رأي ومقالات

يا العالي تعليمك


(معدل 50% يحق لصاحبها المنافسة على مقاعد كليات الطب والهندسة ) ..تصريح منسوب لوزيرة التعليم العالي ..والتصريح ينقصه بضع كلمات هي ان المقاعد متاحة لمن يستطيع دفع ثمنها ..فدراسة الطب تعدت رسوم التسجيل بكليات الطب الخاصة حاجز المائة ألف جنيه (بالجديد ) ..لكن ليس هذا هو مربط الفرس ..ان كان المعدل او المبلغ المدفوع ..مربط الفرس هو انه كان المتوقع من السيدة الوزيرة ان تثور على الطريقة التقليدية التي يتم بها ترشيح الطلاب بناء على امتحان عقيم لا يخرج مقدراتهم الحقيقية ..تماما كما رسم ذلك الكاركاتيرست مجموعة من الحيوانات المختلفة.. فيل ..سمكة ..قرد ..طائر ..مصطفين امام ..شخص يقول لهم (الامتحان عندنا يضمن العدالة ..لذلك عليكم جميعا تسلق الشجرة التي خلفكم).

دراسة العلوم البيطرية ..كلية اختارها لي مكتب القبول ..عندما درستها احببتها ..لكن هل كان هذا كافيا؟؟ ..في بدايات عملي بمستشفى عطبرة البيطري ..كان علينا انا وصديقتي اماني اجراء جراحة قيصرية مستعجلة لماعز اتعبها المخاض ..اجرينا العملية بنجاح بعد تخدير الام ..وأخرجنا ثلاث تؤائم ..صغار ..اجلسناهم على الأرض ..ما لبثوا قليلا حتى حاولوا الوقوف على أقدامهم ..اوقفت كل شئ لاتامل هذا المشهد ..قلت لنفسي ..ما أقصر طفولة هذه الماعز الصغيرة ؟؟ يجب عليها ان تقف على قدميها بعد الولادة مباشرة ..ومن ثم نقاسمها غذائها ..بل يصل الأمر الى حرمانها من الحليب لصالح البشر في بعض الأحيان.. نظرت الى زميلتي اماني ..وجدتها تتأمل الصغار بنظرات تشع منها المحبة ..اماني تكتب الشعر الجميل منذ أيام الكلية ..قالت لي بصوت حالم (شوفي جمال البدايات ..بحاولوا يقيفوا ويقعوا ..بس ما في يأس ) ..في تلك اللحظة ..وصغار الماعز تتقافز حولنا في غرفة العمليات (تخيلوا كان في غرف عمليات مجهزة في المستشفى البيطري ) ..أقول في تلك اللحظة عرفت أنني وصديقتي قد ضللنا الطريق الى البيطرة ..فقد اضعنا الوقت في تأمل الصغار ..بينما كان علينا سرعة خياطة الجرح ..ومحاولة افاقة الام لارضاع الصغار الذبين ملأؤا الغرفة ضجيجا…الحمد لله أننا تداركنا الأمر واسرعنا بالقيام باللازم.

اكتشاف الميول والمقدرات يتم خلال سنوات الدراسة ما قبل الجامعة ..التي يتم فيها حشو التلميذ بكل شئ ..ويطالب بافراغه في ورقة الأمتحان ..ولو سألته بعد ذلك لن يذكر منه شيئا ..لأنه ببساطة لم يستفد منه شيئا ..هذا الجيل يعرف كيف يتعامل مع الكمبيوتر والهواتف الذكية ويتواصل عبر الانترنت ..لابد ان تكون المناهج مواكبة لذلك ..والا ..نجد أنفسنا نسير بخطى حثيثة نحو الهاوية ..فالقصة ما قصة معدل 50 ولا 90 ..الأمر هو هل تم اعداده حسب ميوله ومقدراته ام لا؟؟….ابني الصغير كنت اراجع معه الادب ..سألني عن عمرو بن كلثوم الذي ورد اسمه عرضا ..بحماس شديد ..طفقت احكي له عن قصة المعلقة الشهيرة ..وكيف أنه لم يرتض الدنية لأمه ..فقتل عمرو بن هند ..وأتكأ على سيفه وانشد معلقته التي بلغت اكثر من مائة بيتا ..كان يستمع الى بأعين مفتوحة ظننت ان الذي يشع منها هو بريق الاعجاب لكنه فاجأني عندما رد على سؤالي رأيك شنو ؟؟..قال لي وهو يضرب كفا بكف (يا ماما الزول دا مسك بينا زمن بس ..بدل ما ينادي الشرطة ..والأسعاف ..بعد ما قتل الزول.. يتكئ على سيفه و يقول شعر كمان؟؟)..

د. ناهد قرناص