الصادق الرزيقي

لحظة حاسمة ..!


تبقت أيام قلائل، للوفاء بكامل ما تم التعهد به من قبل رئيس الجمهورية بعد نهاية مؤتمر الحوار الوطني وفي مقدمتها حكومة التوفق الوطني ذات القاعدة الأوسع والأعرض في تاريخ البلاد، كما سيفرغ البرلمان من التعديلات الدستورية التي يناقشها هذه الأيام ، وستجاز موازنة العام المقبل 2017 بكل مؤشراتها وحقائقها الماثلة، بجانب ذلك طوت الساحة السياسية ومشهدها ومسمعها التحركات الأخيرة للمعارضة وآخرها ما سُمِّي بالعصان المدني، ولم يبقَ إذن إلا خطوات قليلات قصيرات للعبور نحو مرحلة جديدة. فهل بالفعل هناك توجه حقيقي وإرادة جبارة لهذا العبور وبلوغ المرام بالمرحلة السياسية الجديدة ..؟ أم أننا سنستنسخ تجربتنا ذاتها ونكرر ذواتنا السياسية ونمارس عدونا وجرينا داخل حلقتنا الدائرية التكرارية دون أن ينبثق أفق جديد وانفتاح شامل وإصلاح كامل للدولة في اقتصادها وهياكلها يترافق مع الإصلاح السياسي ؟؟..
وهل يبدو في المدى الأقرب والقصير، أو بالأحرى خلال الأيام القليلة القادمة، أن هناك تحولات كبيرة ستطرأ في كل الاتجاهات تعزز الأمل المنشود وتقود الى مربع آخر؟ ..

الإجابة ليست عسيرة ولن تكون صعبة..
الإرادة السياسية لدى قيادة الدولة والحزب الأكبر في توليفة الحكم الحالية المؤتمر الوطني، متوفرة وحاضرة على إحداث التغيير وتطبيق كل مخرجات الحوار الوطني وما اتفقت عليه القوى السياسية والاجتماعية التي شاركت فيه، وحسب المعلومات المتوفرة فإن السيد رئيس الجمهورية وطاقمه السياسي في المؤتمر الوطني عكف خلال الفترة الماضية على تحديد الأُطر والموجهات وإحداثيات المرحلة المقبلة بما فيها قسمة السلطة وكيفياتها ومعايرتها وأنصبتها، بحيث تتشكل الحكومة القادمة المنفذة لتوصيات ومخرجات الحوار الوطني والمنوط بها نقل البلاد بالكامل الى باحة السلام والاستقرار والتفاهم والصعود من قعر الأزمة ..

وهنا تبرز حالة شديدة الغيوم ملبدة في سمائها بالحيرة، فإذا لم يتم إلحاق ودمج المعارضين للحوار الوطني بهذه العملية السياسية المتمخضة من الحوار نفسه فمن يضمن الاستقرار وتوقف الحرب وتحقيق السلام رغم التنازلات الهائلة التي تقدمها الحكومة في كل مرة؟ .. وعليه .. ما هي التحركات والمبادرات التي طرحت منذ العاشر من أكتوبر الماضي عند نهاية مؤتمر الحوار الوطني لابتدار مسارات للنقاش والتحاور وتقليل مساحات الخلاف مع الممانعين والمعارضين حول التوصيات وملاحظاتها ؟..
فبغض النظر عن عدم وجود أشياء ملموسة في هذا الجانب، فإن رسم معالم المرحلة المقبلة يحتاج الى عبقرية سياسية حقيقية تجعل من الحكومة تكسب نفسها بوفائها بما قطعت بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني وتوصياته، وفي ذات الوقت لا تجد صعوبة في جعل الوصول سهلاً مع المعارضين الى نقطة التقاء تجنب البلاد المواجهات والصدامات من جديد، وتبقي على الأمل مشتعلاً وحاضراً دون إبطاء .

هذا من جانب .. فاذا أُحسن التعاطي مع ما تبقى من الفترة المتبقية حتى تشكيل الحكومة والبدء في تنفيذ التوصيات، لا يعوز قيادة الدولة ما يمنع من التواصل مع المعارضين أو بعضهم لتجسير هوة الخلاف وفتح صفحة جديدة في التحاور، بسبب أن المعارضة بكل صنوفها وطعومها في موقف انعطافي حاد للغاية، فبعد فشل ما يسمى بالعصيان المدني الذي خططت له بعض هذه القوى المعارضة مع أطراف خارجية وشاك فيه طيف واسع من النشطاء والكوادر الحزبية النشطة والخاملة من اليسار واستغلال بعض قطاعات الشباب المحبط ، لم يعد للمعارضة السياسية او حتى المسلحة ما ستدخل به المرحلة المقبلة المتحولة بسرعة داخلياً وإقليميا ًودوليا ً، فالمتغير الخارجي أسرع بكثير من الجاري بالداخل، وهذا له تأثير كبير على ما سيطرأ محلياً، وكثير من قادة المعارضة يفهمون ذلك ويستوعبون لحظته التاريخية وسياقاته الزمانية والمكانية ..

عموماً ..من يمسك بالدفة الآن يستطيع توجيهها حيث أرادت الرغبة الوطنية الغالبة الحاكمة والمحكومة، وليس هناك ما هو أيسر من قراءة ما يريده الناس ، فالبلاد لا تقوى على أية اصطفافات ونزاعات وصدامات مميتة للأمل ومعيقة للتقدم نحو الوفاق والوئام الوطني، والساحة تبدو مستعدة لتقبل ما يمكن الاتفاق عليه، ومثل هذه اللحظات في تاريخ الأمم والشعوب والبلدان قليلة إن ذهبت فلن تأتي ثانية على الإطلاق وهذا منطق التاريخ ..!

الصادق الرزيقي – أما قبل
صحيفة الإنتباهة