حوارات ولقاءات

طه الحسين: لن ننسى مواقف دول مثل روسيا والصين وماليزيا والهند معنا، تقارب السودان مع أمريكا لن يتم على حساب علاقاتنا مع الآخرين


في الجزء الأخير من مقابلته مع (اليوم التالي)، ينتهي مدير مكتب رئيس الجمهورية الفريق طه عثمان إلى التبشير بانفراجة سياسية واقتصادية كبيرة ستشهدها البلاد في الفترة المقبلة، مثل موقف الحكومة من عودة الصادق المهدي التي يعتبرها (عادية)، ويقول إن عودة المهدي المقرر لها السادس والعشرون من يناير الجاري بيد المهدي وحده، حتى إن الحكومة “لم يكن لديها أي مآخذ على الصادق المهدي قبل سفره إلى الخارج”، مشيرًا إلى أن “الحريات العامة مصونة بنسبة كبيرة، ولا يوجد أي معتقلين سياسيين حالياً”. وفي سياق اقتصادي، يقول طه إن السعوديين كانوا في انتظار رفع العقوبات عن السودان لتسهيل التحويلات وبدء العمل في المشاريع الكبيرة التي تكفلوا بتمويلها، وإن القرار الأمريكي الأخير سيسهل تنفيذ تلك المشروعات.. إليكم الجزء الرابع والأخير من المقابلة.
– نريد منك أن تشرح لنا تفاصيل زيارتك لأمريكا، وقد ذكرت أنك التقيت فيها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، والتقيت من بعده مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، ماذا حدث هناك، وكيف تم الترتيب للزيارة؟
* لا أستطيع أن أذكر كل التفاصيل؛ لأن طابعها سري، هناك أشياء لا داعي للخوض فيها، لكنني أطلعت الرئيس على كل صغيرة وكبيرة، وهذا واجبي.
– ذكرت أنكم جاهزون لفترة حكم ترامب، وخاصة للمائة يوم الأولى، هل حدث أي تواصل مع إدارة الرئيس ترامب خلال الفترة السابقة؟
* نعم، حدث تواصل.. الرئيس هنأ ترامب بالفوز وتمنى له التوفيق، والإخوة السعوديون والإماراتيون لهم علاقة قوية بإدارة الرئيس ترامب، وبالحزب الجمهوري تحديداً، وهذا الأمر ليس جديداً، وأعتقد أن وقفتهم معنا، ودعمهم لنا سيسهلان تواصلنا مع الإدارة الأمريكية الجديدة أكثر في الفترة المقبلة.
– هل تطرق المسؤولون الأمريكيون إلى قضية الحريات العاملة خلال لقاءاتهم معكم؟
* لم يتطرقوا إليها باستفاضة، لكنهم وفي بعض المرات كانوا يتساءلون عن مسببات منع بعض المعارضين من السفر، ويسألون: لماذا اعتقلتم هذا أو ذاك، وكانوا يتحدثون عن ضرورة تأمين حق التظاهر السلمي، وعدم التضجر من الرأي الآخر، وعن وقف الاعتقالات السياسية، وما إلى ذلك.
– هل يعني ذلك أنكم ستوسعون هامش الحريات الأساسية في الفترة المقبلة؟
* الحريات العامة مصونة بنسبة كبيرة، لا يوجد أي معتقلين سياسيين حالياً.
– لكن مصادرة الصحف مستمرة.. هل ستتوقف؟
* تلك إجراءات تطلبتها طبيعة المرحلة، هناك فرق بين الحرية والفوضى، أنتم مثلاً تناولتم في تحقيق صحافي موسع أداء وزارة الصحة في ولاية الخرطوم، ونشرتم معلومات ومستندات تنتقد أداء الوزير، هل تمت مصادرتكم؟ هل تم منعكم من الكتابة؟ لم يحدث ذلك، لأن النقد انحصر في العمل العام، وفي البحث عما يحقق المصلحة العامة، الوزير مأمون حميدة اتجه إلى القضاء شاكياً، ولم نتدخل نحن في القضية، ولم نصادر الصحيفة، وهذا مثال بسيط يدل على أن المصادرات لا تحدث إلا في ما يضر بالمصلحة العامة أو يؤثر على أمن البلد، لأن الصحافة ينبغي أن تمارس الحرية المسؤولة، هناك خطوط حمراء تتعلق بالقوات المسلحة وبقية الأجهزة النظامية الأخرى، لا يجوز المساس بها.
– هناك من يرى أن الخطوط الحمراء تعددت في الآونة الأخيرة؟
* هناك قضايا قومية وملفات أمنية لا يجوز المساس بها، والخطوط الحمراء واضحة للجميع، وهي محدودة وليست كثيرة كما يشاع، الصحف السودانية تنتقد الحكومة كل يوم، وتقيّم الأداء العام باستمرار، وتهاجم بعض المسؤولين، وتطالب بإعفائهم، وهامش الحرية الموجود عندنا لا يتوافر في معظم الدول المحيطة بنا، حتى في أمريكا أوروبا هناك خطوط حمراء لا يسمح للإعلام بتجاوزها، والأمثلة كثيرة، الرئيس نفسه يطالع الصحف مباشرةً، ويقرأ معظم ما يكتب، ويتفاعل مع الصالح، ولا يكتفي بالتقارير التي ترفع له من الأجهزة المختصة، وهو يرتبط بعلاقة طيبة مع الإعلام عموماً، ويتحدث معه باستمرار، ويحرص على حضور قادة الرأي العام لجلسات مجلس الوزراء، وهذا فيه تقدير كبير لدور الإعلام، بخلاف أن الإعلام ظل حاضراً في معظم زيارات الرئيس الخارجية والداخلية، والصحافيون الذين يرافقون الرئيس يلتقونه بلا حواجز، ويجلسون معه ويتبادلون معه الآراء، أنتم مثلاً أجريتم حواراً مع الرئيس في الطائرة بعد زيارته قبل الأخيرة لمصر، وتكرر هذا الأمر عدة مرات، بل إن الرئيس لم يشترط أن يحاوره رؤساء التحرير، وجلس مع محررين وتحدث إليهم، وهو يقدر الإعلام، ويحسن التعامل معه.
– خلال الفترة السابقة حدثت متحولات مؤثرة، منها إعلان حزب المؤتمر الشعبي موافقته على الانضمام إلى الحكومة المقبلة، ومنها إعلان الإمام الصادق المهدي عودته للسودان في خواتيم الشهر المقبل، كيف تنظر الرئاسة إلى هذه المستجدات المؤثرة؟
* أبدأ بعودة الإمام الصادق المهدي، وأقول إنها عادية وطبيعية، الحكومة لم يكن لديها أي مآخذ على الصادق المهدي قبل سفره إلى الخارج، الرئيس أصدر عفواً كاملاً عنه بعد أن تعرض للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع وأساء إليها، الرئيس أمر بإطلاق سراحه وعدم مقاضاته، وبعدها سافر برغبته ولم يمنع من السفر، لذلك نقول إن عودته طبيعية وعادية، وهو يستطيع أن يعود إلى وطنه في أي وقت.. أعتقد أن الصادق المهدي قرأ الواقع الحالي بطريقة جيدة، واستشعر أن الأوضاع مستقرة، وأن ملف العلاقات الخارجية يشهد انفراجاً غير مسبوق مع أمريكا والغرب ومصر ودول الخليج عموماً، والسعودية والإمارات على وجه الخصوص، لذلك اختار العودة. في ملف العلاقة مع السعودية مثلاً التواصل بيننا يتم يومياً، في ما سبق كانت الزيارات نادرة والعلاقات شبه مجمدة، ولا تقتصر إلا على زيارات أداء واجبات العزاء وما إلى ذلك، الرئيس نفسه أصبح يتواصل مع خادم الحرمين الشريفين باستمرار، وكما ذكرت فقد سهل الرئيس البشير زيارة (40) من الرؤساء الأفارقة إلى المملكة، وقد أقر الملك سلمان بهذه الحقيقة وذكرها أكثر من مرة، وكرم بها السودان، ونحن نعتبر ما فعلناه واجباً تميله علينا روابط الدين والأخوة والمصير المشترك.. الأشقاء في الخليج دعمونا ووقفوا معنا في أوقات الشدة، وقدموا لنا الكثير ولم يمتنوا علينا مطلقاً، نحن لن ننسى مواقف السعودية والإمارات معنا، والشعب السوداني لديه تقدير كبير للأشقاء في الإمارات والسعودية، ويدرك أنهم مخلصون في سعيهم لمساعدتنا، ويقدر ما فعلوه لنا في ملف العقوبات تحديداً.. أما الصادق فعودته من عدمها بيده وحده.
* هل ترى أن تلك العلاقة مع دول الخليج وصلت قمتها أم أنها ما زالت قابلة للتطور؟
– التعاون مستمر، والتنسيق في كل المجالات متواصل على مستوى القيادة هنا وهناك، هذا الملف يديره الرئيس شخصياً، بسبب أهميته البالغة للسودان، وحرصاً من الرئيس على تقوية وتنمية العلاقات مع الأشقاء في الخليج، وقد سردت لكم ما قدموه لنا، وما فعلوه كي يساعدونا على رفع العقوبات الأمريكية، لأنهم لعبوا دور الوسطاء باقتدار، وتدخلوا بقلوب نظيفة، وبرغبة حقيقية في خدمة السودان، وقد ذكرت سابقاً أن مساعدة وزير الخارجية الأمريكي ذكرت لي أن المسؤولين في السعودية والإمارات يهتمون بهذا الملف، وأن الإدارة الأمريكية تمتلك تقديراً كبيراً لهما، لأنهم يعتبرون السعودية والإمارات من أبرز حلفائهم في المنطقة.
– وماذا عن مشاركة المؤتمر الشعبي في الحكومة المقبلة؟
* ذكرت لكم أن نجاح الحوار اتضح في تحول المؤتمر الشعبي من خانة المعارضة إلى ملعب الحكومة، حزب المؤتمر الشعبي شارك في الحوار بفعالية، وساهم في إنجاحه، وأعتقد أنه اطمأن إلى جدية الرئيس في تنفيذ مخرجات الحوار، وأنه ملتزم بكل ما قاله، وأن تنفيذ تلك المخرجات بدأ فعلياً، وقطع شوطاً بعيداً بإجازة التعديلات الدستوية. وكما ذكرت فإن الأيام المقبلة ستشهد تكوين الحكومة الجديدة وتسمية رئيس للوزراء، تنفيذاً لما تم التوافق عليه في مؤتمر الحوار.
– ما هي أهم ملامح الحكومة المقبلة، وهل هناك أي توجهات لدى الرئيس بخصوصها؟ هناك من يطالبون بأن تأتي رشيقة في تكوينها كي تتناسب مع الظرف الاقتصادي الحالي، ما ردكم؟
* أنا ضد الحديث الذي يدور حول حرمان الوزراء من المخصصات وتقليص الامتيازات التي تمنح لهم، هذه المخصصات بسيطة أصلاً، ولا تشكل عبئاً كبيراً على الخزانة العامة، وحجبها لن يخدم البلد بشيء بقدر ما سيؤثر على أداء الوزراء.. في السودان يتدافع الناس لملاقاة المسؤولين في بيوتهم بالعشرات، وربما المئات سعياً لحل مشكلاتهم، وبيوت الوزراء وكل المسؤولين مفتوحة للناس على مدار الساعة، نحن مع التقشف ومراعاة الظرف الاقتصادي، لكن السودان بلد متعدد الأعراق وبه مكونات عديدة، وتوسيع مواعين المشاركة يوفر الكثير على البلد، ويسهم في توفير الاستقرار للدولة، ويمزق جانباً مقدراً من فواتير النزاعات، ويسهم في تمثيل كل الطوائف في السلطة، ويسهل وصول الكفاءات لموقع القرار.
– السعودية أبدت استعدادها لدعم السودان في ملفات السدود والمياه والكهرباء، نريد منكم أن تذكروا لنا مستجدات هذا الملف؟
* السعوديون كانوا في انتظار رفع العقوبات لتسهيل التحويلات وبدء العمل في المشاريع الكبيرة التي تكفلوا بتمويلها، والقرار الأمريكي الأخير سيسهل تنفيذ تلك المشروعات، القبول الأمريكي نفسه كان مهماً، لأن أمريكا حليف استراتيجي لكل دول الخليج، الخليجيون يعملون بنهج (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان).
– ما تأثير النقلة الجديدة على علاقة السودان بالمحور الشرقي، الصين وروسيا على سبيل المثال؟
* دول الخليج نفسها متوازنة جداً في علاقاتها مع كل الدول، وارتباطها بتحالفات وعلاقات وطيدة مع أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي لم يؤثر سلباً على علاقاتها مع روسيا والصين وغيرهما، علاقاتنا مع تلك الدول تسير على نفس النهج، نحن لن ننسى مواقف دول مثل روسيا والصين وماليزيا والهند معنا، لأن علاقاتنا معها متميزة، ولم تشبها أي شائبة قطيعة، تقاربنا مع أمريكا لن يتم على حساب علاقاتنا مع الآخرين، وعلاقات السودان الخارجية تقوم في الأساس على التوازن وتبادل المصالح، وستظل كذلك.

مزمل أبو القاسم- محمد لطيف
اليوم التالي


‫4 تعليقات

  1. ههههههههههه والله صحي طه الدلاهة. البسمع الكلام ده يقول خلاص امريكا رضت عليهم

  2. كلام موزون ويتسم بالحكمة يا سعادة الفريق . يا ليتنا اتبعنا هذا النهج منذ عام 89 بالتاكيد كان السودان في وضع مختلف. ادارة دولة مثل السودان زاخر بموارده ليس امرا صعبا ولكن المسالة فقط تحتاج لجديه وعدم المحاباة لشخصيات لا تقدم شيئا فمثلا يجب تعيين ما مطلوب من انجازات لكل وزير ضمن خطه محدده بفترة زمنيه وواضحه ومدروسه من خلال لجنة اقتصاديه عليا يلزم بها كل وزير مع المتابعة بحيث لا كبير على هذه البلاد ويقيم الوزير بادائه لا بنسبه وحسبه وقبيلته ولا شك ان هناك أداء لبعض الوزراء غير مقبول عند معظم اهل هذه البلاد ولكنهم قابعون في وزاراتهم كانهم ملائكة منزلة فلماذا ? ببساطه يجب على كل وزير ان يبين انجازاته لهذا الشعب على ارض الواقع وليس نظريا كل مدة محددة مثلا ستة اشهر ويبقى اذا قدم ما هو مطلوب منه والا فليرحل ماسوفا على الزمن الذي اضاعه من زمن . والله من وراء القصد

  3. السياسة المكشوفة فاشلة . لا بد ان تدرك متى تفصح عن اسرار الدولة ومتى تكتمها . السياسة العشوائية ضارة .