبمثلما ندعو الحكومة لمراجعة بعض سياساتها وهي تطمئن إلى تأييد شعبها بعد معركة العصيان المدني الخاسرة، فإننا ندعو السادة قادة المعارضة ودهاقنتها وكهنتها، إلى الجلوس على الأرض والتفكير بهدوء وتعمق والاستماع إلى صوت الحكمة والرأي السديد، والنظر في الحال والمآل وكسب الوقت وعدم إضاعته في ما لا يفيد أو لا ينفع، فلو أرادوا خيراً لبلادهم فعليهم مد الأيادي والتحاور من أجل الاستقرار والسلام والتصالح والمساهمة الفاعلة في فتح أفق جديد لبلادنا تحت رايات التوافق والحوار .. وإلا فإنه سيطول البقاء في الخارج ويطول الانتظار، ولسنا في حاجة لموجة جديدة من الرسائل الصوتية والمرئية الفيديوهات.

الصادق الرزيقي – أما قبل
صحيفة الإنتباهة


تعليق واحد