حوارات ولقاءات

طه الحسين: (الرئيس فيهو بركة)، وهو رجل صادق لا يكذب حتى في أوقات المزاح


في الجزء الثالث من مقابلته النادرة مع (اليوم التالي)، يمضي مدير مكتب رئيس الجمهورية الفريق طه عثمان ليشرح كيفية العمل السياسي المتناغم لأجهزة الدولة في جميع القضايا الاستراتيجية، ويقول إن المؤسسات المختلفة “تعمل كفريق يقوده الرئيس البشير، ويوزع فيه الأدوار بمهارة قائد الأوركسترا الموسيقية”، مشيرًا إلى الدور المحفوظ الذي قامت به وزارة الخارجية بشأن قرار الرئيس أوباما برفع الحظر الجزئي على السودان، إلى جانب دور وزيرها البروفيسور إبراهيم غندور في اللجنة المكلفة بملف التفاوض مع الأمريكان، إلى جانب أدوار أخرى قام بها سفراء السودان في البلدان المختلفة.
في ثنايا الحديث، أشار طه إلى الانتصار الذي حققته الحكومة، لكنه استبعد أن يستغل للاستقواء ضد المعارضين لها، وقال إن (الحوار الوطني) نفسه (صفّر عداد الإنقاذ)، ومثّل بداية ثالثة لها.
في الجانب الشخصي الذي تطرقت له المقابلة، سخر الفريق طه مما تردد حول امتلاكه لعقارات وأموال طائلة تم تحويلها إلى حسابات سرية عبر بعض البنوك العربية؛ وقال إن كل ذلك “أكاذيب رخيصة”، وتساءل: هل يستطيع أي سوداني أن يحول ملايين الدولارات في وقتٍ كانت المؤسسات المالية للدولة نفسها تعاني الأمرين في أمر التحويلات؟ إليكم الجزء الثالث من المقابلة..
– تحدثت عن أنك مستهدف، وأن الحملة التي حدثت ضدك كانت منظمة، كيف تعاملت معها؟
* تعاملت معها بكل برود؛ لأن صاحب القرار يعرف مقاصدها، ويدرك مراميها، ويعلم أنني لم أتجاوز حدود تكليفي مطلقاً، أنا أعمل مديراً لمكاتب الرئيس، وأنفذ توجيهاته حرفياً، ولا أخطو أي خطوة إلا بعلمه وموافقته، الملف الذي بيدي حالياً كلفني به الرئيس، وهو الذي أمرني بمتابعة أمر العلاقة مع دول الخليج، وأنا راضٍ عن نفسي، لأنني أشعر بأنني كنت عند حسن ظن الرئيس بي، وأنني نفذت ما يرغب فيه، علماً أنني أعود إليه في كل صغيرة وكبيرة، ولا أفعل شيئاً إلا بعد أن أتلقى أوامر البشير شخصياً، وذلك أمر طبيعي؛ لأنه صاحب التكليف.. لم أنزعج لأنني أعرف كيف يفكر الرئيس، وأدرك أنني استهدفت بسبب ثقة الرئيس في شخصي، لكن تلك الحملة كانت مزعجة لأسرتي الصغيرة، وأثرت في أبنائي وبناتي، لكنها لم تزعجني بتاتاً، وكنت أقول لأبنائي أنا خرجت للعمل العام، ومن ينبري للعمل العام عليه أن يتحمل ويوسع صدره للقيل والقال.
– ذكروا أنك امتلكت عقارات وحولت مبالغ طائلة لحسابات سرية عبر بعض البنوك العربية؟
* هذه أكاذيب رخيصة، بالله عليكم هل يستطيع أي سوداني أن يحول ملايين الدولارات، كما أشاعوا، في وقتٍ كانت المؤسسات المالية للدولة نفسها تعاني الأمرين في أمر التحويلات، فكيف ينجح فرد في تحويل كل تلك المبالغ.. حتى في السودان، لو أودعت مبالغ ضخمة في حسابك البنكي سيثير ذلك الشكوك، من هاجموني لم يستثنوا أشقاء الرئيس، مع أن أشقاءه كانوا حريصين على أن يستأذنوا قبل أن يزوروا شقيقهم، تقديراً لمشاغله العديدة ومهامه المتعددة، حتى عندما أجرى الرئيس عملية قسطرة مؤخراً، طلب شقيقه علي حسن زيارته، واستأذن قبل أن يصله، واستفسر هل ذلك ممكن.. هذا يدل على تقديرهم الشديد له، واحترامهم لوقته الثمين، أنا أسأل: لماذا ينتقدون طه عثمان ولا ينتقدون غيره، هؤلاء، كما ذكرت، يستهدفون الرئيس.. سمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي نفسه علّق على الهجوم الذي تعرضت له، وقال إن تلك الحملة تستهدف تحريض الخليجيين على عدم التعامل معي، مثلما تُستهدف الإمارات نفسها.
– ما رؤيتك للعام الجديد، هل أنت متفائل به؟
* نعم، أنا متفائل جداً؛ لأن بداياته جيدة بالنسبة للسودان نفسه، وأولى بشاراته رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن السودان، والسماح لبنوكه بالعمل مع كل بنوك العالم، السودان سينطلق بحول الله بالخطوة السريعة خلال العام الجديد، طالما أن علاقتنا مع كل الدول قوية، وعلى رأسها أهم دولة بالنسبة إلينا، وفيها قبلتنا، وأعني بها السعودية.. السماح بالتحويلات البنكية سيسهل لكل الشركات الكبيرة أن تدخل السودان وتعمل فيه، وسيسهل حركة الصادرات والواردات، وسيمنح المستثمرين الأجانب فرصاً إضافية ويشجعهم على العمل في السودان، وسيشجع المستثمرين الوطنيين الذين كانوا يعانون الأمرين لاستيراد مدخلاتهم.. أقول بكل ثقة إن السودان أحسن التعامل مع سنوات الحصار، وصمد بقوة، وتجاوز محطات عسيرة بصبر وقوة إرادة أدارت الرؤوس، كثيرون توقعوا للإنقاذ أن تنهار بسبب الحصار، وذلك لم يحدث، توقعوا لنا أن ننكسر في مواجهة التمرد، وانتصرنا وفرضنا كلمتنا، وحافظنا على أرضنا.. والسبب حسن القيادة، وقوة الإرادة، وحرص الرئيس على إدارة كل الملفات الاستراتيجية بنفسه، هناك دول قريبة منا لم تعانِ من أي حصار أو عقوبات دولية، ومع ذلك تأثرت اقتصادياً، وقفز سعر الدولار فيها بقوة، لأن متغيرات الاقتصاد العالمي أثرت عليها، كنا محاصرين ومحاربين، وممنوعين من التحويل، كنا ندفع أربعة في المائة من قيمة أي تحويل يتم بأي عملة أخرى، علماً أن التحويل يتم بلا رسوم تذكر عندما يحدث بالدولار، ونعاني الأمرين لكي نوفر أهم السلع الاستراتيجية للمواطنين، وبحمد الله أفلحنا في إدارة ملف العقوبات باحترافية كبيرة، وصمدنا حتى تجاوزناها بنجاح، والفضل يعود من بعد المولى عزّ وجلّ إلى السيد الرئيس، وهو يستحق التهنئة على حسن قيادته للبلد في سنوات المعاناة والحصار.. كنا نعاني في استيراد الدواء والوقود والقمح، من حاصرونا استهدفوا قتلنا بالموت البطيء، ولم يفلحوا بحول الله، ولأننا نلنا دعماً مقدراً من أشقاء كرماء أعانونا في أوقات الشدة، لذلك كان طبيعياً أن نشكرهم، ونقول لهم: (ما قصرتم)، وننوه بفضلهم، ونوضح لهم أننا ممتنون لدعمهم لنا.
– هناك تخوف من أن يتم تجيير المستجدات الحالية لمصلحة النظام الحاكم، ليستقوي على خصومه ومعارضيه بعد أن تجاوز أكبر عقبة كانت تواجهه منذ عقدين كاملين، ما رأيك؟
– الإنجاز الذي حدث مؤخراً سيُجيّر لمصلحة الشعب، ولن يُستغل ضد المعارضين، الحكومة ممثلة في الرئيس حرصت على استيعاب المعارضين، وسعت لمحاورة حملة السلاح، ومنحتهم ضمانات كاملة للمشاركة في مؤتمر الحوار، فاستجابت طائفة مقدرة منهم، واستعصمت طائفة أخرى بالرفض، من يفعل ذلك لا يمكن وصفه بالسعي إلى الانفراد بالسلطة، ولا يجوز دمغه باستهداف المعارضين، المؤتمر الوطني نفسه أعلن أنه سيتنازل عن جانب مقدر من نصيبه في كعكة السلطة، ويهديها لمن استجابوا لنداء الرئيس وشاركوا في الحوار، حتى حملة السلاح الذين حضروا تم تنفيذ كل التعهدات التي بُذلت لهم، ومن أراد منهم العودة من حيث أتى لم يمنعه أحد، ومن بقي واختار الاستمرار مارس نشاطه السياسي بلا قيود، ولم يتعرض لأي مضايقات.
الحوار الوطني نفسه (صفّر عداد الإنقاذ)، ومثّل بداية ثالثة لها، الشعب نفسه مستبشر وسعيد بما حدث، وهو يستحق الفرح؛ لأنه شعب نقي وتقي وصابر، تحمل الكثير لثقته في قيادته، واختار أن يضحي لأنه يدرك أنها مهتمة به، وساعية إلى توفير احتياجاته كاملة، بحول الله القادم أفضل مما مضى بالنسبة إلى السودان، القرار الأمريكي سيجير لمصلحة الشعب وليس لمصلحة النظام، والإنقاذ مقبلة على بداية ثالثة، ومرحلة مختلفة ملامحها تبدو مبشرة بالكامل.
– هل تعتقد أن مبادرة الحوار ساهمت في الانفراج الذي حدث في العلاقة مع أمريكا؟
* نعم، لها أثر كبير؛ لأنها لبت مطلوبات مهمة، وحوت سعياً مخلصاً لاستيعاب المعارضين، وتوسيعاً لمواعين المشاركة في السلطة، الرئيس (حرس) الحوار الوطني بنفسه، كي لا يحيق به ما حدث في اليمن مثلاً، وأعلن أنه سيكون حواراً سودانياً خالصاً، ولن يشارك فيه أي أجنبي، وأنه سيجرى في السودان، وقد كان، الحوار أرسل إشارات تطمينية للغرب بأن النظام قوي ومنفتح على الآخرين ويرغب في إبرام تسويات سلمية، ومجتهد لإنهاء الصراعات المسلحة، ونعتقد أن الأمريكان التقطوا الرسالة بنجاح، وأحسنوا التعامل معها.
– هل سيؤثر القرار الأمريكي على ملف التفاوض حول المنطقتين؟
* أتوقع ذلك، الغرب عموماً، والأمريكان على وجه الخصوص، اقتنعوا بأن بعض الحركات لا ترغب في السلام، وتريد استمرار الحرب، بل إن بعض المعارضين استاءوا من القرار الأمريكي، وأنا أسأل: أي معارضة تلك التي ترغب في الوصول إلى كراسي الحكم على جثة الوطن؟
كيف نفهم حرصها على الاستمرار في حصار السودان مع تمام علمها بأن ذلك الحصار يؤثر على المواطن البسيط، ويؤثر على الأطفال والشيوخ ويصعب معاش الناس؟ المولى عزّ وجلّ قيّض لنا أصدقاء ساعدونا بلا ثمن، ودعمونا بلا مقابل، وساندونا بقلوب نظيفة.
– وماذا عن ملف العلاقة بين السودان ومصر، هل من جديد فيها؟
* العلاقات طيبة وقوية، والخليجيون أكدوا لي أن الرئيس السيسي يتحدث بتقدير عميق عن الرئيس البشير، ويمدحه باستمرار، والبشير حريص كذلك على تقوية وتطوير العلاقات مع الشقيقة مصر، وقد زارها مرتين مؤخراً، وكذلك حرص الرئيس السيسي على زيارة السودان وشهد احتفالية تسليم مخرجات الحوار، وذلك يعكس محبته للسودان، ويدل على أنه يريد الخير لنا.
– هناك من يتحدثون عن أن تكليف الفريق طه عثمان بملف العلاقة مع دول الخليج يحوي تقليصاً لدور وزارة الخارجية وتعدياً على صلاحيتها، ما قولك؟
* من حق الرئيس أن يكلف أي فرد من الشعب السوداني بأي مهام، ومن حقنا عليه أن نقول له سمعاً وطاعة، علماً أن تخصيص مبعوثين رئاسيين ليس بدعة في عالم السياسة الدولية، أمريكا لديها وزارة خارجية ولديها سفارة وطاقم دبلوماسي كامل في السودان، ومع ذلك أرسلت إلينا مبعوثاً خاصاً، وهذا المصطلح شائع في عالم الدبلوماسية والعلاقات الخارجية، بل بالعكس، تسمية مندوب أو موفد أو مبعوث خاص لدولة أو دول بعينها، يساعد على تقوية العلاقات وينميها، ودور وزارة الخارجية محفوظ، ولا يمكن انتقاصه، لأننا نمتلك سفراء وسفارات في الدول المعنية، تؤدي دورها على أكمل وجه، وتخدم العلاقات بكل احترافية، وعملها لم يتأثر مطلقاً بتكليفي بتطوير ملف التعاون مع دول الخليج، حتى ملف التفاوض مع الأمريكان، ساهمت فيه لجنة فنية قادها وزير الخارجية البروفيسور إبراهيم غندور، واللجنة ساهمت بإيجابية في الملف المذكور، حتى في الداخل الرئيس يرسل موفدين يحملون رسائل رئاسية لشخصيات وقيادات داخل السودان، هذا أمر طبيعي، وتلك المهام تندرج في صلب صلاحيات الرئيس.
الملف الذي تم تكليفي به فرض عليّ أن أبقى في السعودية والإمارات لأوقات طويلة أحياناً، هل يستطيع وزير الخارجية أن يترك مهام وزارته ويتفرغ لملف واحد كل ذلك الوقت؟
نحن نعمل كفريق يقوده الرئيس، ويوزع الأدوار فيه الرئيس، وهو يفعل ذلك بمهارة قائد الأوركسترا، ويتلقى التقارير الراتبة من كل أفراد الفريق، ويديره بدقة، وقد رأيتم المحصلة بأنفسكم، ولكم أن تحكموا، هل كان النهج الذي اتبعه الرئيس في إدارة هذا الملف سليماً ومنتجاً أم لا؟ هل كانت المحصلة سارة وناجحة أم كئيبة وفاشلة؟ ويقولون العبرة بالخواتيم، والخاتمة واضحة لكل ذي عينين سليمتين.
– قضيت وقتاً طويلاً بجوار الرئيس، كيف تقرأ ملامح تلك الشخصية؟
* الرئيس البشير سوداني أصيل، ووطني مخلص، وود بلد بسيط، يهمه أمر السودان، وتشغله مصالح مواطنيه، وهو مهموم بوطنه وشعبه، ويتميز بمعرفة دقيقة لتفاصيل ومزايا الشخصية السودانية، وبمعرفة دقيقة لكل بقاع السودان؛ لأنه خدم فيها إبان عمله في القوات المسلحة، وتنقل في كل أرجاء السودان، وعايش كل القبائل والمجموعات السكانية، وعرف عاداتها وتقاليدها.. أذكر لك مثلاً: ذات مرة سافر الرئيس إلى ولاية البحر الأحمر، وتطرق الحديث إلى منطقة قرورة، فأطنب الرئيس في الحديث عنها حتى أثار دهشة والي الولاية، فسأله: هل زرت قرورة، فرد الرئيس نافياً، وقال إنه سمع الكثير عنها، (الرئيس فيهو بركة)، وهو رجل صادق لا يكذب حتى في أوقات المزاح، لا يكذب مطلقاً، وهو مستمع جيد، وبارع في التلخيص، وأعتقد أن ملامح تلك الشخصية تأثرت برضا الوالدين، وأقول بكل صراحة، لو كان والد البشير (رحمة الله عليه) على قيد الحياة، لما استمر ابنه في الحكم، لأنه كان باراً به، ويخدمه حافياً، ويطيعه طاعة عمياء، شهادتي في البشير مجروحة، وأنا مطمئن لاستقرار السودان بوجوده؛ لأنه لا يجامل في مصالح الوطن العليا، ولو تخلى عن الحكم ستشكل تلك الخطوة خسارة كبيرة للوطن.
– هل يمكن أن نلخص ما تم في الحوار الوطني بأنه أنهى المرحلة الثانية للإنقاذ وأدخلها مرحلة جديدة؟
* الحوار تغيير كامل للإنقاذ، بدلاً من حكومة الإنقاذ ستتولى الأمور حكومة وفاق وطني تضم بعض غلاة المعارضين، الحوار لم ينهِ الإنقاذ لكنه بدأ مرحلة جديدة بمعطيات جديدة، وعلاقات خارجية وطيدة، وتوافق وطني كبير، الإنقاذ لم تغير جلدها لكنها طورت أساليبها، والشعب لعب دوراً كبيراً وصبر لثقته الكاملة في الرئيس، وهي ثقة في محلها بكل تأكيد، وشعبية الرئيس تشهد عليها الحشود التي خرجت لاستقباله في كل زياراته الأخيرة للولايات

مزمل ابو القاسم – محمد لطيف
اليوم التالي


‫4 تعليقات

    1. بي كلمتين جبتها في الصميم يا عليش ..إنت كده …. وفعلا (الله يستر)

  1. 28 سنة حصل كضبت عليكم هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه

  2. طه عثمان الحسين- طغيان الغباء

    قبل عامين تقريبا سألني أحد الاصدقاء عن سر تدني المستوى الفكرى و السياسي للبعض المشهود لهم بالتعليم بمجرد إلتحاقهم بحكومة نظام الإنقاذ . أجبته و بالحرف الواحد أن فخامة الرئيس عمر البشير لا يطيق الأذكياء . لذا إما ان يكون المسؤول الحكومى غبيا بالأساس أو يتغابى ليتعايش مع مستوى تفكير الأخ عمر البشير.

    في سودان الإنقاذ إختفت الدهشة و إندثرت منذ أكثر من عقدين . و إلا لما تسامح الناس مع ما يسمى بالحوار الوطني – و الذي عطل أعمال الناس لأكثر من عامين – فيه دعت الحكومة أنصاف المتعلمين و الفاقد التربوي و جياع المناصب و آكلي الفتات الي الحوار المزعوم في الوقت الذي تجاهلت فيه أفضل من في إفريقيا و المنطقة العربية من أساطين الفكر و القانون و الإقتصاد و العلاقات الدولية من أبناء السودان.

    علمتنا الأفلام الهندية و منذ أن كنا صغارا أن الغبي في الفيلم ينحصر دوره في إضفاء قدر من الفكاهة على مجريات الأحداث. لذا و رغم تكرار حضوره يظل دوره ثانويا من حيث القضية المحورية للفيلم. لكن من الواضح أن الحال يختلف في المشهد السياسي السوداني.

    خلال الثلاث عقود مر على الدولة السودانية الكثير من الأشخاص الظواهر – لكن يبدو أننا و في هذه المرحلة مع تجربة من نوع خاص – إنها ظاهرة السيد طه عثمان الحسين مدير مكتب رئيس الجمهورية.
    لست بصدد إجترار حادثة الإعتداء على المهندس الأعزل أحمد أبو القاسم، أو تسريب المكالمات الهاتفية التي نسبت إليه و ذلك لعدم وجود أي بينات مادية. و إن وجدت البينات فلا وجود للقانون في السودان.

    السيد طه عثمان الحسين – الرجل الظاهرة و الذي كان يمتهن أجمل المهن و أشرفها في تقديري الشخصي – ألا و هي مهنة التمريض تحول بين يوم و ليلة الي ضابط إداري ثم فريق في الأمن دون أدنى خلفية عسكرية أو دراسة في مجال الأمن و الإستخبارات- لتنتهي به الأقدار مديرا لمكتب رئيس دولة السودان بكل إرثها الباذخ .

    سر انجذاب الأخ رئيس الجمهورية تجاه السيد طه عثمان – أن الأخير صادق في مظهره – أي انه لا يتغابى أو يتعمد الغباء حتى يرضى عنه السيد عمر البشير كما فعل البعض من قبل. بل هو كذلك على طبيعته المجردة. فأحبه الرئيس و قربه إليه.
    لا أحد يعترض على قرب السيد طه عثمان من السيد رئيس الجمهورية و الذي وصل به الحال ان يصفه بأنه أبيه. لكن الذي يعنينا هو تغول إبن الرئيس على جميع مؤسسات الدولة.

    صحيح ان السيد رئيس الجمهورية هو الممسك بملف العلاقات الخارجية لكن عبر القنوات المتعارف عليها دوليا – وهي وزارة الخارجية . و ليس عن طريق مدير مكتبه و اصدقاء الأخير من المتشيخين المشعوذين.
    رغم الإحن و المحن فإن السودان أكبر من أن يمثله طه عثمان الحسين و أصدقائه من المشعوذين في الجولات الخارجية.

    في الجمعة الماضية أعلنت الادارة الأمريكية المنصرفة رفعا جزئيا و مشروطا للعقوبات الامريكية المفروضة على المواطنين السودانيين الغلابة منذ العقد من الزمان. الجميع يدرك ان أقطاب النظام قد وظفوا العقوبات الامريكية في الإحتكارو الإتجار بالعملات الصعبة. إستغلوا العقوبات لنهب و تدمير كل قطاعات الدولة. لذا و على نقيض ما يعتقده البعض فإن الرفع المشروط للعقوبات إذا ما تم سيكون خيرا على إنسان السودان.

    لكن المحك يكمن في عدم فهم النظام لمعنى ان يكون الرفع مشروطا. وهو ان يوقف الحرب المفروضة على المواطنين السودانيين العزل في الغرب و الجنوب – أي ان يتوقف عن تمزيق أوصال الأطفال و النساء و الشيوخ وحرقها بحمم الأنتنوف. ثم إرساء السلام و بسط الحريات.

    ما أن أعلنت الولايات المتحدة القرار أعلاه طفق رجل المهمات الغريبة طه عثمان الحسين لينسب فضل كل الذي حدث الي شخصه دون أدنى خجل – كاشفا بذلك كل أسرار الدولة في الإعلام – متبرعا بما تبقى من الفضل الي جهات خارجية و التي منها يقتات هو و رئيسه فتات الموائد على حساب كرامة السودانيين.

    الذي يجدر بالسيد رئيس الجمهورية و مدير مكتبه الهمام و قطعان التنفيذيين الذين معه ان يعلموه هو أننا لسنا في حاجة إلي فتات أو وساطات صغار الدول. فقط ليوقفوا الحرب و يطلقوا الحريات ليروا حقيقة ما السودان و ما نحن السودانيين في خارطة هذا العالم. نحن من يفترض ان يطعم الاخرين و يتوسط لأجلهم و يدفع عنهم الظلم و الضرر. و ليس العكس إن كنتم تعلمون.

    د. حامد برقو عبد الرحمن