رأي ومقالاتمدارات

مروءة اهل السودان في رحلة سودانير المتجهة من القاهرة للخرطوم تثير دهشة الاجانب والمصريين


بدأت القصة حينما تم الاتصال بي واخبارى بتغيير موعد الطائرة المتجهة من القاهرة الي مدينة الخرطوم رقم الرحله 103 التي لن انساها ما حييت ……

توجهنا مسرعين انا وصديقي الى مطار القاهره فى تمام الساعه الثانيه ظهرا بتوقيت القاهرة. هنا بدأت رحله العوده فبمجرد دخولك المطار هنالك الف حكايه وما انا وصلنا بعد تعب وعناء من اجراءات على شاكلة (ملص جزمتك وشيل حزامك) والسير والجوازات الخ…..طلاع روووح- توجهنا بعدها الى صاله الانتظار على امل الاقلاع عند الساعه الخامسه …

والشئ الذي كان متوقعا هو تأخر الطائره لتصل فيما بعد عند تمام الساعه السابعه والنصف.

الغريب انه رغم هذه الاشياء تجد الانسان السوداني البسيط بشوش الوجه ينتظر بلا كلل او ملل حتى اتت صفاره الفرج بعد صبر وعناء بوصول الطائره ومن هنا بدأت العجائب ..

توجهنا الي البوابه رقم 3 كما اذكر وما ان وصلت الى الصف حتي وجدت بان السودانيين قد شكلوا صفين واحد للرجال واخر للنساء وفى المقدمه ذوي الاحتياجات الخاصه وكبار السن …..

منظر حضارى وفى قمه الروعه رغم انه كان من اواخر الاجراءات ومن بعدها التوجه الى البص وتاني قصه (ملص جزمتك وشيل حزامك…الخ).

رغم كل هذا العناء تجد السودانين الوحيدين الذين شكلوا صفين وما ان بدأ الاجراء واعاده التفتيش تجد تصميمهم وبالاجماع بان ينتظر صف الرجال حتي تنتهي الصفوف الاخرى (صف النسوان والاطفال وكبار السن).

صراحة لم اجد مثل هذا التصرف فى باقى صفوف الدول الاخرى رغم وجود العديد من الاجناس من دول اوروبا واسيا وغيرها. حقا انه تصرف ان دل فانما يدل علي شهامه وطيبه وتحضر الرجل السوداني ……

أتي الفرج وبعدها وصلت الي الباص والكل يعرف مسبقا السلوك السوداني المميز فى الباص. بان يقف الصبي ليجلس الكبير وهذا امر معروف….

ركبت الطائره صراحة كانت اول مرة أسافر على الخطوط السودانية. حقا انها ليست بذلك السوء الذي وصفوه لي. ورغم تجربتي مع العديد من خطوط الطيران الأخرى. الا اني وجدت الطائره مريحه وهادئة و لا غبار عليها……..

هنا جلست وبقربي صديقي وتعرفنا على احد الاصدقاء وجلسنا سويا نحن الثلاث. تمعنت في الركاب فوجدت بان الرحله تضم مختلف الجنسيات متوجهين نحو الخرطوم…

كان الجميع يلتزم الصمت. ورغم التعب لا تجد الا الابتسامه داخل هذه الطائره …

صراحة تعامل طاقم الطائره كان في قمه الاحترام واستقبلونا بابتسامه ورحبوا بالركاب بصوره ملفته وجميله لاتجدها فى باقى الخطوط الجويه….

هنا جلس الجميع وتوكلنا على الله بعد سماع نداء الكابتن بعد ان حمد الله وأثني عليه وعرف بنفسه وباقى الطاقم…..

ربطنا الاحزمه والكل فى لهفة ليعود الى ارض الوطن. وما ان تحركت الطائرة على المدرج وبدأت بزياده سرعتها استعدادا للاقلاع حتى تم ابطال المحرك وبدأت بتقليل السرعة ومن ثم انطلقت الصافرة حيث حدثنا الكابتن قائلا: (عذرا يوجد بداخل الطائرة مريض بحالة حرجة. ويجب العودة الى المطار ليتم اسعافه).

بعد سماع هذه الكلمات وقف الركاب على ارجلهم والكل فى حالة حزن وقلق على هذا المريض و تعاطف مع حالته واستنفار واستعداد للمساعدة.

هنا تتجلى صور شهامة السودانيين …توجه البعض مسرعا الى اخر الطائره يصيح هذا وذاك يقول (انا الدكتور فلان) وهذه طبيبه ايضا اتت مسرعة فتجمع جميع الاطباء السودانيين في محاولة لاسعاف المريض عمنا (س.ع )حفظه الله.

تجمع الاطباء ونقلوه الى مقاعد الدرجه الاولى حتي ان بعض ركاب الدرجه الاولى اخلوا مقاعدهم لاهل المريض حتي يكونوا بقربه.

هنا ايضا تتجلى صوره من الصور الجميله لهذا الشعب. توقفت الطائرة واتي الطبيب ومعه المسعفين الذين تم إرسالهم من قبل سلطات المطار بعد ما قام الكابتن بتبليغ السلطات..

تم اغلاق مقاعد الدرجه الاولى والكل فى لهفة وانتظار ليقوم عمنا (س .ع) والكل يدعو له ويواسي اهله المتواجدين فى الطائره …

فجأة تم فتح الباب وافادونا ان المريض لازم ينزل من الطائره ليتم اسعافه باقرب مستشفى. واسرع اقارب عمنا (س.ع) باخراج حقائبهم لينزلوا من الطائرة.

صراحة فى هذه اللحظه والكل فى حالة صمت ذهب عقلي وسرحت بعيدا ماذا يحدث ؟ ووضعت نفسي مكان اقارب المريض يا الله ! بدأت اسأل نفسي كيف سيتصرفون هل ياترى لديهم ما يكفيهم من المال؟ لبدايه علاج وكشف وتحاليل ومستشفي خاص؟؟؟… حينزلوا وين ؟ حينوموا وين ؟ الاسعاف رسومه كم ؟ حيرسلوا لطلب مصاريف من اهلهم وحتجيهم متين؟ واظن تلك الاسئله هى التى كانت تسيطر ايضا على اذهان جميع ركاب الطائرة.

وما ان دخل اخر ابناء العم (س.ع) الى مقاعد الدرجه الاولى وقفل الباب حتى هتف أحد الركاب (السودانيين وين؟) .

فعرف الجميع – عدا الأجانب – ما هو المطلوب بالضبط.

اخرج الكل جميع النقود والاموال التي يملكونها هذا يصيح (شيل يا زوول دي 400 ج) وذاك يقول (دي 100 دولار ). والكل يسارع فى اخراج ما بداخل جيبه من عملات…. دراهم…. وريالات ايضا……

تبرع جميع وجميع السودانيين بالطائره حتي المضيفات ايضا تبرعن في منظر أذهل كل الركاب الآخرين (غير السودانيين)…….

نعم يا سادة (الفينا مشهوده والحارة بنخوضا)…. تجمعت الاموال في لحظات حتي وجد الشخص الذي تولى عملية الجمع صعوبة في أن يحملها بكلتا يديه وهو يصيح : (الله اكبر! لسه السودان بى خيرو ولسه فينا الخير !…).

حقا انها من المناظر المؤثره التي لن انساها ما حييت……

تم جمع المال سريعا وتم تسليمه الى ابناء العم (س.ع) وهم بدورهم يعلمون بان الحال واحد وان بين ابناء البيت والوطن الواحد لاتوجد حواجز ولا احوال حتي انهم ولعفتهم ادخلوا المبلغ بأحد الشنط دون أن يعدوا المبلغ و يعرفوا حصيلة المال الذي تم جمعه. فقط اكتفوا بتبادل نظرات امتنان عميقه مع ركاب الطائره وكان لسان حالهم يقول :

(لو ما بقيت من زي ديل وااا اسفاى وااا ذلى … ) .

وبحمد الله تم اسعاف المريض واطمأن الركاب عليه فيما بعد ليعود الكابتن بصوت بشوووش و هو يوجه بربط الاحزمه…..

ولكن هذه المره اختلف الحال. نعم الكل كان يشعر بانه فى قمه السعادة من موقف السودانيين. الكل فى حالة فرح واحساس بانه يعرف جميع ركاب الطائرة……

بدأت الاصوات تتعالى (انت من وين ؟). (انا من غرب السودان). وذاك من شماله وهذه من شرق السودان وهؤلاء ابناء امدرمان وتعارف الجميع. والكل يضحك. انقلب الحال. وزى ما بقولوا الطايره كلها قلبت ونسه في جو من الحميمية و الألفة والمودة…..

تعجب بعض الاخوه المصرين و تساءل احدهم: (من هو هذا المريض هل هو شخص مشهور ام هو ممثل محبوب؟كيف تفعلون كل هذا مع شخص لا تعرفونه؟). لانه ذهل مما رأي بام عينه من موقف يجسد طيبه وشهامه الشعب السوداني وهو يضحك ويصيح (انتو اكيييييد بتهظروا انتو بتعرفوو بعضكيووو من امتا؟).

عم الفرح والسرووور. الكل يضحك ويعبر عن فرحه. ويتعارف مع الاخرين تبادلوا البسمات والضحكات حتي بعض الاطعمه ( جيب تسالى … جيب بلح ….).

صاح احد الركاب وهو يضحك
(ياااا اخوووانا نحنا سودانييييين ودي طياره سودانيه والبيت بيتنااااا والطياره حقتنا ).

حقيقة مدة الطيران كانت ساعتين مروا وكأنهم دقيقتين …

هنا حقا تجلت كل الأسباب التي تدعو الإنسان بان يفتخر بكل ما هو رمز وطني و قومي….

تساءلت لماذا لاندعم الخطوط الجويه السودانية و نفضلها على غيرها في سفرياتنا و نكون من عملائها الدائمين ……من منطلق وطني بحت لخدمة الصناعه الوطنيه وكل ما يخص الوطن و كل ما من شأنه أن يؤدي لرفعة وعزة السودان….

نحن شعب لا ينقصنا شئ لنكون الافضل بين الشعوب فالسودان يحتاجنا جميعا لنقف معه ..

وهنا اظن بانني عرفت واستنتجت سبب تأخر هذه الرحلة والعلم عند الله واظن السبب يعود الى قلة عدد الركاب لذا فكرت الشركة في دمج الرحلتين فى رحله واحده …

والسبب واضح وهو عدم ثقتنا بمنتجاتنا الدوليه وصناعتنا وإيثارنا لكل ما هو أجنبي …

هنا ايها الساده اختم ما بدأت به. الخطوط السودانية عادت اليكم من جديد وان شاء الله كلنا نعود لاقدم خطوووط عرفتها افريقيا ونرجع زي ما كنا فى الاول …

وان شاء الله كل صناعتنا ومنتاجتنا ووضعنا يتحسن.

(إيد على إيد تجدع بعييييد) وبنرمي قدام !

بقلم : المهندس / احمد بله عباس
احد ركاب الرحله 103 .


‫8 تعليقات

  1. الموقف جميل ما اختلفنا فى كدا ….
    لكن في حالة حدوث حالات طوارئ لابد من وجود نصوص وإجراءات تتبع ولا يترك الأمر للجودية .. توجد سفارة في القاهرة وهي مسؤولة عن جميع ما يحدث لمواطنيها اصحاء كانوا أو مرضى ..
    لاحظ يا أخي أن كل حياة السودانيين يغلب عليها طابع الجودية والرجالة .. أما النظم والاجراءات والقواعد لا وجود لها في حياتنا عشان كدا الميزانية ماشة بالدفرة حال البلد ماشي بالدفرة علاقاتنا الخارجية كلها مواقف مراتجلة ولا تحمل استراتيجية واضحة .. مختصر الكلام انو حال البلد كلو ماشي بالدفرة والجودية ..
    أعود وأكرر أن الموقف جميل .. ولكن لنفترض أن ذلك لم يحدث .. ماذا سيفعل أهل المريض .. ولو ما كان معاهو مرافق ايه ح يحصل .. هل يوجد أي التزام من البعثة الرسمية تجاه هذه المواقف ..
    للمزيد من النقاش…

  2. يا باشمهندس أحمد بله .. ياها دي أخلاقنا وطبيعتنا واعرافنا .. نسأل الله يصلح الحال …
    قرأت في جريدة النيلين قبل 3 سنوات في الموقع ده أفتكر عن عطل حصل لقطار ركاب كان عابر مدينه من مدن السودان وأخذ يوم أو يومين لاصلاحه ولكن رجل من تلك المدينه عندما تعطل القطار ورأي الكل في حوله للأكل والنوم ما كان منه إلا أن نزل جميع ركاب القطار واستضافم وضبح ليهم الضبايح وافترش ليهم ما بملك وما يملك أهل الحي علي غالب ظني .. فأعجب ذلك الموقف من هذا الرجل أحد الشباب القطار فما تردد أن يذهب إليه ويساله أن كان عندو بنات للزواج حبا في هذا الرجل وكرمه..

  3. المهندس احمد بلة نشكرك على نقل الموقف النبيل
    لكن من هو المتسبب في ان سودان اير لها طائرة واحدة او اثنتان فقط ؟؟؟؟؟
    من هو المتسبب في تردي اقدم خطوط في افريقيا ؟؟؟؟؟
    ومن هو المتسبب في العقوبات الامريكية التي بسببها لانستطيع شراء طائرات جديدة او حتى قطع غيار لطائراتنا القديمة فاصبحت تتساقط كاوراق الخريف ؟؟؟؟
    من هو المتسبب في تخلفنا في وقت نهضت فيه جميع الامم من حولنا ؟؟؟
    حسبي الله ونعم الوكيل

  4. اقبح شيء في الخطوط السودانية هي تاخر الرحلات عن مواعيدها ولا عذر في ذلك ويجب ان يتعلموا كيف يحترم العالم المواعيد

  5. السلام عليكم الاخوة المتداخلين والذين يحاولون رمي اللوم على الحكومة وخلافه اولا الحكومة غير مبراة نعم الاان ذلك لا ينفي ان يتقاعس الناس والاكل يقو لوانا مالي فهذا هو مالنا وحالنا اذا تاخرت الطائرة او تعطلت فهي طائرتنا فيجب الوقوف معها وان كان القائمين عليها غير جديرن بها وربنا يصلح الحال ونعود كما كنا وووووو.