منوعات

الإحباط الوظيفي.. قلة في التركيز وانفعالات زائدة.. واقع مرير


وكأن صعقة من التعاسة والاكتئاب تصيبنا حال رؤيتنا لهم في أي زمان ومكان، إذ تنضح نفوسهم الفجاجة التي ترسمها مخيلتهم ويسلتذون عندما يسممون أفكار من حولهم بجرعات الإحباط القاتلة لخلايا الأمل، وكأن لسان حالهم يقول كما نظم الشاعر أحمد الصافي النجفي: “لا شيءَ يُرضيني ولا أرضيهِ.. الكون لي خصمٌ بما يحويهِ”.. ولإلقاء الضوء على ظاهرة الإحباط الوظيفي استطلعنا بعض الآراء، بجانب روشتة نفسية من مختص في الشأن.
في مجرى الحديث يقول حمزة السماني (أعمال حرة) لـ (اليوم التالي): تركت الوظيفة لسببين، الأول والرئيس أن قيمة الراتب لا تتناسب مع منصرفاتي اليومية ما يجعلني دوما أبحث عن مخارج أخرى، والسبب الثاني هو بند المحسوبية داخل المرافق الحكومية، تجد موظفين في ذات الدرجة أحدهما يمتطي سيارة ورصيد وله ما يشاء وقرينه لا يملك غير مرتبه. واستطرد: مثل السلوك يولد الغبن بين الزملاء بجانب أنه يبعث الإحباط في دواخل الفرد بالتالي يراوده الإحساس بعدم تقييم مجهوداته وقتئذ يبدأ التمرد وتكثر الأعذار، منا من يستمر بهذا النهج وآخر يترك الوظيفة نهائيا، وربما يكون أفضل وأنفع له كما حدث معي بالضبط. وختم السماني: في اعتقادي عدم الرضا الوظيفي قطعاً يؤثر في التنمية والتقدم في كل المجالات، كون معظم الموظفين والعمال تصيبهم نوبة اكتئاب وبدورها تحد من إمكانياتهم، لذلك اختار أكثرهم الهجرة.
إحباط مهني
من جهتها، وافقته الرأي سهام آدم (موظفة) بقولها: بالفعل أنا أعمل حتى أسير أمور معاشي فقط، وفي الوقت ذاته لا أقتنع بوظيفتي ولا براتبي نفسه، لكن لا خيار لدي في الوقت الراهن غير الصبر ريثما أجد حلا آخر. وأضافت: أسعى إلى الهجرة كغيري مع أني كنت أخالف الفكرة سابقا، لكن ما آل إليه حالنا يجبرنا أن نفكر في انتشال أسرنا من بئر العوز بأي شكل حتى ولو بهجر الوطن. في هذا المنحى يقول بروفيسور علي بلدو استشاري الطب النفسي والعصبي وأستاذ الصحة النفسية لـ (اليوم التالي)، إن معظم الموظفين في السودان يعانون عدم الرضا الوظيفي، والإحباط المهني في القطاعين الخاص والعام، ويرجع ذلك إلى عدم الاقتناع بالوظيفة، بجانب شعور الموظف بأن ما يتقاضاه لا يتناسب مع جهده وما يوكل إليه من تكليفات، علاوة على الإحساس بالظلم تجاه لوائح الحوافز والنثريات والدورات الخارجية والداخلية، أما الوظائف التي يطبق فيها نظرية (الخيار والفقوس الوظيفي) الذي استشرى في الآونة الأخيرة، انعكس على نفيسة الموظف والعامل، وجعله يعاني الأمرّين في المجتمع والمنزل، وكذلك في الوظيفة، منددين بشعار (الشغلة ما شغلتنا لكن الظروف جبرتنا). وأردف حديثه: يعود ذلك إلى عدم توظيف الشخص المناسب في المكان المناسب بجانب ضيق مواعين العمل، زد علي وجود تخصصات لا تتناسب مع سوق العمل، بالتالي تسكين كثير من الموظفين والعمال في وظائف لا تليق بقدراتهم العالية ما يهدر وقت البلاد والعباد ويقعد بدولاب العمل. ويؤكد المختص النفسي علي بلدو إصابة أكثر من 80% من الموظفين والقوة العاملة في السودان بعدم الرضا الوظيفي والإحباط المهني، الذي بدوره يؤدي إلى الغبن والشعور بالاكتئاب النفسي والقلق والخوف المهني، وعدم القدرة على الاستمتاع بالحياة وقلة التركيز بالإضافة إلى الانفعالات الزائدة.
ليدو وكشتينة
في سياق متصل، يقول بلدو: ما أسلفت ذكره بالتأكيد يؤثر سلبا في العمل مثل كثرة الإجازات والأرانيك المرضية، بجانب الأعذار الحقيقة والمختلقة لتبرير الغياب، وكذلك إطالة فترة تناول الإفطار أثناء الدوام والذهاب إلى الصلاة ومن بعدها التلاوة أو حضور مناسبات اجتماعية أخرى، ومنهم من يحاول إعاقة سير العمل بتخريب الأجهزة أو تجاهل طلب أجهزة جديدة أومعينات أخرى من أجل حصوله على إجازة غير حقيقية، كما يساند ذلك الموظف في الشعور الدائم لديه بأنه يقدم شكاوى بسبب السلفيات أو اللجو إلى التظلم الإداري والمهني، وبالتالي يؤدي ذلك إلى تضييع الوقت في الشكاوى والاستئنافات ولجان محاسبة وغيرها، وجل هذا يهدر موارد الدولة وعدم الاهتمام ببيئة العمل وتأمين المرافق الحكومية والخاصة، زيادة على استهلاك المياة والكهرباء والاتصالات، محذرا: من انتشار وسائل التواصل داخل المكاتب واللهو بمواد التسلية (كالليدو والكتشينة)، ويصفه بأنه مؤشر خطير جدا على استشراء الإحباط الوظيفي.
مشورة دائمة
إلى ذلك، يختم استشاري الطب النفسي علي بلدو إفادته لـ (اليوم التالي) مؤكدا استمرارية وتزايد الإحباط المهني وعدم الرضا الوظيفي بمتوالية هندسية في غضون الأيام المقبلة، نتيجة تخبط السياسات وعدم استصحاب الجانب النفسي والاجتماعي لدى الموظف أو العامل، ولعل ارتفاع نسب الطلاق أيضا من مؤشرات عدم الرضا الوظيفي. ويرى بلدو أن الحل يتمثل في المعاينات النفسية قبل التوظيف، بجانب تقديم دعم ومشورة دائمة لكل الموظفين المرؤوسين والرؤساء لكيفية التعامل.

اليوم التالي