رأي ومقالات

العيسابي: في كل يوم (أقبل رأس أمي واقول لها ياعسل)


كتبت قبل ذلك مقالاً بصحيفة السوداني الرائدة و الناجحة ، عن والدتي الحنون (آمنة بت حسن) كما يحلو لجاراتها ( آمني بت حسن ) ، وقلت أنها إمرأة كريمة بشوشة متفردة في كل تفاصيلها .

علاقتي بوالدتي متعها الله بالعافية ( خاصة ) جداً ، أعاملها كأم و صديقة ، أمازحها وألهو معها كأنني ندها وهي السبعينية في العمر ، وكثيراً ما يثير ذلك إعجاب أطفالي و يقلدونه معي .
لا أخفي عنها شاردة وأول من أبشرها بما يفرحني ، أو أخبرها بأسفاري ، أشاورها و أحكي لها سحابة يومي ، وحتى ما يدور في مواقع التواصل أنتقي لها ما يسليّها ويضحكها واستمتع بتعليقها ، وأذكر يومها قالت لي لو بكتب في الفيس كنت ياما حكيت ?
في إحدى حلقات برنامجي الإذاعي ( علمتني الحياة ) تحدث ضيفي عن جمال حبوباتنا وأمهاتنا بشكل يفوق فتيات هذا الجيل رغم أنهن لايضعنا مساحيق ولايذهبن للكوافير .

بتلقائية عقبت عليه مؤكداً حديثه بأنني في كل يوم ( أقبل رأس أمي واقول لها ياعسل ) حتى وقد فعلت ذلك الآن وأنا خارجاً لتسجيل هذه الحلقة .

لم يدر في خُلدي أن تكون لهذه الكلمات الصادقة التي خرجت بعفوية وقعها في قلوب بعض المستمعين الذين هاتفوني عقب بث الحلقة .

ولكن ما أثار عاطفتي و أسقط دمعتي ، رجل ستيني من شرق النيل ، اتصل بي وهو ينتحب قائلاً : ( أن والدته توفت وقد تركته رضيعاً لا يعرف عنها أي شيء ، لذلك فجرت كلماتك هذه آلاماً اعتصرها في قلبي منذ ستة عقود ، ثم أردف هل تصدق يا ابني لو رفع كمساري صوته على إمرأة لا أستطيع أن أمسك غزارة دمعي ، الكثيرون لايعلمون ألم أن تفتقد أمك فما بالك بمن لا يراها ) !
دُهشت من بر هذا المستمع المُرهف ( العم عوض ) وقلت في نفسي ( سبحان الله مر أكثر من ستين عاماً من فقده لأمه ولازال قلبه طفولي يبكي عليها ويشتاق إليها )
إنها الأم ..
والدتي لها وفاء من نوع مُدهش تجاه والدي ، حتى وقد فارق الحياة لم يخلو أسبوعا لم يأتيها في رؤيا ولا يمر يوماً لم تحكي عن سيرته العطرة ، كانت وصيته أن يُدفن تحت تراب بلدته التي خدمها و أحبها ، فعند وفاته في نهار يوم جمعة بمستشفى ساهرون بالخرطوم كانت الوالدة تذكر بوصيته فحملناه على عجل إلى البلد ، ليقدر الله أن يكون قبره قريباً من منزلنا الذي لايبعد عن ( مقابر ودعبتُد ) فتزوره كل صباح ، وعندما تسافر يأتيها في رؤيا لتعود لزيارته ، ارتباط وثيق وحب عميق بينهما ووفاء دام لاكثر من خمسين عاماً عُمر زواجهم المثالي ، الذي ما سمعنا خلاله يوماً قد علا صوتهما أو وبخ أحدهم الآخر لفعل فعله أو لم يفعله .
إنها الأم ..
حفظ الله لنا امهاتنا جميعاً ومتعهن بالصحة والعافية وغفر الله للاحياء والاموات منهن وأسكنهن فسيح الجنان .

بقلم
محمد الطاهر العيسابي ( ابومهند العيسابي )


تعليق واحد