الطيب مصطفى

الحرب على القطاع الخاص (2-2)


كنت قد تناولت شيئاً من الحمم البركانية التي صبها الأمين العام للغرف الصناعية عباس علي السيد على الحكومة التي قال إنها رغم حديثها المتكرر عن توجهها نحو خصخصة الشركات الحكومية فإنها تفعل عكس ذلك تماماً إذ تزيد من تغولها على القطاع الخاص حامية وداعمة شركاتها ومضيقة الخناق على قطاع يشهد له العالم أجمع أنه ما من اقتصاد قوي يمكن أن ينشأ ولا نهضة حقيقية يمكن أن تتحقق إلا على كتفه.

لكي نبسط الصورة دعونا نعقد مقارنة عجلى بين كوريا الشمالية التي يقوم اقتصادها بالكامل على القطاع العام والتي يكاد شعبها – جراء ذلك – يموت جوعاً وبؤساً وقهراً وبين كوريا الجنوبية التي أصبحت من حيث قوة الاقتصاد القائم بكلياته على القطاع الخاص دولة عظمى ويكفي أن نشير إلى أن رأس مال أي من شركات كوريا الجنوبية الكبرى مثل هايونداي وسامسونق أكبر من كل اقتصاد كوريا الشمالية وتلك حقيقة لا مراء فيها ولا جدال ، اهتدى إليها العالم أجمع حتى شيوعيه الذي هجر هرطقات ماركس حين أسقطت روسيا الحديثة الاتحاد السوفيتي ونظامه المتخلف وتحولت الصين إلى اقتصاد السوق القائم على مرجعيات القطاع الخاص وذلك هو ذات ما عبر عنه رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية في البرلمان بروف أحمد مجذوب حين شن هجومه الكاسح على تغول القطاع العام على القطاع الخاص وقال (إن الحكومة لم تخلق للزراعة ولا للتجارة ولا الصناعة إنما يقتصر دورها على تقديم الخدمات العامة).

إذا كنت قد قلت في مقالي السابق إن قضية تغول الحكومة وتضييقها على القطاع الخاص يعتبر أساس أزمتنا السياسية والاقتصادية فإنني لم أتجن على الحكومة ولكي أوضح فأنّي أقول إن الشركات الحكومية باتت تمثل مراكز قوى كبرى تؤثر على القرار السياسي والاقتصادي ومن المسلمات التي لا تحتاج إلى جدال أن مراكز القوى والمصالح المرتبطة بالشركات الحكومية لن تألوا جهداً في الحفاظ على مكتسباتها حتى ولو بخرق الدستور والقانون، ولعل تجربتي في قطاع الاتصالات تقف شاهداً شامخاً على صحة ما أقول فقد شاهدت بعيني رأسي كيف كان الوزراء – والله العظيم – يجتمعون وينفضون لكي يحموا الشركة الحكومية الوحيدة من إعمال مبادئ العدالة المطلقة التي كانت الهيئة القومية للاتصالات – الجهاز التنظيمي- تسعى إلى إعمالها على الجميع ولا أشك لحظة بل لا أحتاج إلى إثبات أن ذلك التدخل السافر لمصلحة أحد مراكز القوى وقتها وجه ضربة قاصمة لذلك القطاع الحيوي لا يزال يعاني من أخطائها الكارثية.

لذلك فإن أكبر معوق يحول دون إنفاذ مخرجات الحوار وبالتالي الانتقال إلى مربع جديد في مسيرتنا الوطنية هو المصالح المعوقة بل والرافضة للتغيير وتقف مراكز القوى والدولة العميقة على رأس تلك المعوقات التي تسعى بكل ما أوتيت من وسائل ومبررات وحيل للحد من التغيير الذي تخشى من أن يحمل معه كتلاً بل جبالاً من ملفات المراجعة الصارمة المصحوبة بسخائم الثأر والمرارة الناشئة عن مظالم ربما تكون قد ارتكبت خلال تلك السنوات المتطاولة وذلك ما يلقي بالعبء الأكبر على السيد رئيس الجمهورية بشجاعته المعلومة وجرأته المعهودة سيما وأنه من ابتدر حوار التغيير وأنه هو ، ولا أحد غيره ، يقوى على تفكيك هذه المتاريس العظمى والمصالح الكبرى التي ظلت تتزايد وتتمدد على مدى أكثر من ربع قرن من الزمان.

ذلك ما ينبغي أن يجعلنا أكثر صبراً على هذا البلاء العظيم الذي يواجه الرئيس المطلوب منه المضي قدماً في إنفاذ مخرجات الحوار مع تفكيك مراكز القوى الصادة له عن الانطلاق وإطلاق سراح القطاع الخاص الذي ظل سجين إمبراطورية مراكز القوى والشركات الحكومية.

أقولها بملء فيّ إننا لا نبرر تلك الأخطاء الكارثية التي سمحت بنشوء وتمدد تلك الإمبراطوريات الحكومية على حساب القطاع الخاص بل على حساب الوطن العزيز الذي تأثرت مسيرته كثيراً جراء تمدد الشركات الحكومية والحزبية بكل ما صاحبها من ممارسات غير رشيدة بسبب عدم خضوعها لمعايير ونظم الانضباط والرقابة الإدارية والمراجعة والمحاسبة التي تطبق بصرامة على الأعمال التجارية وشركات القطاع الخاص في شتى أرجاء العالم.

بالرغم من ذلك فإن كل ما ينشأ عن التغيير المنشود سواء في تفكيك مراكز القوى أو إنفاذ مخرجات الحوار الوطني من مراجعات وفرقعات تصرخ وتولول بها المعارضة المتطرفة مهما كشفت من تجاوزات يعتبر ضئيلاً جداً إذا قورن بحجم ورصيد الإنجاز الذي سيصب في مصلحة الرئيس شخصياً سيما وأن أكبر خصوم الإنقاذ – وأقصد به الإمام الصادق المهدي وليس الرويبضة عرمان وأشباهه من قوى اليسار – يدعو إلى مشروع جنوب أفريقيا الذي انتهى إلى مصالحة وتعاف وتراض سيكون معلماً بارزاً وأنموذجاً يحتذى في مسيرة البشرية جمعاء.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة


‫2 تعليقات

  1. اذا صدق الترابي عندما قال انه عندما طلب من الرئيس و قيادات المؤتمر الوطني ان يفتحوا المجال للحريات لأن دولة الاسلام قد تنزلت و على الاسلاميين ان يتنافسوا مثل غيرهم من الاحزاب و يتركوا الشعب ليقرر من يريد فالنتيجة كانت ان تبرأ الكل منه و رموه في السجن .

    انت عايز بعد 27 سنة من التمكين و التعود على عيشة الملوك و سكن القصور بعد ان كانو يسكنوا في بيوت الايجار ان يتنازلوا عن كل ذلك ؟؟
    انتوا القرآن ده ما بتقروهوا و ما بتتعظوا, و لا بس اداء واجب ؟؟؟

  2. الفترة الحالية فترة حكم تنظيم الاخوان المسلمين فهي خليط مابين رأسمالية الدولة أو طفيلية الدولة وعصابات المافيا تحت دعاوي الاقتصاد الحر أو اقتصاد السوق. فالغرض هنا تنفنيذ الدعاوي التي تقول يجب علي الدولة رفع يدها بشكل نهائي من العملية الاقتصادية وتحرير الاقتصاد.
    و هذا الكلام غير موجود أصلا في الواقع وفي معقل الرأسمالية ستندهش إذا علمت بالدور الضخم الذي تقوم به الدولة في الاقتصاد الأمريكي.
    والمعروف إن نظام الإخوان المسلمين في السودان تبني هذه الدعاوي وأصبحت ديدنه الايدولجي متخذا فلسفة اقتصاد السوق خطه الرسمي، ولكن في حقيقة الأمر إن اقتصاد نظام الإخوان يعد اقتصادا طفيليا أقرب لعصابات المافيا ولاعلاقة له بالانتاج، ولاحرية المنافسة، ولامنع الاحتكار، وحماية الملكية الفردية والخاصة ولايتسم بأي من تلك الخصائص التي تمثل السمات الاساسية لاقتصاد السوق الحر.
    فبينما تعلن الحكومة عن رفع الدعم عن كل السلع، وتحريرها بشكل كامل، في مشروع موازنة الدولة للعام المالي 2017 مما يعني المزيد من الضنك والمعاناة للمواطن المطحون منذ سنوات حكمهم العجاف هل تعلم أن أمريكا تدعم الغذاء والدواء والتعليم والطاقة والوقود والعمال والاجور والمزارعين والمنتجين؟؟؟ وكل هذه البرامج برامج فيدرالية تقوم بها الحكومة الفدرالية إضافة لبرامج أخري تطبق علي مستوي الولايات والتي تتسابق في توفير أكبر عدد من البرامج لمساعدة المواطنين من ذوي الدخل المحدود وتصرف علي كل هذه البرامج بلايين الدولارات كل عام ويمكن أن تكون سبب في فوز أو خسارة مرشح سواء للرئاسة أو الكونغرس أو حتي حكام الولايات٠ ولكن الموتور بقتل ولده لا يرى الحق والواقع فضلا عن المناداة به.