تحقيقات وتقارير

تدمير النخيل بالشمالية.. مَن المسؤول؟!


على نحو مُفاجئ.. فُجع مواطنو دنقلا العجوز شرق الدبة بمناطق “المقاودة، الغدار، أمنتقو، حوض لتي، عرب حاج وناوا” هذا العام بتدني إنتاج التمور بصُورة مُخيفة جداً، فيما خَرجت بَعض المَزَارع بجوالٍ واحدٍ فقط، خرج البعض الآخر منها بلا شئ، علماً بأنّ التّمر من المَحَاصِيل النّقدية في المنطق ويعول عليه

الكثيرون في تدبير سَبيل عَيشهم وتَعليم أبنائهم، بلَ حتى علاجهم..

يزرع النخيل على ضفاف النيل في مناطق واسعة بالولاية الشمالية تمتد من مروي وكريمة حتى وادي حلفا، ويشكل انتاج النخيل المصدر الرئيسي للغذاء، كما يستخدم النخيل بأجزائه المُختلفة في كل ما يهم حياة إنسان الولاية.. يمثل النخيل في الولاية الشمالية 54.5% من تعداد النخيل في البلاد البالغة حَوالي (8) ملايين نخلة، كَمَا يمثل إنتاج التُّمور بالولاية حوالي 63% من إجمالي التمور في السودان على حسب آخر إحصائية تمت.

هنالك سببان لا ثالث لهما خلف تدني إنتاج التمور هذا العَام والعَام السّابق.. هذا ما قاله محمد علي القاضي (ود الفكي)، أولاً لعدم مُكافحة الآفات من قبل

الجهات المَعنية، فمنطقة دنقلا العجوز تُعاني من تجاهل المكتب المسئول عن مكافحة الحشرات لأهميته ودوره في المكافحة، بينما تسرح الحشرات وتمرح فى

كل المحاصيل دون استثناء. ويبقى المسئولون في مكاتبهم لا يُغادرونها.. وفيما عدا الجهة المُختصة بمُكافحة الحشرة القشرية التي تقوم بعملها على أكمل وجه فلا حياة لمن تُنادي.. إهمال الدور الوقائية لبقية الآفات جعل المزارعين يقومون باستجلاب المبيدات واستخدامها دون درية بطريقة الاستخدام فربما يزيد

المبيد على الحد المطلوب فيؤدي لضرر أو يقل عن المطلوب ولا يأتي بفائدة.. هنالك نمل الهنشل بحجم النحل يعيش على جذور النخل خطر لدرجة بعيدة، حيث يبدأ بنهش النخل ويأكل عروقها فيبدأ طرح النخيل يقل بتدريج..

اما السبب الثاني فهو البرد الشديد في العام السابق الذي تزامن مع وقت التلقيح، فحين تصبح النخل جاهزةً للتلقيح فإن البرد الشديد يؤدى لتساقط التمر (النوار)..

ضربة موجعة
ابتدر عثمان محمد علي صديق من منطقة كدكول حديثه قائلاً: قل الانتاج لهذا العام بنسبة تتجاوز الـ 66% إن صح تقديرنا، بل انعدم في بعض المزارع تماماً رغم كثرة أعداد النخيل الذي يتجاوز المائتين نخلة في بعض المزارع، مُشيراً لإطلاق كلمة مطمورة بدلاً عن النخلة في إحصاء اعداد النخيل لوجود عدد من الاشجار فى حفرة واحدة، ويعزى البعض قلة الانتاج هذا الموسم الى ان موسم تلقيح النخيل تزامن مع موجة بارد قارسة، حيث لا تنجح عملية التلقيح في مثل هذه الظروف، واضاف عثمان اياً كانت الأسباب فإنها تركت تأثيراً اقتصادياً واضحاً على اهل المنطقة، في الموسم الماضي كان الإنتاج وافراً والأسعار متدنية.. وهذا العام الأسعار مرتفعة والإنتاج قليل، ومعلوم أن التمر هو المحصول النقدى رقم واحد لأهالي المنطقة يليه الفول المصري الذي يجد

حالياً مُنافسة منقطعة النظير من الفول الحبشي والانجليزي جعلته يتقهقر للخلف وان كانت الدلائل والبراهين تشير هي الأخرى الى قلة انتاج الفول

كذلك هذا العام، حيث ان عدداً كبيراً من المُزارعين قاموا بتلجين مزارع الفول بمعنى بيع المحصول كعلف لحيوانات بعدما تبيّن لهم على حسب المؤشرات ضعف الإنتاج هذا العام، اما بالنسبة للقمح فإنّ تكاليف إصلاح الأرض والتقوى والري عالية جداً جعلت العديد من المزارعين يعزفون عن زراعته ماعد

القليلين الذي يمتلكون الأرضي.

أرزاق
عبد الرحيم خليفة برير رئيس مجلس ادارة مشروع حوض لتي الزراعي قال: ليس هنالك سببٌ واضحٌ لتدني الإنتاج حتى الحشرة القشرية تمت مكافحتها، هنالك مناطق غير مُصاحبة بالحشرة القشرية قل الإنتاج فيها والنخيل بصحة وعافية لا يُعاني أياً من الأمراض، أعتقد ان انخفاض الإنتاج أرزاقٌ.. في الموسم الماضي كان الإنتاج فوق ما يتصوّره العقل نسأل الله عز وجل ان يعوِّض اهل المنطقة خيراً..

تدني الإنتاج في بعض المناطق بنسبة 50% يعتقد البعض أن السبب في ذلك سد مروي، لكن الواقع يقول إنّ هذا هو حال الزراعة، يختلف الإنتاج عاماً عن

الآخر فيفيض الإنتاج أحيانا ويقل أحيانا أخرى،

وختم البرير بقوله: الاستخدام الخاطئ للمزارعين للمُبيدات أدى لموت بعض الحشرات النافعة، في الماضي كانت هنالك حشرات نافعة تقوم بأكل الحشرات التي تضر بالمحصول لأن الاستخدام الخاطئ ادى لموتها بدلاً عن تلك الحشرة الضارة.

كهربة المشاريع
محيى الدين شيخ محمد أحمد منطقة المقاودة عزا قلة الانتاج لعدم وجود كهرباء في المشاريع الزراعية الخاصة، وقال إنّ عدم وجود الكهرباء يقف حائلاً أمام المزارعين لرى المزارع الخاصة بهم مما يجبر العديد منهم لاستخدام الاسلوب البدائي في الري (الري بالجوز) فى اشارة (للباقات التي تُحمل على الأكتاف)، الري عن طريق الطلمبات كما هو الحال فى بعض المناطق مكلف جداً لارتفاع سعر الوقود مُقارنةً بسعر الكهرباء، لذلك اعتقد انّ عدم كهربة المشاريع الخاصة السبب الرئيسي لقلة الانتاج رغم المساعي والجهود

المبذولة من أهالي المنطقة فمازالت العديد من المشاريع دون كهرباء، ولابد من التفات الجهات المُختصة بحكومة الولاية لأمر الكهرباء من اجل رفع الانتاج لكافة المحاصيل المنتجة في المنطقة، واضاف محيى الدين: في العام الماضى وبعد حوالي شهر من عملية التلقيح حدثت موجة برد شديدة في مرحلة (الدفيف) قبل ان يتحول التمر لرطب مما ادى لتساقط الكثير منه نتيجة البرد وتدنى الانتاج، ادى في المقابل لجودة التمر فكلما كانت حصيلة الانتاج كثيرة قلّت الجودة وبالعكس، لا يهتم العديد من المزارعين بمكافحة الآفات ويمتنع البعض حتى الوقوف بجانب الحملات الخاصة بمكافحة الآفات بتجهيز الأرض وريِّها لمساعدتهم على عملهم.. تدنى الانتاج هذا العام امتحانٌ من الله عز وجل، ففي العام قبل السابق كان الانتاج وفيراً لغاية للحد الذي امتنع فيه من يقومون بحصد التمر الجاو لقلة العائد منه.

الورثة
أرجع مدير إعلام وقاية النباتات ومدير الحملات بوزارة الزراعة الاتحادية عبد المنعم عوض الله قلة الانتاجية بالمنطقة لعدم الاهتمام والعناية بالتمور، وقال متحسراً على حال أشجار النخيل: للاسف فإن معظم النخيل ميراث لا يجد الاهتمام والعناية من نظافة وري وتلقيح من اصحاب الحق، حيث ان معظمهم من المهاجرين تقتصر علاقتهم بالنخيل على موسم الحصاد، بينما يتكاسل الموجودون منهم عن العناية بالنخيل فقط، أضف لذلك نجد أن مُعظم النخيل كبير في السن، فقد تجاوز البعض منها المائة عام حتى مال أو مات، حتى النخيل الميت لا يتم استبداله بآخر كما هو مُتّبعٌ في مثل هذه الحالة، واضاف عبد المنعم: قمت بزيارة لمنطقة كدكول قبل فترة لم أجد سوى خمسة رجال فقط بالمنطقة، علماً بأن القرية بها قرابة التسعين بيتاً، كنت بجاحة لمن يقوم بتشغيل “البابور” لري إحدى المزارع فلم أجد أحداً، حيث يقتصر دور المزارع في الحملات التي تقوم بها وزارة الزراعة الاتحادية فقط على عملية تنظيف النخيل من الجريد والري فقط، بينما تقوم الوزارة بكل عمليات المكافحة، خاصة الحشرة القشرية الخضراء مجاناً وتتحمّل كافة تكاليف المُكافحة التي تتم بواقع حملتين في العام احدهما في الصيف والاخرى في الشتاء وتوفير العربات والوقود والعمال،

وترصد الوزارة سنوياً لأعمال المكافحة اثنين مليار جنيه، ودلل مدير الحملات بوزارة الزراعة الاتحادية عبد المنعم عوض الله عدم الاهتمام بالنخيل، وبالمناطق التي تقع في التروس العليا تجد الاهتمام والعناية، كما هو الحال في لتي قسم (1) ولتي قسم (4) ولتي قسم (2) والغدار جنوب، حيث نجد ان الانتاج فى هذه المنطقة وافر للغاية، واستبعد ان تكون التغيرات المناخية المصاحبة لسد مروى له دور فى قلة الإنتاجية كما يشاع احيانًا وهذا غير صحيح، ودونكم انتاج التمور في منطقة ابو حمد القريبة جداً من السد وبقية المناطق.. انعدام الإنتاج وضعفه في المنطقة بسبب عدم الاهتمام لا غير ..

وجلست لعددٍ من المعتمدين في المنطقة لمناقشة

المشكلة، حيث توصلنا في نهاية الأمر الى ضرورة سن لوائح وقوانين تجبر المزارعين للاهتمام والعناية بالتمور ومكافحة الآفات على ان يتم حظر المُزارع

التي لايستجيب اصحابها للوائح لصالح المحلية، على ان تتولى المحلية العناية بالتمور وتنظيفها وريّها ومُكافحة الآفات فيها وفي موسم الحصاد تقوم

المحلية باستيراد تكاليف الأعمال التي قامت بها واسترجاع المتبقي لصاحب المزرعة، حيث ان التمور ناتج قومى لابد من المحافظة عليه.

دارسة
قبل أربعة أعوام قام فريق بحث متكامل من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا – كلية الزراعة بالاشتراك مع وزارة الزراعة الولاية الشمالية وكلية الزراعة جامعة دنقلا وهيئة البحوث الزراعية لتقيم الوضع الفلاحي والآفات والأمراض في نخيل التمر بالولاية الشمالية، تمت الدارسة بناءً على مقترح من وزير الزراعة بالولاية، حيث شملت محلية الدبة الضفة الشرقية دنقلا

العجوز كدكول، الغدار، المقاودة، حوض لتي، عرب حاج، امنتقو وناوا، وحسب الدراسة فإن السمة الغالبة في الولاية عدم ري اشجار النخيل وان تمت في بعض المناطق فإنها تتم مع المحاصيل الأخرى المزروعة أسفل النخيل تلاحظ انخفاض عدد الريات خاصة في الأرض الملك، الوراثة في الغالب لا يتم ري اشجار النخيل وان تم فإن متوسط عدد الريات فيها فى حدود (6 الى 12) رية في العام، ويتم الري من النيل الرئيسي عن طريق الطلمبات، ويلاحظ ان عدد

الريات قليل لارتفاع اسعار الجازولين والاسبيرات فى بعض المناطق، ويعتبر انحسار النيل عن المضرب من المشاكل الرئيسية، لا يقوم المزارعون بعملية خف

الثمار رغم اثرها على زيادة الإنتاج ورفع نوعية المنتج.. التسميد سجل غيابا تاما فى كل مناطق الولاية التي شملها المسح إلا في مناطق محدودة يستخدم السماد الكيماوي والعضوي والمزارعون غير ملمين بأهمية التسميد وليس لديهم اية معلومة بحثية عن الحشرة القشرية، فحين بلغت نسبة الإصابة بهذه الآفة 22,7%، وترتكز الإصابة في محلية الدبة شرق، دنقلا العجوز بنسبة اصابة بلغت 100%، فيما بلغت الاصابة بالأرضة 83% ونمل الهنش

67% والحشرة القشرية البيضاء 67% والفار 42% وعنكبوت الغبار 33%، وأوضح المسح كذلك وجود مرض التدهور البطئ الذي سجل نسبة تراوحت ما بين 50% الى 60% في مناطق كدكول والغدار والمقاودة

وامنتقو وناوا، بينما تراوحت نسبية الإصابة ما بين 20 – 30% في عرب حاج ولتي.

واوضح المسح كذلك أن 66% من المزارعين لا يفرقون ما بين المرض والآفة الحشرية وان اكثر من 53% من السواقي بالمحلية لا تتم فيها اية رعاية

او عناية وانخفض الانتاج باكثر من 70% في حوالي 10% من السواقي التي فحصت، بينما تدنى الإنتاج بنسبة 40% الى 50% من السواقي تحت المسح، وتلاحظ انخفاض الانتاج لعدم وجود ري مُنتظم، واتضح كذلك من نتائج المسح ان معظم تكاثر

النخيل يتم عن طريق الشتول (الفسائل) مع غياب تام لمشاتل بالولاية وتدهور مريع في هذه الشجرة المعطاة بسبب الإهمال وعدم الاشراف والغيابالتام للبشر فى المناطق التي تمت زراعتها.. ومعظم الأشجار أصبحت مُعمّرة وخرجت من الإنتاج، بينما تراوح الإنتاج ما بين ضعيف الى ضعيف جداً الى جيدٍ.

استزراع
الخبير الاقتصادي والأستاذ المشارك بجامعة المستقبل الدكتور محمد الناير، قال انه لم تحسب مشاركات التمور بشكل واضح في الناتج القومي من قبل البنك

المركزي، فمعظم التمور المُنتجة يتم استهلاكها محلياً فيما عدا بعض المُحاولات الصغيرة من بعض الشركات لتصدير التمور السودانية وتمتاز الولاية الشمالية بانتاج انواع جيدة، وكنا نتوقع ان يساهم

مطار مروي احد المشاريع المصاحبة لسد مروي في النهوض بالصادرات الزراعية المنتجة بالولاية الشمالية ونهر النيل، لكنه لم يسهم بالشكل المطلوب في خدمة

التصدير وحتى تساهم التمور المنتجة محلياً في الاقتصاد الوطنى والمحلى بشكل ملحوظٍ، لابد من استزراع مساحات واسعة بعشرات الملايين بدلاً عن

المساحات المحدودة التابعة لأفراد.

تحقيق: زينب أحمد
صحيفة التيار